الرّد على سبينوزا.. الإنسان حُرٌّ لأنّ الله “حُرّ”! (٤)

في الجزء السّابق، بدأنا نرى كيف أنّ مُشكلة أساسيّة في ما يخصّ النّظرة السّبينوزيّة العامّة، لا سيّما من زاوية حرّيّة الإرادة أو الإرادة الحُرّة (Free Will): تكمن، ضمنيّاً ربّما، وعمليّاً بالتّأكيد.. في مفهوم سبينوزا حول "الإله" (أو "الكون"، أو "الوجود"). فإله سبينوزا نفسه، في الظّاهر من بعض خطاب الفيلسوف الكبير (لا كلّ خطابه برأيي): هو ذو إرادة خاضعة للضّرورة عمليّاً، أو بالأحرى، هو ذو ارادة خاضعة للقوانين المنطقيّة والعقلانيّة الضّروريّة الطّابع والتي تحدّثنا عنها في ما سبق.

من هذه الزّاوية تحديداً؛ من المنطقيّ أن يذهب سبينوزا إلى استحالة وجود “الإرادة الحُرّة” (Free Will) لدى الانسان.. طالما أنّها، بالأصل، ليست ممّا تسمحُ به صفات الإله-الكون نفسه عمليّاً (إذا ما سِرنا بنقاء وبانتباه، ضمن وجهة نظر فلسفة وحدة الوجود عموماً[1]).

أمّا إذا ذهبنا، بين سطور البعض الآخر من خطاب سبينوزا، أو من عندنا، إلى أنّ “الكون الإلهيّ” هذا يتمتّع – بالضّرورة أيضاً – بإرادة حُرّة، ولو كانت كامنة (أو بالقوّة وليس بالفعل إن جاز التّعبير)؛ فمن الأخطاء الذّهنيّة المنشأ، كما رأينا، ألّا نُعطيَ للإنسان ما يذهب في نفس اتّجاه الصّفة الإلهيّة هذه، أو ما يُشبهها، أو ما هو انعكاسٌ/ظلٌّ لها. وقد فصّلنا المنطلقات الأساسيّة لموقفنا هذا في الجزء السّابق تحديداً.

إذن، يسهل علينا من الآن وانطلاقاً من كلّ ما سَلَف، تخيُّل: الصّورة العامّة الجديدة الذي يأتي بها ضمنيّاً نقد الطّرح السّبينوزيّ من الزّوايا المذكورة آنفاً. ولكن، هل تُلخَّص القضيّة بكونها في الواقع مجرّد نقاش حول صفات “الإله”.. كما يشعر لوك فيري وكثير من الكانطيّين ومن أهل المدارس الشَّكّيّة والتّجريبيّة أجمَعين؟ بعكس ما يعتقد به هؤلاء وغيرهم، أؤمن شخصيّاً بأنّ القضيّة تتحرّك في الاتّجاهَين معاً في الحقيقة وبالضّرورة (بسبب طبيعة الوجود نفسه كما رأينا): من صفات الانسان نفسه إلى صفات الإله (على قاعدة أهل التّصوّف مثلاً: “من عَرَفَ نفسَه فقد عَرَفَ ربَّه”)، وبالعكس (كما رأينا في ما سبق ضمن مناقشة طرح سبينوزا وطروحات أغلب الفلاسفة المثاليّين).

ولكن، قبل العودة إلى تفصيل هذا النّقاش: ما هي النّقاط النّقديّة الكبرى الأخرى التي يُمكن ذكرها في ما يخصّ هذا الصّرح السّبينوزيّ العظيم إذن؟

***

ومن يكون خيراً في النّقد.. من أهل المدرسة الكانطيّة، وهم تلاميذ شيخِهِم الألمانيِّ النّقديِّ الأكبر، والذّهنِ العقلانيِّ العالميِّ الأمهَر، أي عمانوئيل كانط؟ النّقطة النّقديّة الكانطيّة الأولى، إن جاز التّعبير، هي المتعلّقة باعتبار أنّ الصّرح السّبينوزيّ العظيم، هو في الحقيقة: يُعنى بعالَم الأفكار الميتافيزيقيّة البحتة، والتي لا يُمكن اعتبار أنّها “مفاهيم” بالمعنى الكانطيّ.. لأنّها ليست ممّا يأتي به “الواقع الخارجيّ” ولو جزئيّاً (من خلال الحَدس الحِسّيّ كما يُسمّيه الكانطيّون)، بالمُلاحظة أو بالتّجربة أو بما إلى ذلك من وسائل أمبيريقيّة (Empiriques). نحن إذن، حسب هذه النّظرة، أمام صرح من النّوع الميتافيزيقيّ، ولا يُمكن لصَرحٍ كهذا أن يأتيَ بمَعرفة (Connaissance) مُعتَبَرة (أو مَقبولة على أنّها كذلك، أي على أنّها “مَعرفة”)[2].

