ترامب “النرجسي” ونتنياهو “المراوغ”.. من يقود من؟

«سنهزم هؤلاء الوحوش وسنعيد رهائننا إلى الوطن». كان ذلك تصريحًا محملًا برسائل بالغة الخطورة لرئيس الوزراء الإسرائيلى "بنيامين نتنياهو" عقب عودته من واشنطن. إعلان صريح بنجاح مهمته فى البيت الأبيض، التى تعنى بالضبط الإفلات من ضغوط الرئيس الأمريكى "دونالد ترامب" إنهاء وقف إطلاق نار فى غزة مع «الوحوش الفلسطينيين»!

قبل أن يغادر العاصمة الأمريكية ذكر نتنياهو المعنى نفسه: «إذا لم نحقق أهدافنا بالتفاوض فسوف نحققها بالقوة»، لكنه بدا عند عودته أكثر عدوانية واستعدادًا للمضى فى حرب الإبادة على غزة بغير سقف زمنى.

بفوائض قوة يستشعرها طلبَ مجددًا: «تفكيك المقاومة الفلسطينية ونزع سلاحها وإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين فى غزة».

هذا طلب إذعان لا تفاوض قيل إنه فى مراحله الأخيرة.

«لا يمكن التوصل إلى اتفاق شامل».

كان ذلك توصيفًا آخر، أكثر صراحة ووضوحًا، لطبيعة الصفقة التى يمكن أن يمررها لوقف إطلاق نار مؤقت فى غزة قبل أن يعود إلى الحرب بعد ستين يومًا.

«إسرائيل تريد إنهاء الحرب».. كما يطلب «دونالد ترامب»، لكن وفق شروطها.

حسب التصريحات الصادرة عن الجانبين الأمريكى والإسرائيلى فإنه تجمعهما «رؤية استراتيجية واحدة».

هذا يفسر إلى حد كبير ما تستشعره إسرائيل من فوائض قوة تدعوها إلى الحرب على أكثر من جبهة بعضلات غيرها.

السؤال الرئيسى هنا: من يقود الآخر «ترامب» النرجسى أم «نتنياهو» المراوغ؟

لم يتم التحقيق فى حوادث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، استقال على خلفيتها قادة عسكريون وأمنيون، غير أن المسئول السياسى الأول يرفض الامتثال لأى تحقيق خشية إجباره على التنحى عن منصبه. ولولا تدخل الولايات المتحدة مرة أخرى فى حربها مع إيران لما كان ممكنًا أن تصمد طويلًا تحت وطأة الخسائر الفادحة، التى طالتها الصواريخ الباليستية

قبل محادثات واشنطن صرّح «ترامب»: «سوف أكون حازمًا جدًا مع نتنياهو»، لكنه لم يصل إلى أى اختراق تطلع إلى إعلانه من واشنطن حتى يكون ممكنًا أن يبدو فى صورة من يستحق جائزة «نوبل للسلام».

فى نفس المحادثات خاطب «نتنياهو» نرجسيته المفرطة بتسليمه وثيقة أرسلها إلى لجنة «نوبل للسلام» ترشحه للفوز بها، وهو يدرك أن مجرد ذكر اسمه بإرثه وجرائمه، التى استدعت استصدار مذكرة توقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدولية إهانة بالغة للجائزة.

بعد المحادثات أكد «نتنياهو»: «من المستحيل تمامًا التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم».

إنه رفض صريح لأية صفقة تنهى الحرب مرة واحدة، خشية تفكك ائتلافه الحكومى تحت ضغط وزيرى الأمن القومى ايتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش المتطرفين.

لم يسجل المراوغ المحترف أى اختلاف مع ترامب، لكنه وضع خطوطًا حمراء باسم الأمن الإسرائيلى تجعل من فكرة الصفقة الشاملة مستحيلة تمامًا.

هاجس نتنياهو مصالحه السياسية قبل الأمن الإسرائيلى خشية أن يجد نفسه خلف القضبان محكومًا عليه بالفساد والاحتيال، وتقبل الرشى إذا ما تفككت حكومته.

