في حديث أدلى به لمجلة “نيوزويك”، قال عيران عتصيون، النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي خلال حرب تموز/يوليو 2006 بين إسرائيل ولبنان، والرئيس الحالي لقسم تخطيط السياسات في وزارة الخارجية إنه “من الصعب جداً أن نعرف كيف يمكن أن نكسب حرباً مفتوحة مع حزب الله، أو ما إذا كان بالإمكان كسبها على الإطلاق.. أعتقد أن إسرائيل ستُنهزم خلال الـ 24 ساعة الأولى، وذلك ببساطة بسبب ما سنراه من دمار شامل سيطال مناطق حسَّاسة جداً داخل البلاد وعلى نطاق واسع. سيحدث دمارٌ لم يسبق لنا أن رأيناه من قبل”.
حربٌ لا رابحَ فيها
لا تزال إسرائيل تعاني من تداعيت عملية “طوفان الأقصى”، التي شنَّتها حركة “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى قبل ثمانية أشهر، وجرّتها إلى حرب هي الأطول والأكثر دموية منذ تأسيسها. في الوقت نفسه، تخوض إسرائيل مواجهات يومية تتصاعد باستمرار على طول حدودها الشمالية مع حزب الله، الذي استطاع أن يُعزز ترسانته الحربية بشكل كبير منذ حرب تموز/يوليو 2006.
ففي خضم تلك الحرب، التي استمرت شهراً واحداً، قُدِّر أن حزب الله كان لديه نحو 10 آلاف صاروخ وأنواع أخرى من الأسلحة. لكن مسؤولين في الجيش الإسرائيلي يقدرون أن “الحزب” لديه اليوم أكثر من 200 ألف صاروخ، بالإضافة إلى عدد لا يُحصى من قذائف الهاون والطائرات الحربية المُسيَّرة وصواريخ “أرض- جو” وصواريخ دقيقة ومضادة للدبابات وأسلحة أخرى متطورة.
في هذا الخصوص، قال شموئيل مئير، الرئيس السابق لقسم الحدّ من التسلح التابع لإدارة التخطيط الاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي، لـ”نيوزويك”: “إيران بَنَتْ لحزب الله ترسانة ضخمة من الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى لغرض استراتيجي رئيسي، وهو أن تكون هذه الترسانة بمثابة دفاع أمامي لردع أي هجوم يستهدف منشآتها النووية.. والزيارات المتكررة التي يقوم بها كبار المسؤولين الإيرانيين إلى بيروت هي للتأكد من أن الحزب لا يهدر ترسانته كما فعل في حرب 2006”.
العديد من هذه الأسلحة أُستخدمت بالفعل في المواجهات الدائرة على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. فحزب الله يشنّ هجمات نوعية وأكثر تطوراً من أي وقت مضى. وفي الأسبوع الماضي، أعلن، ولأول مرة، عن تدمير بطاريات لنظام القبة الحديدية الإسرائيلي. صحيح أن الجيش الإسرائيلي لم يعترف بذلك بعد، لكنه أقرَّ مؤخراً بوقوع إصابات جراء هجمات نفذتها مسيَّرات حربية تابعة لحزب الله كانت مُحملة بالمتفجرات والصواريخ وأشعلت حرائق هائلة في الشمال الإسرائيلي الذي أصبح خالياً من سكانه: “نحو 80 ألف مستوطن إسرائيلي نزحوا من الشمال منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي”، بحسب مسؤولين إسرائيليين. ونحو 93 ألف لبناني نزحوا من جنوب لبنان، بحسب الأمم المتحدة (…).
قال متحدثٌ باسم حزب الله لـ”نيوزويك”: “منذ ثمانية أشهر والإسرائيليون يهددون. لكن من يرفع الصوت عالياً لا يعني أنه يستطيع فعل أي شيء.. هم غارقون في مستنقع غزَّة، ولم يستطيعوا إحراز أي إنجاز يُذكر سوى قتل المدنيين والأطفال الأبرياء وتدمير الأحياء السكنية.. حزب الله مستعدٌ دائماً لأي شيء، وسيدافع عن مواطنيه وأرضه من دون أي تردد”
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، سقط لإسرائيل مئات، وربما آلاف القتلى من العسكريين والمدنيين (على الجبهتين: الشمالية مع حزب الله، والجنوبية مع فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة)، وهذا العددٌ المذهل من الضحايا لم يسبق لإسرائيل أن تكبدت مثله منذ تأسيسها قبل ثمانية عقود.. ومع ذلك، فإن عدد الضحايا سيكون مضاعفاً مرات ومرات في حال نشوب حرب مفتوحة بين إسرائيل وحزب الله، بالنظر إلى مستوى القوة النارية والقدرات القتالية البشرية التي من المرجح أن يستخدمها الجانبان.
