ترامب وإيلون ماسك.. من “أميركا أولاً” إلى إمبريالية القرن الـ19

يُقدّم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، مصحوباً بالملياردير إيلون ماسك، عرضاً مفزعاً لما ستكون عليه السياسة الخارجية الأميركية في السنوات الأربع المقبلة، بما يؤشر إلى تخلٍ عن سياسة "أميركا أولاً"، التي رفعها الرئيس الـ47 للولايات المتحدة شعاراً له في حملته الانتخابية.

في تماثلٍ مع عقيدة التوسع التي سادت في القرن التاسع عشر، طرح دونالد ترامب أجندة إمبريالية قوامها التهديد بالإستيلاء على قناة بناما وجزيرة غرينلاند، من دون استبعاد الخيار العسكري سبيلاً إلى ذلك، بينما لوّح باستخدام القوة الاقتصادية للولايات المتحدة لإجبار كندا على أن تصير الولاية الـ51 للبلاد وتزيل “الحدود المصطنعة” بين البلدين. واقترح تغيير تسمية خليج المكسيك ليصير خليج أميركا.

وبعد فوزه في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، فاجأ ترامب كندا والمكسيك بالإعلان عن اعتزامه فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 25 في المئة على كل البضائع التي تدخل الولايات المتحدة من هذين البلدين، حتى “يوقفا”، بحسب زعمه، تهريب المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة.

في أول الأمر، لم يأخذ كثيرون كلام ترامب على محمل الجد أو اعتبروه من قبيل المساومة للحصول على اتفاقات تجارية أفضل مع كندا والمكسيك، ليتبين لاحقاً أن ثمة خطة تدور في رأس الرئيس المنتخب، ليدخل التاريخ بصفته الرئيس الذي وسّع حدود الولايات المتحدة على غرار أندرو جاكسون وتيودور روزفلت.

وتاريخياً، توسّعت الولايات المتحدة بشكل كبير من طريق شراء الأراضي من بلدان أخرى، بما في ذلك شراء لويزيانا من فرنسا عام 1803، وشراء فلوريدا من إسبانيا عام 1819، وشراء غادسدن من المكسيك عام 1854، وشراء آلاسكا من روسيا عام 1867.

وكتبت مجلة “ذا هيل” الأميركية أن “الحديث عن شراء غرينلاند، يُمكن أن يُنظر إليه على أنه مسألة تتعلق بالأمن القومي. ويعتبر القطب الشمالي منطقة أساسية، في الوقت الذي تتطلع الولايات المتحدة إلى مواجهة روسيا والصين، وقد احتدمت المنافسة على المنطقة، بينما يفتح ذوبان الجليد ممرات ملاحية جديدة. كما أن غرينلاند غنية بالثروات الطبيعية”.

ما يُعلنه ترامب اليوم من أفكار توسعية، قد تؤدي إلى تدشين صفحة جديدة من الحروب والنزاعات في العالم، بما ينقض كل الوعود التي أطلقها الرئيس المنتخب إبّان حملته، من أنه آتٍ لوقف الحروب في العالم، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط

وفكّرت الولايات المتحدة جدياً في تقديم عرض لشراء غرينلاند وأيسلندا إبان رئاسة أندرو جونسون في الفترة من 1867 إلى 1868. وفي عام 1946، عرض الرئيس هاري ترومان على الدانمارك 100 مليون دولار من سبائك الذهب مقابل الإقليم. ولم ينجح أيٌ من جونسون أو ترومان في مسعاه.

ويقول الخبير الاستراتيجي في الحزب الجمهوري فورد أوكونيل، إن “ما يقوله (ترامب) حقاً هنا، هو التفكير بصوت عالٍ بإعادة العمل بمبدأ (الرئيس جيمس) مونرو، القائم على السيطرة على النصف الغربي من الكرة الأرضية”. ويحظر مبدأ مونرو الذي أعلن عام 1823، على الولايات المتحدة الانخراط أو التدخل في الشؤون السياسية لأوروبا.

لا يستقيم هذا الرأي مع نظرة مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، الذي كان حليفاً لترامب قبل أن يتحول إلى منتقدٍ له، إذ يقول: “إذا كنت (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين أو (الرئيس الصيني) شي جين بينغ، فهذه موسيقى تُطرب أذني”.

ويرى جيرالد بوتس، كبير مستشاري رئيس الوزراء الكندي المستقيل جاستن ترودو، أن ترامب يبدو أكثر جرأة مما كان عليه عندما تولى منصبه للمرة الأولى عام 2017، و”أعتقد أنه يشعر بأنه غير مثقل عما كان عليه في الولاية الأولى. هذه المرة لا توجد قيود”.

وفي حديث لمجلة “نيوزويك” الأميركية، شكّك الخبير في الإمبريالية الأميركية دانيال إميروار، الذي يُدرّس في جامعة نورث وسترن، في الاقتراح القائل بأن سياسات ترامب ترقى إلى “العودة إلى عصر الإمبراطورية”، وذلك لأن العصر الحالي نفسه إمبريالي، حيث يشبه النفوذ الأميركي العالمي نفوذ الإمبراطورية. وقال: “لن يكون من المبالغة رؤية مئات القواعد العسكرية للولايات المتحدة خارج حدودها كنوع من الإمبراطورية.. لكن من الواضح أن ترامب يشعر براحة أكبر مع شكل قديم من أشكال استعراض القوة يعود إلى الأيام الدموية لتيودور روزفلت”.