وقد بدأنا بذكر هذه الزّاوية النّقديّة في ما سلف. ورأينا أنّ الكانطيّين، على غرار دروس وكتابات لوك فيري المذكورة آنفاً، من المُرجّح أن يعتبروا أيضاً: أنّنا أمام صرح من النّوع الدّوغمائيّ (Dogmatique). وقد تطرّقنا إلى كلا التّصنيفَين في الأجزاء السّابقة واقعاً. وقد يُضيف أتباع الفيلسوف النّقديّ الكبير، كارل بوبر، بدورهم: أنّنا أمام صرح لا يُمكن دحضُه عمليّاً من خلال مقابَلتِه بالمُلاحظة وبالتَّجربة المُعتبَرَتَين، ولذلك فهو بالتّأكيد “غير علميّ” بالمعنى الحديث.. وعلى الأرجح، إنّه بالتّالي لَصَرحٌ ميتافيزيقيٌّ-دوغمائيٌّ مُبين.

أعتقد أنّ خطاب وطريقة تقديم الصّرح السّبينوزيّ، لا سيّما منهما الكلاسيكيّ والمُعاصر للشّيخ السّبينوزيّ الأكبر، قد يدعمان الذّهاب إلى هذه الاستنتاجات أو التّصوّرات النّقديّة. ولكن، سبق ورأينا أنّه، في ما يخصّ مضمون نقاش فرضيّة الإرادة الحُرّة، لا سيّما من زاوية وجود القوانين المنطقيّة والعقلانيّة الضّروريّة الطّابع كما عبّرنا: يجعل هذه الزّوايا النّقديّة، الكانطيّة والبوبريّة على السّواء، ضعيفة جدّاً. فالتّجربة العلميّة المعاصرة هي التي تميل – في الظّاهر أقلّه، إن شئت – إلى تأكيد أنّ الكون والحياة محكومان بما يُمكن تسميته قوانين الضّرورة.. وإلى حدّ بعيد. نُحيل إلى الأجزاء السّابقة، لا سيّما إلى مَفهومي الـFine Tuning والـAnthropic Principle، وإلى أعمال سام هاريس (على سبيل المثال لا الحصر).

كذلك في ما يخصّ الزّاوية النّقديّة الكانطيّة الأخرى، والمحوريّة أيضاً في ما يخصّ نظريّة المَعرفة: إذْ من قال إنّ هذه الأبحاث العقلانيّة والتّجريبيّة المذكورة كلّها.. تؤدّي إلى مَعرفة الأشياء في ذواتِها كما يُعبّر الشّيخ الألمانيّ النّقديّ الأكبر؟ مع التّبسيط الهادف إلى تقريب المعنى: من قال، مثلاً، إنّ مراقبتنا للظّواهر الفيزيائيّة الكونيّة والبيولوجيّة والنّفسيّة.. تؤدّي إلى الوصول إلى معرفتها في ذواتها، وخصوصاً، إلى معرفة القوانين “الضّروريّة” التي تتحكّم بهذه الظّواهر – في ذوات هذه القوانين أيضاً؟ ومن مثل ذلك: من قال إنّ هذه العمليّات قد توصل إلى معرفة قانون السّببيّة في ذاتِه.. أي في جوهره، في حقيقته الباطِنة؟

لا أعتقد، كذلك، أنّ النّقد هذا يستقيم في ما يخصّ موضوعَنا: لأنّ العلوم التّجريبيّة المُعاصرة بالذّات تقوم على الاستقراء، وبالتّالي على التّرجيح الاحتماليّ غالباً لا على اليقين العقلانيّ أو القياسيّ إن جاز التّعبير. لذلك، لا تنفي فرضيّة عدم معرفة الأشياء في ذواتها بتقديري: التّرجيح، الموضوعيّ الطّابع.. لفرضيّة تحكّم قوانين الضّرورة “الأزليّة” بالأسباب وبالتّالي بمجريات هذا الكون وهذه الحياة (بمعزل عن الوصول أو عدم الوصول إلى معرفتنا للظّواهر ولهذه القوانين في “ذواتها”).

