

أولاً؛ يتساءلون بعد طول انتظار وعديد التخمينات، عن مواقف دول وتيارات وشخصيات معروفة من قصف إيران. معروف الكثير عن الموقف الأمريكي الرسمي ومواقف الدول الأوروبية وروسيا والصين، ولكن لا نعرف بأي درجة من الدقة مواقف دولنا العربية باستثناء ما قرأناه أو سمعناه لنص بيان شبه جماعي صادر عن وزارات خارجية هذه الدول، وهو في حد ذاته لأمر والحق مثير ونادر. ولكننا نخمن، وأظنه تخمينا حميدا، أن لا دولة أغلقت أجواءها رسميا وعلانية في وجه صواريخ أمريكا وإسرائيل، هجومية كانت أم دفاعية، وهي في طريقها لقصف إيران، الدولة العضو في منظمة إسلامية.
***
ثانياً؛ نعرف أن إسرائيل لم تكن حرة عند اتخاذ قرار وقف قصفها لإيران. كانت حسب ما سمعنا تستجيب لطلب الراعي الأمريكي للعملية برمتها بعد أن أدى دوره الأهم، دور “محو” المفاعل – اللغز من الوجود. نعرف الآن أن الرئيس دونالد ترامب خصص هذا القصف ليسبق إعلانا عن استسلام، أو عن قرب استسلام، إيران، أي خصّصه كوثيقة استحقاق لجائزة نوبل للسلام. بمعنى آخر أنه لا يجوز نظريا لإسرائيل أو غيرها أن تعود إلى ساحة المعركة وتجرب حظها بعد أن يقرر ترامب نهايتها.
نعرف عن هذا وذاك، ونعرف أيضا عن كثيرين يتساءلون عن صعوبة أن تمنع إسرائيل نفسها عن تحصيل مجد “مستحق” لها عند إيران وعن جهوزية ترامب للتنازل لها عن هذا المجد. يعودون في هذه الحالة فيتساءلون عن الثمن، ثمن التنازل لترامب عن هذا المجد أو تقسيمه، ألسنا في عصر الصفقات؟. أظن أنه أحد المخرجات المتوخاة إسرائيليا من اجتماعات ترامب وبنيامين نتنياهو في واشنطن.
***
ثالثاً؛ على الجانب الآخر، وأقصد إيران، يجري الحديث وراء الأبواب المغلقة عن الانتقام وسيره المعهودة. نعرف أن إيران أنكرت المحو الكامل الذي “إدعاه” الرئيس ترامب. سمعنا أيضا أو قرأنا أنهم في إيران قد يتوقفوا في المستقبل عن إنكار محو المفاعل تفاديا لإقدام إسرائيل على استئناف القصف، ولكن أيضا لأنها – وأقصد إيران – قد تحب أن تسير على خطى فيتنام وأفغانستان فتعلن للعالم أنها خرجت من حربها ضد أمريكا منتصرة. قريبا أو بعيدا، سوف تأمل إيران في أن يوما سيحل عندما يأتي الأمريكيون زحفا وسعيا وراء علاقات معها كما فعلوا ويفعلون مع فيتنام وأفغانستان.
***
رابعاً؛ عاد بعضنا كما عاد علماء سياسة غربيون إلى البحث في التطبيقات الحديثة لعبارة “القوة تصنع الحق” معتمدين على الحملة الإعلامية التي يقودها ترامب بنفسه ليؤكد أن في نيته أن ينهي بنفسه وبسياساته وأسلوب قيادته عهدا من عهود النظام الدولي، وهو العهد الذي انطلق بنهاية الحرب العالمية الثانية ويتبنى ميثاق الأمم المتحدة، الميثاق الذي دعا إلى إبطال مفعول وأهمية عبارة “القوة أساس الحق”. نعرف أن الرئيس ترامب يعمل مجتهدا لإحلال عهد جديد لنظام دولي يحمل بصماته؛ عهدٌ مختلف يعيد لعبارة، القوة هي التي تصنع الحق، شرعيتها التي اسبغتها عليها تفاعلات وحروب نظام توازن القوى الذي ساد قبل الحرب العالمية الأولى وأدى إلى نشوبها. هل تدفعنا هذه الحقيقة إلى ترديد تساؤل لعله صار مألوفا؛ تساؤلٌ حول ما إذا كان العالم صار أقرب من أي وقت منذ ثمانين عاما إلى ظروف دافعة لنشوب حرب عالمية ثالثة؟
***
خامساً؛ التساؤل الوارد أعلاه في (رابعا) تحول بالفعل إلى خشية حقيقية يتداولها زعماء دول في قممهم ويناقشها مستشارون وخبراء في مراكز بحثية مرموقة. كلهم شهود على ظاهرة مخيفة وتزداد تخويفا وإرهابا. لاحظوا كما نلاحظ فشل الاتحاد الأوروبي في منع نشوب الحرب الروسية في أوكرانيا، وبدقة أوفر فشلوا في وقف التحدي الصبياني الأوكراني للاتحاد الروسي والاندفاع نحو المجاهرة بنية أوكرانيا التقدم بطلب انضمام إلى الناتو، وكان أحد المحرمات الشهيرة في التفاهمات الأمنية بين روسيا ودول الغرب لسنوات عديدة، منها سنوات الحرب الباردة وبعدها سنوات التفاهم والتعاون السلمي.