وبحسب مئير “لن يستطيع أيٌ من الطرفين الفوز بسبب توازن التدمير الشامل المتبادل الذي سيطال البنى التحتية والأحياء السكنية.. إن أي غزو أو هجوم واسع النطاق قد ينفذه الجيش الإسرائيلي ضد لبنان؛ كما يطالب بعض السياسيين؛ سيؤدي إلى رد انتقامي كبير من قبل حزب الله لن تكون حدوده فقط هجمات صاروخية ضخمة وواسعة النطاق على حيفا وتل أبيب” (…).
الوقت ينفذ
وبينما يناقش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادته، علناً، إمكانية شنّ حرب مفتوحة مع لبنان، يقلَّل حزب الله من أهمية هذه التهديدات، ويؤكد في الوقت نفسه استعداده التام للرد. وقال متحدثٌ باسم حزب الله لـ”نيوزويك”: “منذ ثمانية أشهر والإسرائيليون يهددون. لكن من يرفع الصوت عالياً لا يعني أنه يستطيع فعل أي شيء.. هم غارقون في مستنقع غزَّة، ولم يستطيعوا إحراز أي إنجاز يُذكر سوى قتل المدنيين والأطفال الأبرياء وتدمير الأحياء السكنية.. حزب الله مستعدٌ دائماً لأي شيء، وسيدافع عن مواطنيه وأرضه من دون أي تردد”.
إسرائيل لم تعلن بعد عن جدول زمني رسمي للحرب التي تتحدث عنها. لكن مسؤولين إسرائيليين، ومن بينهم القائد السابق لوحدة النُخبة في الجيش الإسرائيلي، دورون أفيتال، تحدثوا مراراً وتكراراً عن تاريخ الأول من أيلول/سبتمبر المقبل. ومع ذلك، يُشكك أفيتال بإمكانية الوفاء بالموعد المذكور “بالنظر إلى المسار الحالي للأحداث”. ويصف الوضع الأمني على الجبهة الشمالية بأنه “جنوني”، كما صرح لـ”نيوزويك”.
وأضاف أفيتال: “جبهة الشمال الممتدة على طول الحدود مع لبنان عبارة عن مناطق مفتوحة. وهذه ميزة يمكن أن تكون في صالح الجيش الإسرائيلي، مقارنة بجبهة الجنوب مع غزَّة التي هي عبارة عن بيئة مكتظة بالسكان.. لكنني أقرُّ أيضاً بأن الأحياء السكانية الإسرائيلية ستدفع الثمن غالياً، خصوصاً حيفا وتل أبيب، بسبب ما يمتلكه حزب الله من صوارخ دقيقة وصواريخ بعيدة المدى وقدرات قتالية عالية”.
وللتخفيف من الخسائر المرتقبة على الجبهة الداخلية، يقترح أفيتال أن تبدأ إسرائيل حربها المرتقبة بـ”هجوم مفاجئ” يستهدف “جميع مخابئ أسلحة وصواريخ حزب الله، في بعلبك وجنوب لبنان، ثم تقوم باجتياح برّي”.
ومع ذلك، يُحذَّر أفيتال من أن تدمير البنى التحتية المدنية والعسكرية اللبنانية سيعرض إسرائيل لمزيد من العزلة والمحاسبة الدولية، إلى جانب ما تتعرض له جراء حربها على غزَّة. ويقول: “لا أحبذ فتح حرب مع لبنان من دون موافقة واشنطن، التي بالطبع لا تريد الحرب.. علينا أن نعترف بمسؤوليتنا عن الدمار الذي ألحقناه بغزَّة. وبأنه سيكون من الصعب على حلفائنا أن يروا مثل هذا النوع من الدمار يلحق ببيروت”.
حرب تقود “إلى الهاوية”
ويضيف أفيتال: “الدعم الأميركي شرط أساسي لفتح أي حرب، لأنه حتى عملية عسكرية محدودة يمكن أن تتطور إلى صراع أكبر ومفتوح يجرّ إليه فصائل أخرى من محور المقاومة، التي تشنُّ بالفعل عمليات شبه يومية ضد إسرائيل، خصوصاً من العراق واليمن“.