النّقطة التّالية ذكرناها مرّتَين على الأقلّ في ما سبق، وهي جوهريّة أيضاً: إنّها نقطة التّناقض الأدائيّ (Contradiction performative) المتأتّي بشكل عامّ من الطّرح السّبينوزيّ حول الـFree Will العجيب. سبق وتحدّثنا عن هذه الزّاوية النّقديّة إذن، ولكن لنشدّد عند هذا الحدّ على نقطَتَين رئيسيَّتَين بالإضافة إلى خطاب جول فيري حولَها. أوّلاً: لنشدّد على اعتقادنا بحقيقة وجود هذا التّناقض فيما يخصّ الطّرح السّبينوزيّ بشكل عامّ، خصوصاً “في ظاهر هذا الخطاب” إذا ما أردنا ألّا “نزيدَها” على شيخنا سبينوزا (مع التّبسيط الشّديد: يقول لنا هذا الأخير إنّه ليس لدينا أيّ إرادة حُرّة في حقيقة الأمور.. ومع ذلك يُكمل: حسَنَاً، هذا ما يتوجّب عليكم “فعله” إذن يا أحبّائي!).

أمّا ثانياً: فإنّ وجود هذا التّناقض في الخطاب السّبينوزيّ عموماً، أو امكانيّة استنباطه من خلال هذا الخطاب السّبينوزيّ، إنّما يُدلّلان على أنّ سبينوزا وأتباعه لم يستطيعا نفي وجود “إرادة حُرّة” بالمُطلق، ولو كانت هذه الإرادة تتجلّى عند مستوى مُعيّن من الوعي الإنسانيّ (والإلهيّ) فقط دون غيره من المستويات أو الأبعاد.

وقد عبّرنا عن ذلك في ما سبق من خلال مصطلحات مثل: وجود “إرادة حُرّة” لدى الإنسان والإله-الوجود.. ولكنّها كامِنة؛ أو وجود إرادة حُرّة لدى الإنسان والإله.. ولكن “بالقوّة لا بالفعل”. ونضيف، على سبيل المثال لا الحصر: قد يكون وجود هذا النّوع من الإرادة.. متموضِعاً فقط، على مستوى الوعي البَحت (Pure conscience) أو ما هو قريب منه.

قد يعني ذلك مثلاً: أنّ لدى الإنسان الحُرّيّة شبه المُطلقة.. لكن على مُجرّد “النّيّة” بعمل ما دون العمل في ذاتِهِ (هذا ما يذهب إليه ظاهراً مفهومنا الإسلاميّ مثلاً: “إنّما الأعمال بالنّيّات”).

أو قد يعني، كما تذهب بعض الطّرق الرّوحيّة الآسيويّة الشّرقيّة على سبيل المثال أيضاً: أنّ لدى الإنسان الحُرّيّة شبه المُطلقة على “تَحريك” وَعيه البسيط في أيّ اتّجاه ضمن الأبعاد الثّلاثة للمكان. نحيل في هذا الإطار إلى دروس فنّ التّأمّل اليوغيّ مثلاً، وبالتّحديد إلى فنّ التّأمّل المسمّى بـ”الوعي النّقيّ” (En pleine conscience) من قبل المعاصرين في الغرب. ولنا عودة إلى هذه الجوانب لاحقاً.

إقرأ على موقع 180  أيها الفلاسفة والحكماء: هل نحن حقاً من هذا العالم؟ (2)

أخيراً وليس آخراً، علينا بالطّبع ذكر ما يُسمّى عادةً بالدّليل الكانطيّ، إن صحّ التّعبير، على وجود “إرادة حُرّة” لدى الإنسان. علينا الانتباه عند هذا الحدّ، فالبعض يعتبره دليلاً “كانطيّاً”، ولكنّ القضيّة هي أكثر تعقيداً عند كانط نفسه في الواقع، فهو يفصل عموماً بين “الحرّيّة” ضمن عالم “العقل”، والحرّيّة ضمن “العالم الخارجيّ” (أو الأمبيريقيّ إن شئت). باختصار، يمكننا اعتبار أنّ وُجود الضّرورة الأخلاقيّة (L’impératif moral) في ذهننا كواقع من النّوع العقليّ-المتعالي والعالميّ (Universel) والمُلحّ-الضّروريّ إن شئت: قد يدلّ على وجود الـFree Will المُبين (ولو فقط ضمن الذّهن أو “عالم العقل” أو ما إلى ذلك). تتخطّى المسألة عند كانط، بالطّبع، المسألة الحسّيّة والعاطفيّة (والبيولوجيّة بعباراتنا المعاصرة)، وهذا ما يجعلنا نلقتي معه إلى حدّ بعيد: فهو يدرس وجود هذه القَوَانين والأُطُر الأخلاقيّة، إن جاز التّعبير، من الزّاوية الذّهنيّة المُتعالية أوّلاً كالعادة.

