خطة ترامب الغزّاوية.. كيف قرأها الإعلام العبري؟

في الأسبوع الأخير من السنة الثانية من الحرب الإسرائيلية على غزة، وضعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة من 21 بنداً لوضع حد لتلك الإبادة الإنسانية غير المسبوقة في التاريخ، وقَبِلها مبدئياً طرفا الصراع، الإسرائيلي والفلسطيني، وبمباركة دول عربية وإسلامية وازنة. لكن الصحافة العبرية لم تبدِ تفاؤلاً تجاهها، وطرحت حيالها العديد من التساؤلات وسلّطت الضوء على الثغرات وما ينتظرها من عقبات، قد تطيح بها فتستمر الحرب!

يقول رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” الأسبق، عاموس يادلين، والمحللة الإسرائيلية المتخصصة في الشأن الفلسطيني نوعا شوسترمان-دفير، في مقالة مشتركة لهما في موقع “قناة N12″، أنه “لم تأتِ صيغة بنود الخطة بشكل غامض عبثاً؛ إذ يتيح الغموض تفسيرات متعددة، وتجلّت فجوة التفسيرات في المؤتمر الصحافي، الذي عقده نتنياهو وترامب، في طريقة تناوُل كلٍّ منهما دور السلطة الفلسطينية المستقبلي. ففي حين أبدى نتنياهو شكوكاً، نصّب ترامب نفسه رئيساً للهيئة الإدارية (مجلس السلام)، وأسند مهمة تنفيذ الإصلاحات في السلطة إلى طوني بلير (رئيس الوزراء البريطاني الأسبق). قد يكتشف نتنياهو أن اتخاذ خطوات تُعتبر عقبة أمام تقدّم الإصلاحات لن يستقبله “مجلس الإدارة” الجديد بالترحاب، وهو ما قد يجرّ تغييراً في السياسات أيضاً إزاء الضفة الغربية”.

ويضيف الكاتبان: “لقد خُصص الغموض في الأساس لخدمة قدرة إدارة ترامب على استقطاب الشراكات، لكنه يضع أيضاً مخاطر وتحديات، وبشكل خاص فيما يتعلق بالضمانات الأمنية لإسرائيل وحرية تحرُّكها وإمكاناتها في مواجهة تعاظُم “حماس”، أو التعامل مع “قنبلة موقوتة”، في ظل وجود عربي ودولي على الأرض. ومن القضايا الإشكالية الأُخرى: قدرة إسرائيل على مواجهة عناصر “حماس” الذين سيختارون الخروج إلى دول-  ملاذ، وينشطون هناك في “الإرهاب” ومحاولات إعادة بناء الحركة؛ والفترة الزمنية للوجود الإسرائيلي في محيط القطاع؛ وهل هناك مسار اقتصادي مكمّل لتجفيف مصادر تمويل حماس”؟

ويرى يونتان ليس في مقالة له في “هآرتس”، أنه ثمة إيجابية في الضبابية التي أحاطت الخطة، بحيث “تبقي لنتنياهو هامش مناورة. بعد ذلك، في محادثات استهدفت ترجمة مبادئها إلى بنود عملية، يمكنه إدخال عنزة وتصعيب التوصل إلى تهدئة أو إقامة نظام بديل في غزة”. ويختم الكاتب مقاله بسؤال أساسي: هل سيوافق رئيس الحكومة على “ابتلاع الضفدع” ويسمح لكبار قادة “حماس” بمواصلة العيش في غزة طبقا للشروط التي تظهر في الخطة، طالما أنهم “يلتزمون بالعيش بتعايش وسلام ونزع سلاحهم”؟

ورأى الكاتب الإسرائيلي ميرون رابوبورت، في مقالة له في موقع “972” الإسرائيلي أن خطة ترامب “كشفت، برغم ما تحمله من تناقضات وغموض، عن تغير جذري في موازين القوى، وعن نهاية مرحلة سياسية طويلة تبناها اليمين الإسرائيلي، كانت ترى في الحرب فرصة تاريخية لطرد سكان غزة، سواء بالتهجير القسري أو الطوعي، بل وربما القضاء على القضية الفلسطينية برمتها”.

تحويل “حماس” إلى ما يشبه “حزب الله”!