وفي تأكيد لما قاله المتحدث باسم حزب الله، شكَّكت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة في استعداد إسرائيل للانخراط في حرب كبرى مع لبنان، وحذَّرت في الوقت نفسه من أن الجيش الإسرائيلي سيفشل في نهاية المطاف إذا اختار القيام بذلك. وصرحت البعثة الإيرانية لـ”نيوزويك”: “نحن لا نعطي أي مصداقية على الإطلاق للتهديدات التي تصدر عن بعض المسؤولين الإسرائيلين.. وبرغم أن نتنياهو قد يسعى إلى تصعيد الأزمة وتوسيع جغرافية الحرب لكي يستمر بالامساك على السلطة، فإن حكام النظام الصهيوني ومؤيديه يدركون تماماً أنهم – وبعد فشلهم الذريع في غزَّة – سيواجهون هزيمة أكبر أمام حزب الله، الذي يمتلك قوة عسكرية تفوق ما ما لدى حركة حماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية بأضعاف مضاعفة”.
وأضافت البعثة الإيرانية: “حزب الله لا يرغب في أي حرب مفتوحة، لكنه مستعد لها ولأي تهديد يتعرض له لبنان.. لدى الحزب القدرات الكافية للدفاع عن نفسه وعن لبنان بشكل مستقل، ومن دون الحاجة إلى مساعدة أو تدخل مباشر من إيران”.
لكن عتصيون يوضح: “إذا تركنا الحرب في غزَّة تنزلق إلى حرب مفتوحة مع حزب الله، فهذا يعني جرّ إيران إلى حرب شاملة، ويعني أيضاً مشاركة واسعة من قوى محور المقاومة في سوريا والعراق واليمن في هذه الحرب (…)”. ويضيف: إن مثل هذا السيناريو “ليس إلزامياً”، كما أن حرباً أخرى في لبنان ليست حتمية.
ومثل أفيتال، أعرب عتصيون عن شكوكه بشأن قدرة إسرائيل على الوفاء بالموعد النهائي في الأول من أيلول/سبتمبر لـ”إعادة الأمن إلى الحدود الشمالية”. ويشدد على أن التنسيق مع الولايات المتحدة أمر بالغ الأهمية، خاصة إذا كان من الممكن تحقيق وقف إطلاق النار في غزَّة للتخفيف من حدة أزمة الحدود الإسرائيلية مع لبنان.
وعند الاتصال به للتعليق، أحال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض “نيوزويك” إلى ما أدلى به الرئيس جو بايدن (يوم الجمعة الماضي) بخصوص “خارطة الطريق” لغزَّة، المكونة من ثلاث مراحل: وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل و”حماس”، انسحاب القوات الإسرائيلية، والمباشرة بإعادة إعمار القطاع (…).
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي: “التهدئة في عزة تفتح إمكانية تحقيق قدر أكبر من التقدم، بما في ذلك إحلال الهدوء على طول الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان” (…).
إلى ذلك، تستمر الجهود خلف الكواليس لتجنب أي تصعيد لا يمكن السيطرة عليه. وأشار مئير إلى “قنوات خلفية للاتصالات بين أميركا وإيران عبر السفارة السويسرية في طهران، واجتماعات سرّية تعقد في عُمَان لتحقيق هذه الغاية”. وأضاف: “اتضح أن لدى واشنطن وطهران هدف مشترك، وهو احتواء الحرب وتهدئة الجبهة بين إسرائيل ولبنان، لمنع أي تصعيد من شأنه أن يؤدي إلى نتائج لا يرغب فيها أحد” (…).
وفي حديث أدلى به لـ”نيوزويك” شريطة عدم الكشف عن هويته، قال مسؤول لبناني: “نحن نشعر بقلق كبير إزاء أي سوء تقدير يمكن أن يجر المنطقة إلى الهاوية.. نركز جهودنا بشكل خاص على تجنب مثل هذا الصراع. ونحث الجميع على مقاومة الاستفزازات الإسرائيلية التي تهدف إلى توسيع نطاق الحرب – وهي حرب، إن وقعت، ستكون كارثية، وستمتد على نطاق جغرافي واسع وجبهات متعددة (…)”.
– ترجمة بتصرف عن مجلة “نيوزويك“.
(*) توم أوكونور، نائب رئيس تحرير قسم “الأمن القومي والسياسة الخارجية” في مجلة “نيوزويك”.