
فاجأني غياب وسام حيث أنا خارج مكان إسمه لبنان. كنت أعرف أنه لطالما جاءته إغراءات ومشاريع سفر كان يرفضها بكل أريحية.
فاجأني غياب وسام حيث أنا خارج مكان إسمه لبنان. كنت أعرف أنه لطالما جاءته إغراءات ومشاريع سفر كان يرفضها بكل أريحية.
"أتذكرين ما فعله ياسر عرفات، بُعيد حرب السنتيْن؟"، سألني صديقي أثناء نقاشٍ لنا حول خفايا كواليس السياسة والسياسيّين. "كلا. كنتُ صغيرة في تلك الفترة"، أجبتُه. فتابع يروي الواقعة: "مرّةً، إتّصل أبو عمّار بكميل شمعون رئيس الجبهة اللبنانيّة. ليطلب منه أن تقصف قوات الجبهة بيروت الغربيّة"!
عندما وقف أعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين في بيت الوسط مُعلنين دعمهم لنجيب ميقاتي مرشحاً لرئاسة الحكومة، كان المشهد سوريالياً بإمتياز ويستحق وقفة، ولو متأخرة، لما يحمله في طياته من دلالات آنية ومستقبلية.
في هذه المدينة الحزينة المعلقة بين الحياة والعبث يموت وسام متى أو يدفعنا لإعادة الفلفشة في تعريفات الموت، سريريّة ودماغيّة وعالم البرزخ، نحن الذي يصعب علينا تقديم البرهان، بغير الكتابة - التي هي مزاولة لفن الموت ومراوغة عليه في الأساس - على أننا أحياء. نحن الصاخبون في قبورنا يصعب علينا تقديم البرهان "الحي".
تحضر أمامي دائماً صورة أحمد مكي بشخصية الخليجي في "طير إنت" عندما أتعرض لتجربة سماع النكات المصرية من أصدقاء غير مصريين، إلا من وسام. فالرفيق تجاوز مسألة المود المصري في إلقاء النكات والإيفيهات الحرّاقة، إلى منطقة الـ "ميم لورد - memelord" الحقيقي.
منذ وقعت عينانا على بعض، أعلناه حبّاً من النظرة الأولى. سمّاني "التايب تاعي"، أي الـ type الذي يفضّله، وحدّد: شكلاً ومضموناً وجنسيةً. فجنسيتي مصرية، وهو الذي تعني مصر له الكثير، لا بل تصوغه مثلما صاغت ناسها ومن اشتهى من الناس.
الإبتسامة الساخرة التي كانت دائماً تُميّز وسام متى في التعامل مع أصعب الأوقات والظروف والمواقف تجعله شخصاً إستثنائياً يترك فيك أثراً ليس فقط بابتسامته الدائمة ولكن بطريقة تفكيره وتعامله مع الأمور.
"طلع المترو بالتاكسي ولقيلي ع..."، تلك كانت نكتة وسام خلال رحلة التيه بحثاً عن بعضنا البعض في مترو موسكو، في نيسان/أبريل 2017. جملة كانت كفيلة بجعلي أضحك بشكل هستيري وأكون "فرجة العالم"، وفاتحة ذكريات جميلة وكثيرة معاً بين موسكو وبيروت.
"أرشيفوس.. شو رأيك" بصوت حنون مليء بالحماسة والعاطفة والاهتمام والحيوية، هو صوت وسام متى. بعد رحيلك وسام لا زلت أنتظر سماع هذه الكلمات وما بعدها شلالات من اقتراحات غير متوقعة كما عودتنا دائماً.