من الممكن أن يتفهم البعض قرار الرئيس سعد الحريري بتعليق عمله السياسي وعزوفه عن خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة ولكن ما لم يمكن تفهمه هو رفضه المطلق ترشح أي مُنتمٍ إلى "تيار المستقبل" للانتخابات.
من الممكن أن يتفهم البعض قرار الرئيس سعد الحريري بتعليق عمله السياسي وعزوفه عن خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة ولكن ما لم يمكن تفهمه هو رفضه المطلق ترشح أي مُنتمٍ إلى "تيار المستقبل" للانتخابات.
هذا نصٌ شخصيٌ جداً. نصٌ قلقٌ. نصٌ رُبما أشترك به مع آخرين ليس بالضرورة من أترابي عمراً أو سياسة أو.. بل من أولئك القلقين على مصيرهم. المصيران الذاتي والوطني وهما حتماً مترابطان.
لو أراد الأميركيون منع بلد مثل لبنان من الغرق في "بحر الفساد"، لكانوا قد أعانوه مُبكراً، وحالوا دون سقوطه، لكن حساباتهم مختلفة، تبعاً للمردود السياسي ـ الإقتصادي لهذا البلد أو ذاك. هذا الأمر يقود المحللين إلى الإستنتاج أن إنهيار "النموذج" اللبناني لم تكن أسبابه لبنانية وحسب. فما هي مناسبة هذا التنظير؟
بهذه الكلمات الثلاث أردت أن أعنون مقالتي هذه عن جبران باسيل بعد أن قابلته، في المرة الأخيرة في منزله في البياضة، قبيل تشكيل حكومة نجيب ميقاتي بيومين أو ثلاثة أيام.
لا يُحسد نجيب ميقاتي على هذه اللحظة السياسية والأمنية في لبنان. قبله، قيل لا يُحسد حسان دياب على لحظة إنفجار مرفأ بيروت، ذروة الإنهيار اللبناني. الفارق بين الإثنين أن حكومة دياب حكمت لبنان لأشهر عديدة وكأنها لم تحكم، بينما جرت "أسطرة" اللحظة الميقاتية، ليتبين أن لبنان هو بلد المفاجآت والمفارقات الدائمة والصادمة.
أما وأن حكومة نجيب ميقاتي الثالثة قد أبصرت النور، فإن المعنى الأكبر لهذه الولادة الحكومية، بعد طول مخاض وإنفجار وإنهيار، أن لبنان ما زال ساحة لا يمكن أن يصادرها لاعب محلي أو إقليمي أو دولي وحده، وإذا عُقدت التسويات الكبرى في الإقليم كان أول المستفيدين وإذا إحتدم الإشتباك بين اللاعبين الكبار "بيروح البلد فرق عملة" على حد تعبير أحد القادة السياسيين.
أن يُغامر ويُجرّب سمير جعجع، فهذه هوايته الأحب، سواء إعترف بذلك أم لم يعترف. ربما يندم على أمور كثيرة، لكن الندم الأكبر هو على تسليم سلاحه في مطلع تسعينيات القرن الماضي. ماذا لو إقتدى بحزب الله بتمسكه بسلاحه، هل كان لُيحدث فرقاً في معادلات لبنان طيلة ثلاثة عقود مضت؟
وصول نجيب ميقاتي إلى الرئاسة الثالثة جاء إثر محنتين سياسيتين تشابهتا بظروفهما من دون أن تتماثلا في النتائج. الأولى، كانت غداة إغتيال رفيق الحريري عام 2005؛ الثانية إثر ما أُشتُهرت بـ"حكومة القمصان السود" عام 2011 يوم دخل سعد الحريري إلى البيت الأبيض ليجتمع بالرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما ويخرج رئيساً سابقاً للحكومة بفضل الثلث المعطل الذي جرى تثبيته في الدوحة.
لولا مؤتمر الجوار العراقي، لكان إعتذار نجيب ميقاتي عن التأليف الحكومي صار أمراً واقعاً، بخلاف ما أعلنه الرئيس المكلف عبر قناة "الحدث" من أن الإعتذار "ليس على أجندته". حقيقة الأمر أن الديبلوماسي الفرنسي باتريك دوريل تمنى على ميقاتي تأجيل خطوته أياماً قليلة، بسبب إنشغال الفريق الرئاسي الفرنسي برحلة إيمانويل ماكرون العراقية التي تنتهي هذه الليلة. الفرصة الحكومية تضيق ولا يفصلنا عن الإعتذار سوى بضعة أيام.
عندما وقف أعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين في بيت الوسط مُعلنين دعمهم لنجيب ميقاتي مرشحاً لرئاسة الحكومة، كان المشهد سوريالياً بإمتياز ويستحق وقفة، ولو متأخرة، لما يحمله في طياته من دلالات آنية ومستقبلية.