من جهته، يحذر رئيس أركان المنطقة الشمالية الأسبق في جيش الاحتلال، آشر بن لولو في “يديعوت أحرونوت”، من عدم نزح السلاح بالكامل من حركة “حماس”، سواء الهجومي أو الدفاعي. وينطلق من مبدأ “عُمق الانسحاب مرهون بعمق نزع السلاح”، بمعنى آخر، أن “الجيش الإسرائيلي سينسحب، وفق معايير ومراحل زمنية وجداول مرتبطة بنزع السلاح، يتم الاتفاق عليها بين إسرائيل وبين قوات تثبيت الاستقرار والعرب والولايات المتحدة”.

ويؤكد الجنرال المتقاعد بأن استبعاد “حماس” من الحكم في غزة وفقاً للخطة التي تنصّ على نقل السلطة المدنية إلى جهات محلية ودولية من دون مشاركة “حماس”، “أمر صعب التنفيذ، إذا لم ينفّذ نزع السلاح بشكل كامل. لذا، فإن مسألة نزع السلاح هي الشرط المركزي لأي تغيير واقعي في غزة بعد الحرب”. ثم يستدرك “موافقة “حماس” على هذه الشروط ستكون بمثابة استسلامٍ عملي، حتى من دون رفع الراية البيضاء، وبالتالي فإن الحكومة الإسرائيلية ستفعل الصواب، إذا وافقت على الاقتراح”.

ويبدي رئيس معهد “مسغاف” للأمن القومي، أحد مهندسي “الاتفاقات الإبراهيمية”، مئير بن شابات، تشاؤمه لناحية تحييد “حماس” عن الحكم في غزة، بقوله “حماس ستبقى القوة المركزية المهيمنة على القطاع، حتى وإن لم يكن لها دور رسمي في إدارته؛ فإن تقليص مطلب نزع السلاح إلى “السلاح الهجومي” فقط – كما ورد في نص الخطة – يمهّد الطريق لتهميش هذا المطلب وتفريغه من مضمونه؛ فهل الأنفاق والملاجئ في غزة تُعد سلاحاً هجومياً أم دفاعياً؟ وماذا عن الصواريخ المضادة للطائرات، والألغام، وغيرها؟ تحت غطاء “إعادة الإعمار المدني”، سيكون في مقدور “حماس” تجديد قدراتها العسكرية، ولا توجد آلية رقابة يمكنها منْع ذلك، بل إن الآليات الدولية لن تساعد، إنما ستُعيق وتثقل كاهل إسرائيل في جهودها لمنع ذلك. وهذه ليست نظرة متشائمة، إنما قراءة واقعية لما حدث سابقاً، ولا يوجد ما يدعو إلى اعتقاد أن هذه المرة ستكون مختلفة”.

ويدعو بن شابات إلى وجوب أن يعي الإسرائيليون “أن القناة المدنية وجهود الإعمار هما المسار الأساسي لبناء القدرات العسكرية؛ فكل ما سيدخل قطاع غزة لأغراض مدنية ستستخدمه “حماس” لبناء قوتها العسكرية. طالما أن “حماس” لا تزال القوة المسيطرة في القطاع، فإنها ستكون صاحبة الكلمة في كل ما يدخله”. ويضيف الكاتب “إن خطة انتقال الإدارة المدنية من يد “حماس” من دون المساس بسيطرتها العسكرية يمكن أن تؤدي إلى “تحويل غزة إلى نموذج يشبه حزب الله في لبنان”.

إقرأ على موقع 180  فلسطين في مهب رياح الصحراء المغربية

مستقبل “السلطة” غامض!

ورأى الكاتب الإسرائيلي بن كسبيت في مقالة له في “معاريف” أن نتنياهو “فَهِمَ أن الأمر انتهى، وأن «حماس» لن تخرج من أنفاقها وهي تحمل رايات بيضاء. كانت لديه خطة، اسمها الرمزي الداخلي «كعكة الطبقات»، وكان يُفْتَرَضُ بها أن تنهي الحرب وتُنْتِجَ «صورة نصر» ما، ويُتَّجَهَ بعدها إلى الانتخابات. وقد اعتمدت النسخة الأولى من الخطة على الهجوم في الدوحة، والذي كان من المفترَض أن يُسقط ما تبقّى من قيادة «حماس» بضربة واحدة، وكان نتنياهو سيعلن «نصراً كاملاً»، ويقدّم ترامب الخطة، بعد بعض التعديلات، ويكون بذلك قد «جاء المخلّص إلى صهيون». وبالمناسبة؛ كان ترامب يعلم مسبقاً بالهجوم في الدوحة، لكن تبيَّن لاحقاً أن هذا الهجوم فشل، وهذا الفشل، إلى جانب أضراره الفورية، أَخْرَجَ ترامب من المعادلة. ومن جانبنا، كان واضحاً أن الرئيس الأميركي لن يتورط معنا في إخفاق كهذا، فهو ينضم فقط إلى العربات الرابحة، لا المتعثرة”.

