“ترامب 2” وإيران.. فرصة ديبلوماسية ضيّقة تفادياً لزلزال جديد!

وضعت التحولات الكبرى في الشرق الأوسط خلال الأشهر الأخيرة، إيران في مكان بات يتطلب منها تحديد خيارات استراتيجية بالنسبة لسياستها الخارجية وعلاقتها بالغرب، وضمناً قرارات حاسمة في يتعلق ببرنامجها النووي، تصعيداً أو تقديم تنازلات جوهرية. وسيترتب على الحالتين نتائج بعيدة المدى.

ما هو مطروح للنقاش الجدي في إيران اليوم، هو طريقة التعامل مع المشهد الإقليمي المتغير في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.. وتتعامل القيادة الإيرانية مع المستجدات من زاوية الحاجة إلى اتخاذ قرارات استراتيجية تضمن حماية النظام من جهة وتقديم مقاربة جديدة لكيفية تعامل طهران مع عدد من الملفات الإقليمية والدولية من جهة ثانية.

وفيما لا تتوقف التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، يُرسل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إشارات متناقضة حول ما يعتزمه حيال إيران، على مسافة أسابيع من عودته إلى البيت الأبيض، سواء بالتهويل بالعقوبات القصوى وعدم استبعاد الخيار النووي من جهة، أو من خلال ابداء الإستعداد للتوصل إلى اتفاق نووي جديد من جهة ثانية.

والمستجد على هذا الصعيد، أن الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، كشف الخميس الماضي أنه بحث مؤخراً في الخيار العسكري، في حال قرّرت طهران رفع درجة تخصيب اليورانيوم من نسبة نقاء 60 في المئة إلى 90 في المئة اللازمة لصنع القنبلة النووية، قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير الجاري.

والفترة الفاصلة عن هذا الموعد يتخللها حبس أنفاس، لما يُمكن أن يُقدم عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يُكرّر في تصريحاته الربط بين ضربات الحوثيين الصاروخية ضد إسرائيل وتلقيهم مساعدة استخباراتية وفنية إيرانية، في توجيه الصواريخ والمسيّرات، حتى أن رئيس تحرير صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية ألوف بن استبعد فرصة التوصل إلى اتفاق لوقف النار في غزة، قبيل وصول ترامب للبيت الأبيض، “لأنه في حال قيام الحوثيين بوقف إطلاق النار ورفع الحصار البحري عن إيلات سيكون من الصعب على إسرائيل تبرير الهجوم على إيران ومنشآتها النووية، وخصوصاً إذا أدى الهدوء إلى إحياء الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق بين طهران والغرب. ولكن ما دام المخطوفون الإسرائيليون في غزة، فإن إسرائيل تستطيع مواصلة الحرب، والتمسك بـ”أمل” الحصول على موافقة أميركية لمهاجمة إيران”.

هل يستفيد “ترامب الثاني” من الأخطاء التي وقع فيها في ولايته الأولى، وينحو منحى الديبلوماسية للجم البرنامج النووي الإيراني، أم يُصغي إلى نتنياهو ويُفضل الخيار العسكري، من دون ضمان أن تقضي ضربة واحدة على كامل مقدرات إيران النووية، ويُثير احتمال ذهاب إيران إلى الخيار الكوري الشمالي؟

ويطمح نتنياهو إلى أكثر من تدمير البرنامج النووي الإيراني، ليبلغ تغيير النظام، الذي يعتبر أنه يُشكّل تهديداً وجودياً لإسرائيل، ويرى بأن حروبه المستمرة منذ 15 شهراً قد أضعفت حلفاء إيران في المنطقة، من “حماس” إلى “حزب الله” إلى سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وتحييد حلفاء طهران في العراق، وأنه آن الأوان لضرب مركز “المحور” وقلبه، أي إيران.

ماذا عن الموقف الأميركي؟

حتى الآن، لا يتبنى الموقف الرسمي الأميركي نظرية اسقاط النظام الإيراني، لكنه رسم الخط الأحمر الذي لا يتعين على القيادة الإيرانية تجاوزه، ألا وهو الذهاب في خيار صنع القنبلة النووية.

ولعل النكسات التي تعرضت لها إيران مع حلفائها في الأشهر الأخيرة، أعادت النقاش في البلاد حول الردع العسكري، بما في ذلك دعوات من البعض لتطوير أسلحة نووية. وفي أوائل أيلول/سبتمبر الماضي، أعلن النائب الإيراني عن مدينة طهران أحمد نادري، أنه حان الوقت لإجراء تجربة نووية.

وبحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، فإن إيران تواجه “خياراً وجودياً. فإما أن تسير على خطى كوريا الشمالية، التي أدى سعيها العلني لامتلاك الأسلحة النووية إلى تعرضها للنبذ الدولي والدمار الاقتصادي. أو أن تحاكي أوكرانيا، التي سلّمت أسلحتها النووية عام 1994 مقابل ضمانات أمنية وراهنت على الغرب. ويشعر البعض في كييف بالأسف الشديد لهذا القرار، معتقدين أن روسيا لم تكن لتغزو أوكرانيا لو كانت أوكرانيا مسلحة نووياً”.

وأشار التقرير الأخير لمفتشي الأمم المتحدة، الشهر الماضي، إلى “التسارع الكبير” في الإنتاج الإيراني لليورانيوم المخصب، الذي يقترب من درجة تصنيع الأسلحة. ورداً على ذلك، هدّدت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا الأسبوع الماضي بـ”إعادة” مجموعة كاملة من العقوبات التي رفعت بعد الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.