***
وجدنا النظام الإقليمي العربي متصدرا، كما لاحظنا، قائمة الفشل في الأداء التكاملي الإقليمي الدفاعي والاقتصادي على حد سواء. الأدهى أن هذا الفشل بات مدويا مع تعرض غزة والضفة ولبنان واليمن إلى عدوان مسلح شاركت فيه بدرجات متفاوتة الدولة الكبرى الساعية بكل جهد لاستعادة عظمتها. جدير بنا هنا أن نتساءل عن مصير هذا النظام في حال فرض عليه أو على أعضائه الاندراج في نظام جديد تحت شعار عقيدة “فوق دينية” قادرة على تبرير وتقنين ممارسات غريبة عن الإقليم
سادساً؛ مجلس الأمن وهو الجهة الدولية المسئولة عن منع الحرب فشل فشلا ذريعا ويكاد من تفاصيل قراءة ما جرى خلال تصعيد النزاع بين أمريكا وإيران يدين نفسه بالتواطؤ العمدي لإشعال حرب في الشرق الأوسط. التواطؤ ارتدى قناع المبالغة في استخدام حق النقض وتعطيل الجلسات والضغوط على أعضاء آخرين وبخاصة من دول دائمة العضوية. كانت الولايات المتحدة منذ اليوم الأول طرفا مدافعا عن حق إسرائيل في استخدام حق الدفاع عن النفس مبررا مشروعا لإبادة شعب غزة. لم يكن من قبيل المصادفة أن يتخلى مجلس الأمن عن أداء وظائفه في وقت تخلت مؤسسات أممية عديدة تحت الضغط الأمريكي المكشوف عن أداء مهامها وإذا لم تفعل أجبرتها الولايات المتحدة فتوقفت وتدهورت أحوالها. حدث هذا وسط خروقات إسرائيلية يومية للقانون الدولي والإنساني وحقوق النساء والأطفال.
***
سادساً؛ نلاحظ بعين وعلم المراقب الواعي التدهور أو الشلل الحادث في معظم، إن لم يكن في كافة، النظم والتجمعات الإقليمية. حدث هذا في وقت انحدرت فيه مكانة وهيبة دول عظمى مثل أمريكا وروسيا وغابت الصين تحصينا لنفسها ضد احتمالات إصابتها بسبب أو آخر من أسباب انحدار القوى الأخرى.
رجعنا إلى حال إقليم أمريكا الجنوبية فوجدناه، حسب المعايير الدقيقة التي أسستها نظريات العمل الإقليمي، منحدرا. ورجعنا إلى الاتحاد الأوروبي نبحث وندقق فاكتشفنا وجود عدد غير مسبوق من الخلافات والاختلافات بين أعضائه كما اكتشفنا تراجعا في قدرات وإمكانات النخبة المسيرة له. وجدناه بالفعل يئن تحت ضربات متتالية من جانب الرئيس ترامب بالذات متهما الاتحاد بأن وجوده ضار بمصلحة أمريكا القومية، وبخاصة ضد مشروع عودتها عظيمة.
ورجعنا إلى حال كل من المجموعة الإفريقية ومجموعة الآسيان فلاحظنا درجة مماثلة في تباطؤ المسيرة وانحسار كفاءة المؤسسات. لا يخفى في كل الأحوال أن للانحدار الأمريكي أسبابه الكثيرة. ثمة خضوع متزايد لقوى ضغط عنصرية وأجنبية.
من ناحية أخرى، وجدنا النظام الإقليمي العربي متصدرا، كما لاحظنا، قائمة الفشل في الأداء التكاملي الإقليمي الدفاعي والاقتصادي على حد سواء. الأدهى أن هذا الفشل بات مدويا مع تعرض غزة والضفة ولبنان واليمن إلى عدوان مسلح شاركت فيه بدرجات متفاوتة الدولة الكبرى الساعية بكل جهد لاستعادة عظمتها. جدير بنا هنا أن نتساءل عن مصير هذا النظام في حال فرض عليه أو على أعضائه الاندراج في نظام جديد تحت شعار عقيدة “فوق دينية” قادرة على تبرير وتقنين ممارسات غريبة عن الإقليم.
***
كثيرة هي الاقتراحات الطائرة بين العواصم حول مستقبل النظام العربي في حال تشكل نظام شرق أوسطي وعد بنيامين نتنياهو بإنشائه والتزم عقيدة من صنعه وبمشاركة الرئيس ترامب.
يتساءل فضوليون عن أي دور سوف تتقلده تركيا باعتبارها مشاركة في تفاعلات الإقليم وجاهزة عند حسن ظن البعض لتقبل الخضوع للعقيدة الإبراهيمية على عكس إيران التي لن تقبل عضوا عاملا إلا بعد أن تتخلص من آيات الله جميعا ويقوم محلهم نظام يعلن إلتزامه العقيدة “السوبر دينية” التي ابتكرها الثنائي نتنياهو – ترامب.
تساؤلات عديدة أخرى خشينا أن تضيق بها بعض أهم الصدور أو انتظرنا ولم نسمع حتى كل التفاصيل وراء اجتماع ترامب ونتنياهو في واشنطن وما أحاط به من غموض ومؤامرات وبخاصة ما يجري نحو تجميع أهل غزة في بقعة صغيرة واحدة توطئة لإلقائهم في جحيم آخر أعد لهم.
***
مرحلة الشر في أوجها.