مع التّبسيط: إنّ وجود ضرورة كهذه ضمن تركيبة ذهننا، قد تدلّ بل وتُبرهن، بشكل “ما”.. على صحّة فرضيّة الإرادة الحُرّة.

باختصار، أيضاً إذا جاز التّعبير: هل من “ضرورة أخلاقيّة”.. بلا “حُرّيّة ضروريّة”؟

التّحليل هذا، الكانطيّ الطّابع إن شئت، هو بالتّأكيد جديّ وقويّ جدّاً نسبيّاً، من هذه الزّوايا تحديداً. ولكن، من قال لنا إنّ وجود هذه “الضّرورة الأخلاقيّة” ليس بدوره نتيجةً حتميّةً للقوانين الكونيّة الضّروريّة التي تحدّث عنها سبينوزا، وعلى رأسها قانون السّببيّة؟ بتعبير آخر، من قال لنا إنّ الكَونَ أو الوجودَ نفسَه لم يقُم “ببرمجتِنا” على الضّرورة الأخلاقيّة هذه.. حتّى يتحقّق قدرُهُ المَحتوم والمَدروس والحَكيم، ومُطلق الكَمال؟ نقع في نفس الدّائرة-الفخّ: ما الذي يدلّ على عدم ارتباط الضّرورة الأخلاقيّة بدورها، بالضّرورة السّببيّة إن جاز تعبيرُنا هنا أيضاً، ولو ضمن عالم الذّهن والعقل؟

أميل، ولو بشكل جزئيّ، ولكن إلى حدّ بعيد: لقبول ذلك التّفكير الكانطيّ في هذا المجال، ولكن أعتقد أنّ المسألة تتخطّى “الضّرورة الأخلاقيّة” في ذاتها، إلى مسألة طبيعة الوعي الإنسانيّ[3] ككلّ من جهة، وإلى ميل هذا الأخير الطّبيعيّ إذن (أو الفطريّ-الطّبيعيّ إن شئت، والضّروريّ في نظري) إلى طَلَب أو قَصد صفات الكَمال المُطلق من جهة ثانية. فالأكيد أنّ الانسان قد أُودع سرّاً كونيّاً عظيماً: ألا وهو سرّ الوعي (Conscience) كما رأينا سابقاً. والأكيد أيضاً أنّ هذا الوعي ذو طبيعة وتركيبة تميلُ إلى طلب وتصوّر وقصد المُطلق – وصفات الكمال المُطلق إذن – كما رأينا في السّابق أيضاً. ويشمل ذلك باعتقاديّ زاوية الضّرورة الأخلاقيّة.. بما هي انعكاس لهذا المَيل إلى الكامل والمُطلق.

إنّ نظرة كانط نفسها إلى “الضّرورة الأخلاقيّة” بالمناسبة: تعتمد عمليّاً طريقة الاتّجاه العقلانيّ نحو المُطلق والكَمال. مثلاً، مع كانط: إذا ما اعتمدنا تعميم القتل – أي مع الاتّجاه، ذهنيّاً، نحو المُطلق كما ترى – هل يُمكن اعتبار أنّ ذلك “أخلاقيّ” أو “غير أخلاقيّ”.. “بالمُطلق”؟ كذلك في ما يخصّ: مساعدة المحتاج، والتّعاضد، والسّرقة، والكذب، والفساد الإداريّ إلخ. من السّهل برأيي استنتاج أنّ كانط نفسه، في القضيّة الأخلاقيّة، يعتمد على ما سمّيناه إذن: ميل الوعي الإنسانيّ نحو المُطلق (والكامل ضمنيّاً).

مختصر ذلك إذن، أنّ هذه الطّبيعة الإنسانيّة المذكورة تميل عموماً وبشكل طبيعيّ بل وضروريّ إلى محاولة: (أ) ادراك أو تصوّر الكمال وصفات الكمال، و(ب) طلب هذه الصّفات إذن لنفسها (نظريّاً وعمليّاً إن صحّ التّعبير). بكلمات هي أبسط ربّما، إنّ هذه الطّبيعة الإنسانيّة: تميل إلى التّمثّل، بل وإلى تعريف الذّات، بالكمال المُطلق.. حتّى ولو لم تصل “واقعاً” إليه لا في ذاته ولا في صفاته. ونحن هنا، باعتقادي، أمام مفتاح كبير.

