ما بعد اغتيال “السيّد”.. إيران هي هدف نتنياهو!

خلال الساعات المقبلة سيكون قد مضى على اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وبدء الحرب الإسرائيلية على لبنان خمسة أيام.

جرت العادة أن المقاومة في لبنان متمرسة على امتصاص الصدمات التي مرت بها خلال العقود الماضية، لكن صدمتها هذه هي الأكبر منذ العام 1982. وعلى الرغم من ذلك لا شك أن هناك قيادة جديدة، بغض النظر عن الاجراءات التنظيمية، تتولى حالياً إدارة المعركة بكل مستوياتها. هذا واضح من دون لبس من خلال أداء الميدان الذي عاد ليطلق الصواريخ التي بلغت اليوم (الثلاثاء) تل أبيب ويُنفذ عمليات على الخط الحدودي، وهو الأمر الذي يدل على أن منظومة القيادة والسيطرة لدى حزب الله جرى ترميمها بشكل سريع.. والآن وقت القرارات الكبرى.

نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، وفي أول كلمة له بعد الاغتيال، تطرق إلى الشق الأول من خلال تأكيده أن منظومة القيادة والسيطرة ستتابع ما كانت تتابعه وأنهم يعملون وفق هيكلية منظمة وخطط بديلة، لكن خطابه لم يتناول “القرارات الكبرى”، مُكتفياً بإعادة التأكيد على موقف حزب الله الذي سبق اغتيال أمينه العام بالقول “لن نتزحزح عن موقفنا في مواجهة إسرائيل مناصرة لغزة ورداً على الاغتيالات”.

التحدي لم يعد في مساحة التكتيك؛ التحدي اليوم على الخناق مباشرة ولا يهمّ من يفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، ومن الآن، لا فرق بين إدارة وإدارة في قربها من إسرائيل إلا بمدى التزامها بالخطوة القادمة وعنوانها الذي كتبه بنيامين نتنياهو قبل هذه الحرب بسنوات، هو خنق إيران

اغتيال نصرالله ليس مجرد اغتيال لشخص في موقع قيادة عليا؛ هو باختصار إعلان إسرائيلي ـ أميركي (ولا يمكن فصلهما في هكذا قرار) عن انطلاق عملية خنق “الأخطبوط الإيراني” بتفتيت أذرعه لا ضربها ومن ثم التفرغ للإجهاز على الرأس بعدما يكون قد فقد كل أدوات القوة. هذا الأمر أكّد عليه بوضوح وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت بالقول إن “إسرائيل تقاتل ضد إخطبوط إيراني رأسه في طهران وتحاول أذرعه ضربنا”. من هنا فإن اغتيال السيد نصرالله وإن كان ضربة لحزب الله، لكنه من دون أدنى شك وضع السيف على نحر إيران التي لم تخسر فقط حليفاً قوياً وقائداً تحسبه من جوارح جسدها، بل رأس حربة قوتها الهجومية وخط الدفاع الأول عن “المحور”.

قبل أشهر قليلة، كتبتُ عن الردع المضطرب الذي بدأت تضيق حلقاته منذ بداية حرب غزة وأن عدم تثبيت معادلة ردع حقيقية سيؤدي إلى تضييق الخناق على كل المحور الذي ترعاه طهران. اليوم وصلت الأمور إلى لحظة يبدو جلياً فيها أن التالي لن يكون سوى مفاعلات إيران النووية. من البداية، كان هدف رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو هو ضرب إيران وبالتالي فإن غياب الردع الحقيقي سيعطيه مزيداً من الثقة للذهاب إلى تحقيق أهم أهدافه. لما لا طالما أنه في حساب الألم والربح لا يتوجع بالقدر الذي يحصد فيه إنجازاً تلو إنجاز!