حرص نتنياهو، وهو فى واشنطن، على الاتصال الدائم بـ«سموتريتش»، الأكثر حرصًا من «بن غفير» على البقاء فى الحكومة، لطمأنته أنه لن يعقد أية صفقة شاملة.

لم يكن مستغربًا أن ينتحل وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو لـ«نتنياهو» الأعذار: «حماس رفضت نزع سلاحها وإسرائيل أبدت مرونة».

الشق الأول من الكلام صحيح والشق الثانى لا دليل عليه.

ماذا يقصد بالضبط بـ«مرونة إسرائيل»؟

لا شىء مطلقًا.. إنه الولاء لها قبل الإدارة، التى يخدمها.

بنى «نتنياهو» مناوراته مع «ترامب» على التمركز عند طلب أن يكون الاتفاق جزئيًا ومؤقتًا لمدة ستين يومًا يستعيد خلالها عشرة أسرى إسرائيليين.

بترجمة سياسية فالمعنى بالضبط خسارة المقاومة الفلسطينية نصف أوراقها التفاوضية دون أن يفضى ذلك إلى إنهاء الحرب.

بترجمة سياسية أخرى: تخفيف ضغط حلفائه اليمينيين المتطرفين عليه دون أن يتخلى عن استهداف العودة إلى الحرب مجددًا بذريعة فشل المفاوضات مع «حماس» فى التوصل إلى وقف نار مستدام.

هذا سيناريو شبه مؤكد، إلا إذا مارس «ترامب» ضغوطًا حقيقية على «نتنياهو».

المشكلة هنا أنه لا يقدر على هذا الخيار وتبعاته بالنظر إلى طبيعة إدارته.

لتجاوز تلك العقدة اقترح أن يحصل «نتنياهو» على عفو من المحاكمة، التى تتهدده فى مستقبله السياسى.

كان ذلك داعيًا إلى انتقادات واسعة لـ«ترامب» داخل إسرائيل نفسها.

المفارقة الكبرى أن الشعور الإسرائيلى الطاغى بالقوة يتناقض مع تصريحات رئيس الأركان «إيال زامير» عن ضرورة وقف إطلاق النار فى غزة بأى ثمن تعبيرًا عن الجو العام داخل الجيش، فلا بنوك أهداف جديدة، والخسائر فى صفوفه فادحة.

برغم ذلك كله يصف “نتنياهو” إسرائيل بأنها أصبحت قوة عظمى، برغم تراجع مكانتها فى العالم كله جراء حرب الإبادة، التى تشنها على غزة.

ثبت بيقين حربًا بعد أخرى أنه ليس بوسعها ربح المواجهات العسكرية وحدها.

لولا تدخل الولايات المتحدة عسكريًا واستخباراتيًا بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر (2023) لحاقت بها هزيمة استراتيجية مروعة.

لم يتم التحقيق فى حوادث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، استقال على خلفيتها قادة عسكريون وأمنيون، غير أن المسئول السياسى الأول يرفض الامتثال لأى تحقيق خشية إجباره على التنحى عن منصبه.

إقرأ على موقع 180  المناهضون للتدخل الخارجي في "MAGA": رموزهم وخصائصهم ونظرتهم لإسرائيل!

ولولا تدخل الولايات المتحدة مرة أخرى فى حربها مع إيران لما كان ممكنًا أن تصمد طويلًا تحت وطأة الخسائر الفادحة، التى طالتها الصواريخ الباليستية.

بنص كلام “ترامب”: «لقد أنقذنا إسرائيل والآن سوف ننقذ نتنياهو».

مأزق الرئيس النرجسى أنه قد يبدو ضعيفًا ومنقادًا لمناور محترف.

الضعف أكثر ما يزعج “ترامب” أن ينسب إليه، لكنه واقع الآن فى أفخاخ نتنياهو.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
عبدالله السناوي

كاتب عربي من مصر

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  فيتنام أكبر ورطة عسكرية أمريكية في القرن الـ 20