وهذا ما يوصلنا إلى قلب الطّرح الذي نودّ أن نُقدّمه كخلاصة لما سبق، وكمحاولة للإجابة على سؤال فرضيّة الـFree Will المُبين بشكل أعمّ. من أعمدته التي سوف نذكرها عند هذا الحدّ، ونناقشها في مناسبات لاحقة (إن شاء الله، أو إن شاء الوجود الواعي):

  • “سرّ الوعي” المستودع في الإنسان (سؤال مُكمّل: هل “الوجود” هو شيء غير “الوعي” أصلاً؟)؛
  • “سرّ ميل الوعي هذا: الطّبيعيّ والضّروريّ، نحو (صفات) الكمال المُطلق”؛
  • “الإرادة الحرّة”، كشرط ضروريّ لتحقّق “كمال الوجود” وبالتّالي، وفي الوقت عينه، لتحقّق “كمال الانسان”؛
  • “وحدة الوجود من خلال الوعي الشّامل” وليس الذّهنيّ حصراً؛
  • على مستوى أكثر مادّيّة: “عدم خطّيّة الزّمان والسّببيّة” في المبدأ ومع التّبسيط، وبالتّالي احتمال وجود نوع من تجدّد للوجود بين “الوقت” و”الوقت”؛
  • وبالتّالي أيضاً: “امكانيّة واحتماليّة تغيّر القَدَر”، على الدّوام.. من خلال “قَدَر” جديد غيره..

.. كلّها مفاهيم تضع أساسات طرحنا إذن، والذي قد نعود إليه في ما يلي من مقالات وسلاسل مُسلسَلة. وذلك كلّه، إن شاء الله.. وهل نشاء، ضمن ما رأينا، إلّا أن يشاء “هُو” في حقيقة الأمور؟

أختم مع الملاحظة التّالية: من المفاتيح الفنّيّة لهذا الطّرح، بلا شكّ، قصيدة الحلّاج التي يُغنّيها الفنّان (اليساريّ) اللّبنانيّ، مارسيل خليفة، وصرخة.. “إن يشأ شئتُ.. وإن شئتُ يَشأ”!

روحُهُ رُوحيْ، و روحيْ روحُهُ

إن يشأ شئتُ.. وإن شئتُ يَشَاْ

[1] مع ملاحظاتنا المذكورة آنفاً حول خطورة تبنّيها.. “ذهنيّاً” و”مفاهيميّاً” بشكل أساسيّ، ونُحيل إلى الجزء السّابق (مع النّتائج الأنطولوجيّة والمعرفيّة المُترتّبة على ذلك بشكل عامّ).

[2] ونضع في الإطار العامّ عينه اعتبارَ البعض، على غرار لوك فيري مثلاً (أنظر إلى المصادر السّابقة على سبيل المثال لا الحصر): أنّ الصّرح السّبينوزيّ إنّما ينطلق، في حقيقة الأمور، من قاعدة ميتافيزيقيّة-عقلانيّة أساسيّة: ألا وهي قاعدة أو طريقة “البرهان الأنطولوجيّ” لشيخه الأكبر القدّيس المسيحيّ الأطهر، آنسيلم أوف كانتوربيري، والمذكور في كتابات سابقة لنا. باختصار ومع التّبسيط الشّديد: يعتبر آنسيلم أنّ فكرة “الإله الكامل”، المُطلق الكمال عمليّاً، موجودة في عقلنا. وبما أنّ من ضرورات الكمال، إن جاز التّعبير، أن يكون الكامل هذا موجوداً.. فلا بُدّ من أن يكون موجوداً في الواقع الحقيقيّ. أعتقد، باختصار: أنّ صرح سبينوزا العقلانيّ يقوم بالفعل وبشكل أساسيّ على هذا الرّكن المعروف، ولكن لا أعتقد أنّ مضمون رفض فرضيّة الـFree Will بالذّات.. يقوم عليها كُلّيّاً أو بشكل رئيسيّ. ونحيل إلى ما يلي لشرح أوفر لهذا الاعتقاد.

[3] والكونيّ إذن، كما رأينا. تذكّر معي: “الفصل” بين الاثنين وهميّ في المبدأ، وسنعود إلى ذلك في ما يلي.

(*) راجع: الجزء الأول: مفاجأة سبينوزا.. هل نحنً “مُخيّرون” حقاً؟؛ الجزء الثاني: إلى الشيخ سبينوزا.. هل بيدنا “فعل” شيء؛ الجزء الثالث: النّظرة الصّوفيّة.. أيضاً، مفتاح “الإرادة الحُرّة”؟ 

Print Friendly, PDF & Email
مالك أبو حمدان

خبير ومدير مالي، باحث في الدراسات الإسلامية، لبنان

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free online course
إقرأ على موقع 180  الإطار المعرفي للفكر الإسلامي: متى تحدثُ "الثورةُ الكانطيّة" (1)؟