ماسك أغنى رجل يتلاعب العالم

ليس ترامب وحده من يُشيع الذعر بين الحلفاء. فهناك صديقه الأقرب إيلون ماسك، مالك سيارات “تسلا” الكهربائية ومنصة “إكس” للتواصل الإجتماعي وشركة الفضاء “سبيس إكس”.

أنفق ماسك ما لا يقل عن 277 مليون دولار على حملة ترامب، الذي كافأه بتعيينه على رأس لجنة مكلفة الحد من الإنفاق العام، إلى جانب ملياردير آخر هو فيفيك راماسوامي.

إن درجة التقارب بين الرجلين، ذهبت بالبعض إلى الظن أن ترامب يُعدّ قطب التكنولوجيا بلا منازع، كي يخلفه في الرئاسة، الأمر الذي استدعى تذكيراً من قطب العقارات بأن ماسك مولود في جنوب أفريقيا، وتالياً لا يحق له الترشح للرئاسة الأميركية.

قبل التطرق إلى ما يحدثه ماسك من اشمئزاز في أوروبا، تجدر الإشارة إلى أن التيار الشعبوي الذي يعرف بجماعة “لنجعل أميركا عظيمة مجدداً” (ماغا)، يشعر باستياء كبير من ماسك، لأنه أقنع ترامب بتخفيف القيود على استقبال المهاجرين من ذوي المهارات التي يُمكن أن تستفيد منهم شركات التكنولوجيا، بينما هذا التيار يُكّنُ عداءً مطلقاً للمهاجرين. ويُعبّر عن هؤلاء، الذين كان لهم الفضل الأكبر في عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ستيف بانون المستشار السابق للرئيس المنتخب. وتبادل المعسكران الاتهامات والتهديدات في الأسابيع الأخيرة، بما هدّد بتفكك التحالف الذي يستند إليه ترامب.

إقرأ على موقع 180  البلقان مجدداً.. و"سلامُ" الأطلسي على المحك

تجاوز ماسك، الذي تقول صحيفة “الواشنطن بوست” الأميركية، إن إيرادات شركاته السنوي، يفوق الإنفاق الدفاعي البريطاني أو الألماني، حدود الولايات المتحدة إلى أوروبا، لتتساءل “هل يستطيع أغنى رجل في العالم التلاعب بألمانيا أو بريطانيا، على غرار ما فعلت شركة “يونايتد فروت” عندما أخضعت هندوراس قبل قرن من الزمن”؟

يتدخل ماسك علناً في الانتخابات الألمانية المقررة في 23 شباط/فبراير المقبل. وهو يهاجم المستشار أولاف شولتس، ويقف إلى جانب “حزب البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف الذي وضعت الاستخبارات الألمانية بعض كوادره تحت الرقابة للشك بحملهم أفكاراً نازية. ويقدم ماسك “البديل من أجل ألمانيا” على أنه “بصيص الأمل الأخير” للبلاد.

التيار الشعبوي الذي يعرف بجماعة “لنجعل أميركا عظيمة مجدداً” (ماغا)، يشعر باستياء كبير من ماسك، لأنه أقنع ترامب بتخفيف القيود على استقبال المهاجرين من ذوي المهارات التي يُمكن أن تستفيد منهم شركات التكنولوجيا، بينما هذا التيار يُكن عداءً مطلقاً للمهاجرين

ولم تنجُ بريطانيا من تدخلات ماسك، الذي شنّ هجوماً كاسحاً على رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، متهماً إياه بالتساهل في فضيحة عمرها أكثر من عقد شملت عصابات تتألف بشكل رئيسي من رجال باكستانيين بريطانيين، يُقال إنها استدرجت وأساءت معاملة الفتيات القاصرات واغتصابهن. ومعلوم أن ستارمر تولى منصب مدعي عام إنكلترا بين عامي 2008 و2013.

وإمعاناً في التدخل بالسياسات البريطانية، فكّر ماسك الذي تقترب ثروته من نصف تريليون دولار، ذات مرة بتمويل زعيم حزب الإصلاح اليميني المتطرف نايجل فاراج، قبل أن يتراجع عن المسألة، بسبب خلاف نشب بينهما.

ويُواجه القادة الأوروبيون الإزدراء الذي يُعبّر عنه ماسك لقارة يرى أنها “تحتضر” إما بالتجاهل أو بدعوته إلى الاهتمام بشؤونه الخاصة، وذلك كي لا يثيروا حفيظة ترامب تجاههم.

ما يُعلنه ترامب اليوم من أفكار توسعية، قد تؤدي إلى تدشين صفحة جديدة من الحروب والنزاعات في العالم، بما ينقض كل الوعود التي أطلقها الرئيس المنتخب إبّان حملته، من أنه آتٍ لوقف الحروب في العالم، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  "صفقة قرن" جديدة في المنطقة.. وهذه مؤشراتها