ووسط أجواء التوتر السائدة، سيجلس وفد إيراني مع ممثلين للترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، في جنيف في 13 الشهر الجاري لإجراء “مشاورات” حول احتمالات الشروع في مفاوضات حول البرنامج النووي. وعقد آخر اجتماع من هذا النوع في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وتحدث مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان مؤخراً، عن أن إدارة جو بايدن تشعر بالقلق من أن تسعى إيران، التي اعتراها الضعف في الآونة الأخيرة، إلى امتلاك سلاح نووي، مُضيفاً أنه يُطلع فريق ترامب على هذا “الخطر”.

 يُمكن ترامب الاستفادة من إبداء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي، انفتاحاً على التفاوض مع الغرب، أخذاً في الاعتبار أن رفع العقوبات الغربية، هو السبيل الأنجع لمعالجة الأزمة الاقتصادية في إيران.. إنما الخطير في الأمر، أن نافذة الديبلوماسية تزداد ضيقاً

ما هو بديل الفرصة الديبلوماسية؟

إقرأ على موقع 180  ما لم يقله نصرالله وفهمته إسرائيل

من المحتمل أن تكون التوترات بين إيران والولايات المتحدة، واحدة من التحديات الرئيسية أمام ماركو روبيو المرشح لمنصب وزير الخارجية في إدارة ترامب. وعلى غرار ترامب، يُعتبر روبيو من “الصقور” في التعامل مع إيران، حيث يرى أنها مصدر لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وهو من أشد المؤيدين لإسرائيل. ومع ذلك، بدأت مواقف روبيو تنحو منحى واقعياً بعد الانتخابات الأميركية. وقال في مقابلة تلفزيونية: “إننا ندخل عصر السياسة الخارجية البراغماتية، حيث يتغير العالم بسرعة. ويتحد الخصوم من كوريا الشمالية إلى إيران والصين وروسيا. إنّهم يُنسقون بشكل متزايد. سيتطلب الأمر منا أن نكون براغماتيين وحكيمين جداً في شأن كيفية الاستثمار في الخارج وما نفعله وكيف نتعامل مع الأمور”.

وكتب الخبير في السياسة الأميركية المتعلقة بالشرق الأوسط جون هوفمان في مجلة “ذا هيل” الأميركية، أنه “برغم خطورة انعدام الثقة بين واشنطن وطهران، فإن الديبلوماسية ما تزال ممكنة. وهي خطوة أولى على طريق فك الارتباط بالشرق الأوسط، الأمر الذي تحتاجه الولايات المتحدة بشدة”. وحذّر من أن “البديل المحتمل للديبلوماسية هو حرب بين الولايات المتحدة وإيران، ستعود بنتائج كارثية على الاستقرار الإقليمي والمصالح الأميركية” في المنطقة.

ومن المؤكد أن إدارة ترامب ستحصي السلبيات والإيجابيات التي ستنجم عن الخيارين الديبلوماسي والعسكري. عندما سحب ترامب أميركا من “خطة العمل المشتركة الشاملة” (الإسم الرسمي للاتفاق النووي) عام 2018، كانت إيران بموجب القيود التي فرضها الاتفاق على مسافة عام من انتاج القنبلة. أما اليوم فإن المسافة تُقدّر بأسابيع، بعدما ردّت طهران على الإجراء الأميركي برفع نسبة التخصيب من 3.67 في المئة إلى 60 في المئة. ولم تحل العقوبات ولا “الضغوط القصوى” ولا اغتيال كبير العلماء النوويين الإيرانيين محسن فخري زاده، ولا غيره من الاستهدافات، دون تطوير إيران أجهزة الطرد المركزي وزيادة كمية اليورانيوم المُخصب إلى مستويات قياسية، تكفي بحسب الخبراء لصنع قنبلتين نوويتين أو أكثر.

هل يستفيد “ترامب الثاني” من الأخطاء التي وقع فيها في ولايته الأولى، وينحو منحى الديبلوماسية للجم البرنامج النووي الإيراني، أم يُصغي إلى نتنياهو ويُفضل الخيار العسكري، من دون ضمان أن تقضي ضربة واحدة على كامل مقدرات إيران النووية، ويُثير احتمال ذهاب إيران إلى الخيار الكوري الشمالي؟

سؤال آخر يطرح نفسه، هل ترامب جاهز للانخراط في عملية أبعد من قصف المنشآت النووية وبلوغ مرحلة العمل على اسقاط النظام الإيراني وتحمل تبعات زلزال آخر في الشرق الأوسط، مع سيستتبع ذلك من تورط أميركي واسع في المنطقة، بما يُشكّل خبراً ساراً لكل من الصين وروسيا؟

 يُمكن ترامب الاستفادة من إبداء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي، انفتاحاً على التفاوض مع الغرب، أخذاً في الاعتبار أن رفع العقوبات الغربية، هو السبيل الأنجع لمعالجة الأزمة الاقتصادية في إيران.. إنما الخطير في الأمر، أن نافذة الديبلوماسية تزداد ضيقاً، يوماً تلو يوم.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  روبرت مالي: المنطقة قابلة للإلتهاب.. وبايدن لا يؤمن بالمبادرات