قرأتُ تحليلات طفولية وغبية، وفي العادة لا أحبّ التوصيف، عن تآمر إيران على نصرالله وبيعه مقابل اتفاق مع الغرب. هذا سيناريو إنتحاري لا علاقة له بالواقع بأي شكل من الأشكال. سيناريو شبيه بالقول إن حزب الله يتآمر على “قوة الرضوان” في قلب الحرب. الحقيقة أن حضور ونفوذ إيران الثورة الإسلامية في هذه اللحظة يواجه أعظم تحدياته الوجودية. هذا بدوره سيقود إلى تهديد لوجود النظام نفسه خصوصاً إذا ما ذهبت إسرائيل إلى رأس الأخطبوط من خلال ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما سيحدث عاجلاً أم آجلاً في حال بقيت طهران في حالة احجام عن تدارك اندفاعة إسرائيل الحالية ضد إيران خارج حدودها، الأمر الذي سيُسهل على إسرائيل خطواتها اللاحقة لأن إيران في ظل سيناريو كهذا ستصبح مكشوفة بالكامل في حال هزيمة المحور الذي تقوده في هذه الحرب. على هذا الوتر بدأ نتنياهو يعزف في بيان خاص وجّهه إلى الشعب الإيراني مُحرّضاً إياه على النظام الحاكم مبشرًا بالمستقبل الواعد الذي ينتظر الإيرانيين في حال انهارت شبكة التحالفات الإيرانية خارج البلاد.

لقد ترقى نتنياهو على سلّم التصعيد درجة درجة منذ بدء هذه الحرب قبل سنة. وفي كل مرة كان يُصعّد فيها ضرباته لم يكن يُواجه بما يردعه بشكل مؤلم. وقد قالت العرب يوماً، “من أمن العقاب أساء الأدب”، ونتنياهو ذهب حتى النهاية فقتل من اللبنانيين والفلسطينين واليمنيين ومن قادة حزب الله وحماس والحرس الثوري الإيراني ما لم يسبقه إليه أحد. في المقابل ماذا تلقى؟ الردود التي تتوقف عند حافة الإيلام من دون إيلام الأمر الذي أعطاه إشارة عجز عند الآخرين وشجّعه على المزيد وهو اليوم يرفع شعار “هل من مزيد”؟

إقرأ على موقع 180  مدفيديف يكتب عن "أميركا 2.0": سياسة خارجية عصية على التنبؤ (2)

وكما أن كلفة عدم الرد هي أعلى بكثير من الرد، كما أثبت نتنياهو بالفعل لا بالقول، فإن كلفة الكلام الكثير والتهديدات نتيجته حرب نفسية مدمرة على البيئة الحاضنة للمحور، وهو في غياب نصرالله، صانع سرديات المحور الذي كان قادراً على إقناع أنصاره وجمهوره بأي وجهة يتبناها، سيصبح للكلام ضريبة ضخمة إذا لم يقترن بالفعل. وسيزيد هذا من كلفة القادم على الجميع من دون استثناء، فالقطار يسير والركاب بغض النظر عن اتجاهاتهم، بمن في ذلك من هم على خط النقيض الفكري، محكومون بمن يقود وبالوصول الآمن إلى المحطة المقبلة.

التحدي لم يعد في مساحة التكتيك؛ التحدي اليوم على الخناق مباشرة ولا يهمّ من يفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، ومن الآن، لا فرق بين إدارة وإدارة في قربها من إسرائيل إلا بمدى التزامها بالخطوة القادمة وعنوانها الذي كتبه بنيامين نتنياهو قبل هذه الحرب بسنوات، هو خنق إيران. بالتالي، ربما هناك من يُنظّر لمفهوم “الصبر الاستراتيجي” في مواجهة الحرب، والحفاظ على المقدرات في انتظار توقيت معركة لا يفرضها العدو بتوقيته، إلّا أن ما حدث ويحدث يقول الكثير، ولعل أهمّه أن الإسرائيلي وحلفاءه إتخذوا قراراً بالذهاب حتى النهاية بما لا يسمح حتى بالحفاظ على السلاح الأبيض في اليوم الأسود!

(*) بالتزامن مع “جاده إيران

Print Friendly, PDF & Email
علي هاشم

صحافي وكاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  مدفيديف يكتب عن "أميركا 2.0": سياسة خارجية عصية على التنبؤ (2)