وفي مقال للكاتب تسفي برئيل في صحيفة “هآرتس”، يشير إلى مكامن الخطر الذي يهدد خطة ترامب، بقوله “من الآن ستبدأ الأطراف في التصادم حول تفاصيل بنية «اليوم التالي»، وستربط تنفيذ المرحلة الأولى، التي هي أيضا لم يتم إغلاقها بعد، بالموافقة على الخطة النهائية الضبابية. ولكن حتى فصل المفاوضات على جزأي الخطة لا يضمن النجاح، حيث إن الحلقة بينهما لا تتعلق فقط بمكانة “حماس”، بل أيضا بمكانة السلطة الفلسطينية و”م.ت.ف” (منظمة التحرير الفلسطينية) وطبيعة العلاقة بين الضفة والقطاع”. ويختم الكاتب “لا نستطيع الآن تحميل كل تاريخ فلسطين على خطة ترامب، وان نحل بواسطتها القضايا التي لم ننجح خلال عشرات السنين في الاتفاق عليها”.

ويأمل الباحثان تامير هايمان وعوفر غوتمان، في مقالة مشتركة لهما في “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي”، أن يُحافظ على دور للسلطة الفلسطينية من خلال الخطة المطروحة، حسبما تطالب الدول العربية، وذلك “عبر تركيبة الأعضاء (هناك إشارة إلى ذلك تظهر في البند 8، الذي ينص على أن معبر رفح سيُفتح ويُدار، وفق الآلية التي طُبّقت في كانون الثاني/يناير 2025، والتي شغلها موظفو السلطة فعلياً، ومن المعروف أن بعض الأسماء المرشحة لرئاسة الإدارة المحلية وقوة الشرطة الجديدة سيكونان من صفوف “فتح” وكوادر السلطة)”.

ويشير الباحثان إلى أنه “من المهم التوضيح أن نقل المسؤولية والصلاحيات من يد إدارة التكنوقراط إلى يد السلطة الفلسطينية لن يتم إلا بشروط إصلاحات أساسية في السلطة الفلسطينية، وليس وفق جداول زمنية جامدة (بخلاف المبادرة المصرية التي اقترحت أن تعمل إدارة التكنوقراط مدة ستة أشهر فقط، قبل نقل صلاحياتها إلى السلطة الفلسطينية)”.

وفي مقالة له في “هآرتس”، يصف الصحفي الإسرائيلي رفيف دروكر خطة ترامب بأنها “ليس مجرد عمل هواة، بل عملية دجل. فالوثيقة منحازة لإسرائيل، وتبدو بصمات رون ديرمر واضحة عليها، وهي نوع من التقليد لـ”صفقة القرن”. “التنازلات” الإسرائيلية هي مجرد تصريحات فقط، وستتحقق في مستقبل غير محدد، بينما المكافأة التي تنالها إسرائيل فورية. في “صفقة القرن” كان هناك تنازُل عن الضم، هذه المرة، المقابل الفوري هو الإفراج الكامل عن الأسرى. أمّا إقامة الدولة الفلسطينية ومشاركة السلطة وانسحاب إسرائيل، فهي أمور ستحدث يوماً ما”.

 “نوبل للسلام”!

يقول المحلل الإسرائيلي، تسفي برئيل، في مقالة له في “هآرتس”، إن دونالد ترامب “لم يُظهر فهماً عميقاً لبنود خطته في أثناء المؤتمر الصحافي، إلّا إنه وجّه رسالة واضحة، مفادها بأن إنهاء الحرب أصبح هدفاً حقيقياً. إن ذِكر اسم طوني بلير، الذي يُتوقع أن يترأس هيئة دولية لإعادة إعمار القطاع، هو بمثابة إشارة إلى جدية الخطة. بلير الذي لديه علاقات دبلوماسية وتجارية واسعة، سيكون الشخصية التشغيلية الرئيسية، بالتنسيق مع جاريد كوشنير وستيف ويتكوف”. ويضيف “حتى لو كان مَن طرح فكرة إنشاء هذه الهيئة نتنياهو نفسه، فإن ترامب يرى فيها فرصة لنيل الجائزة التي لطالما طمح إليها: جائزة نوبل للسلام، التي ستُعلَن قريباً”.

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  أمل كعوش يليقُ بكِ تمثيل الأسطورة.. الفلسطينية