
يصعُب على أي كاتب أن يتناول سيرة الصحافي اللبناني والعربي والأممي طلال سلمان، من دون أن يأتي على ذكر صحيفة "السفير" التي أطلقها "أبو أحمد" من بيروت في السادس والعشرين من آذار/مارس 1974.
يصعُب على أي كاتب أن يتناول سيرة الصحافي اللبناني والعربي والأممي طلال سلمان، من دون أن يأتي على ذكر صحيفة "السفير" التي أطلقها "أبو أحمد" من بيروت في السادس والعشرين من آذار/مارس 1974.
أحاول في هذا النص أن أستعيد شيئاً من سيرة علاقتي برئيس تحرير صحيفة "السفير" الأستاذ طلال سلمان طوال خمسة عقود، ولا سيما تلك اللمعة الذكية التي تجعل "أبو أحمد" يجتذب المواهب والقضايا والأفكار، بلغة مهنية إحترافية ممزوجة بالموقف الجريء.
ليت (أسماء) تعرف أن أباها صعد/ لم يمت/ هل يموت الذي كان يحيا/ كأن الحياة أبد/ وكأن الشراب نفد/ وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد/ عاش منتصباً، بينما ينحني القلب يبحث عما فقد (أمل دنقل).
لم يرد الأستاذ طلال سلمان "السفير" منبرًا حرًا فحسب، بل أراده مُتحرّرًا من قيود المألوف، خارج السرب قولاً وفعلاً. بادر وأنتج ونجح، فكانت "السفير" الصوت المُدوّي في لبنان ومنه إلى المحيط العربي.
يكاد يكون من المستحيل أن يُكتب عن الربع الأخير من القرن العشرين والعقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين من دون أن تكون صحيفة "السفير" مرجعاً في طليعة المراجع التي رافقت بمهنية رفيعة وقائع وأحداث أربعة عقود من تاريخ لبنان والعرب والعالم.
هلْ بلغ به الأسى أقصاه، حتى يستجمع كل أحزانه، ويُغادر مُتسلِّلاً إلى تلك القصيدة التي رعى تشكلها، خلال عقود، بأوزان "فاعلين" بكل "المفاعيل" وليكون فيها تفعيلة أخرى… خالدة وفوّاحة بنسائم الأمل؟
كنت في السادسة عشرة من عمري عندما قرأت لطلال سلمان نصاً كتبته عن مجزرة قانا الأولى بعنوان "إيه قانا". سحب من يدي الورقة مبتسماً، وقال لي: "ستكون أول مقالة ننشرها لك في بريد القراء في السفير". ولم تكن الأخيرة.
أنتَ لستَ ميّتاً لأرثيك. أمثالك القلّة، لا يموتون. لذا، سأخاطبك حيًّا تُرزق. أخفي حزني وأدسّ عيني في أُفقك الآتي: أنتَ مَنْ يستقبله التاريخ، ويصونه من النسيان. صعب جدًّا أن لا تكون قامتك ملء خزائن المعرفة. أنت الآن لستَ واحداً تنضمّ إلى قافلة الخالدين. هناك أراك في حضورك الدائم.
لم تكن اللقاءات الطويلة التي أجريناها مع مؤسس جريدة "السفير" طلال سلمان، نهاية العام 2016، مقابلات بالمعني التقليدي الذي نمارسه كصحافيين. كانت هناك أسئلة وأجوبة، هذا صحيح. لكن الصحيح أيضاً أن سلمان كان راغباً في قول كلّ شيء. أطلق على الغرفة التي استقبلنا بها على مدى شهور، "غرفة الاعترافات"، وفيها اعترف. ضحك، وبكى. شتم وسخر. فاخر بمواقف، وأعرب عن ندمه على مواقف أخرى. سمّى الأشخاص والأمور بأسمائها. باح بالكثير عن عصر تحتفظ ذاكرته بمحطاته المضيئة، جازماً بأنه انتهى.