بين الإنسانى والسياسى تبدت مفارقات فادحة بعد الزلزال المروع، الذى ضرب مناطق شاسعة فى تركيا وسوريا، وأعلنت تحديات وجودية عن نفسها مجدداً.
يُخصّص القرآن سورة كاملة للنبي يوسف تُركّز على جوانب كثيرة من حياته، ولا سيما ما حصل مع أخوته الذين أرادوا قتله لكنهم قررّوا في نهاية الأمر رميه في بئر، فوجده رجال قافلة متّجهة إلى مصر وباعوه هناك، وما لبثت أن تقلّبت به الأحوال حتّى أصبح، بفعل موهبته وحكمته في تفسير الأحلام، اليد اليمنى لفرعونها. وتتطرّق السورة أيضاً إلى كيفيّة لمّ شمله مع إخوته وأبيه (النبي يعقوب)، ما أدّى إلى إنتقالهم من جنوب بلاد كنعان (فلسطين) إلى مصر.
بعد الإتصالات الهاتفية من ملوك ورؤساء عرب ولا سيما الإتصال الهاتفي الأول بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس السوري بشار الأسد غداة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، ساد لوهلة الإعتقاد بأن المنطقة قد تكون على عتبة زلزال سياسي أملته الكارثة الطبيعية من شأنه أن يخرج دمشق من عزلتها العربية والدولية، لكن برغم هول النكبة، فإن "ديبلوماسية الزلازل" بقيت محدودة الأثر.
"عندما يصبح المُنكَر معروفاً. وتتمّ الدعوة إليه علناً دون خجل ولا رادع. وعندما نعيش سكرات حبّ الدنيا، وتشيع الغفلة. عندها، لا بدّ من زلزلةٍ رومانسيّة تُعيدنا إلى حجمنا الطبيعي. فالناس بحاجة، بين فترةٍ وأخرى، لهزّةٍ تذكّرهم بضعفهم وخوفهم ومحدوديّتهم. وبقلّة حيلتهم أمام عظمة الله تبارك وتعالى".
تذّكر أيها الإنسان أنك صغيرٌ وتافهٌ وحقيرٌ. يُذكرنا الزلزال بذلك كما جرثومة صغيرة كذلك قبل ثلاث سنوات ونيف. برغم ذلك، لا يتوقف الحديث عن العلم والمعرفة سبيلاً للسيطرة على الطبيعة.. ومع التقدم التقني، لا بد وأن يتضاءل التواضع.
يعرف رجب طيب أردوغان، تماماً، أن الأزمة الاقتصادية التي تواجهها تركيا، كما قضية اللاجئين السوريين وثقلهم الديموغرافي والإجتماعي، تُعرّضه وحزبه إلى وابل من الانتقادات اللاذعة، قد تخرجه من السلطة في الإنتخابات الرئاسية في الربيع الآتي. فيما أتت الزلازل لتزيد من حدّة المواجهة وصعوبتها أمام الرئيس التركي وحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، خاصة أن الاستجابة الرسمية لم تكن سريعة أو كفوءة.
للإلتفاف على عزلتها الدولية، قررت إيران التقرب أكثر من روسيا. وهذا سيجعل التيار المتشدد أكثر قوة ونفوذاً، وسيزيد من فرص فوزه في معركة الخلافة التي تلوح في الأفق. وبالتالي، يتوجب على واشنطن وحلفائها وضع إستراتيجية ذات مصداقية تتجاوز التهديد والوعيد، وإطلاق مبادرة دبلوماسية أوسع مع الجمهورية الإسلامية تتجاوز المحادثات النووية لتشمل الحرب الأوكرانية وقضايا إقليمية مختلفة، "وإلَّا ستصبح إيران أكثر خطورة من أي وقت مضى"، بحسب ولي نصر(*).
استعرضت مقالة الأسبوع الماضي دور الدبلوماسية اللبنانية بإجراء سلسلة من المصالحات بين السعودية والعراق ومصر وبين مصر وسوريا، بالإضافة إلى المبادرات الوفاقية اللبنانية بين الأردن وفصائل المقاومة الفلسطينية ومساعي لبنان السلمية في حرب فيتنام ودوره الريادي في صياغة البيانات الختامية لمؤتمرات القمم العربية، وفي هذا القسم الثاني استعراض للمواقف اللبنانية الرسمية الرافضة لمبدأ المس بسيادة لبنان وقراره الوطني.
الفلسطيني الجديد يتوالد. يُصوّب ويُصيب. هو المجهول المعلن. لم يعد القبضة فقط. ميزته أنه أنهى عصر الكلام والجمل الفارغة. وضع نقطة حاسمة على الخطابية المجوَفة والآمال النفاقية.