أزمة مشروع عربي.. أم أزمة نخب عربية؟

ما يزال النقاش مفتوحاً حول أزمة المشروع التحرري العربي؛ هذه الأزمة التي تجسدت بكل بشاعتها خلال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، والجرائم الصهيونية في لبنان والعراق وسوريا واليمن وأخيراً قطر. لم ترتق النخب العربية بمؤسساتها وأطرها العريقة لمستوى المرحلة. ليظهر سؤال الجذر التحليلي هنا: هل نحن أمام أزمة مشروع عربي، أم أزمة نخب عربية؟

في مرافئ أوروبا، تحرّكت نقابات عمال الشحن، رفضت تفريغ أو تحميل الأسلحة المرتبطة بحرب الإبادة الصهيونية على غزة. في بريطانيا تشكلت “محكمة غزة” لفضح تورط المؤسسات السياسية والأمنية في الإبادة. في إيطاليا، أعلن نحو 15 ألف طبيب الإضراب عن الطعام، وهدّد الطلبة بإغلاق الجامعات. في أمريكا، ثار الطلاب وتشكلت أطر قانونية دائمة العمل من محامين. ساحات المدن والعواصم الغربية تشهد فعلاً جماهيرياً متصاعداً، يتخذ أشكالاً إبداعية مؤثرة، ضد الإبادة ومنظوماتها وداعميها.

في المقابل، وعلى الساحة العربية حيث يفترض أن يكون الفعل أكثر حضوراً وأثراً، تغيب النخب في ارتهان تام لسبات معنوي ووظيفي. لا وجود يذكر في ساحات العمل لاتحادات الطلبة والكُتاّب ونقابات الأطباء وجمعيات الصحافة واتحادات الحقوقيين بالرغم من قوافل الشهداء التي تنتمي لهذه الفئات. أما الشارع الشعبي، فليس سوى حراكات جزئية عفوية، وإن كانت صادقة إلا أنها تفتقر للتنظيم والديمومة والتصاعد بسبب غياب المؤسسة والنقابة والأطر التنظيمية.

***

كيف نقرأ الفرق بين الفعل الغربي والعربي؟ وكيف تحولت النخب العربية إلى هذا الشكل المروض، بل والمتآمر في الغالب بحكم الصمت؟ وحين نقول النخب فنحن نبرئ مسبقاً جميع المخلصين الملتزمين الذين ظلوا متمسكين بمواقعهم ولم يستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه، لنوجه الاتهام للمؤسسات النخبوية التي تفرض كياناتها المتفسخة على مساحات ما عادت تستحقها.

وحتى ندخل التحليل من الزاوية العلمية الثورية، لا بد من الإقرار أولاً بأن غياب النخب العربية لم يحدث لأسباب خارجية فقط، أي أسباب قمع السلطة كما يحلو للبعض التبرير، بل إن هذه الأسباب كانت الأقل أثراً. إنه غياب نابع من البنية، من التعاطي التدريجي مع الاستعمار وثقافته وتحولاته الاقتصادية، ومن تفكك طويل المدى في الدور الوظيفي للنخبة، وقطيعة عميقة بين أدوات الصراع الطبقي وبين الطبقات التي يُفترض أن تمثلها.

في مراحل التحرر الوطني، كل إطار “نخبوي” يمثل شريحة من الجمهور، هو أداة صراع ومواجهة. لم ينشأ في لحظة رضا، بل في لحظة اشتباك مباشر مع أدوات القمع والاستغلال، مع أدوات القوة الاستعمارية المباشرة، والإقطاع السياسي، والاحتكار الطبقي، والأنظمة التابعة.

في زمن التشكل، كانت الاتحادات والنقابات والجمعيات جبهات متقدمة في معركة التحرر وانتزاع الكرامة. كانت بمثابة أذرع جماهيرية للمشروع الوطني التحرري، تؤطر الغضب، وتنظم الوعي، وتبني قوة مضادة، وتسهم في خلق موازين قوى جديدة على الأرض.

لقد وَلّدت الأطر والتنظيمات العربية في منتصف القرن الماضي وما تلاه، على قاعدة أيديولوجية واضحة تشكلت من قلب الحراك الشعبي، تُعبّر عن نبض العمال، وأحلام الفلاحين، ومشاريع المثقفين الثوريين، وتبحث عن دور المعلم والمحامي والطبيب في مهمات التحرير الكبرى. وكانت تمارس الإضراب والاحتجاج والتعبئة بوصفها وسائل يومية في معركة الوعي والتنظيم والتغيير. لكن سرعان ما دخلت في مرحلة طويلة من التفكك والتحول، بدأت بانحسار المشروع الأيديولوجي نفسه، وانكشاف المجتمعات العربية أمام العولمة وتداعيات انفتاح السوق.

***

أدى انهيار الاتحاد السوفياتي قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن لمصلحة المزيد من الهيمنة الإمبريالية على شعوب العالم، وما تلا الانهيار من تراجع للحركات التقدمية العربية وجمود في مشروعها التحرري، إلى وضع النخب العربية في مسار انزلاقي تدريجي. ومع الوقت تحولت النخب من موقعها الطبيعي بوصفها طليعة تاريخية إلى شريحة وسيطة تتماهى مع مصالح الطبقات السائدة. ومن ثم بدأت تتموضع داخل النظام القائم بعد أن كانت نقيضه. وسارع في هذا الانزلاق صعود الدولة الريعية ومجتمع السوق، حيث أصبح الارتباط بمراكز التمويل، والمنح، والمناصب البيروقراطية، أكثر ربحاً من الانخراط في مشروع تحرري طويل النفس. فلم يعد المثقف أو النقابي أو السياسي يتحدث بلسان الجماهير، بل بلغة “المُمكِن” الذي صاغته شروط الهيمنة ذاتها.

لقد سقطت “نخب البحبوحة”، أي التي تلك تمارس نضالها في الأزمنة السهلة والظروف المؤاتية مع سقوط الحاضنة الأممية، فبدأت تتنازل تدريجياً عن التزاماتها التاريخية. لقد وصف الرفيق “أحمد حسين” هذه الظاهرة حين فرّق بين نوعين من الإلتزام: “الإلتزام المقهور والإلتزام المدلل. الأول، حالة مرابطة في الموقف. الثاني، حالة مرابطة بالمرحلة. الأول، لا يستطيع تجاوز أوجاع القهر. والثاني، يستطيع تجاوز الهزيمة بالانهزام. الأول، رحم الاستراتيجية. الثاني، رحم المراحل اللقيطة. لذلك فالأول لا يغفر ولا يتنازل والثاني يستطيع أن يغفر إلى درجة تعليق الأوسمة على صدور العملاء ويستطيع أن يتنازل حتى مقايضة الوطن بغرفة محاصرة”. وهكذا تنازلت النخب التي لم تكن سوى ظاهرة تتموضع بحسب المرحلة وليس بحسب التزاماتها التاريخية.

***

مع دخول النخب في علاقة نفعية مع منظومات الهيمنة العالمية، من خلال التمويل الخارجي، وسياسات “التنمية” المعولمة، ومشاريع “الإصلاح” الشكلية، ونظريات الثقافة البرجوازية، تعمّقت أزمتها فلم تعد تقاوم الهزيمة، بل تعايشت معها واستثمرتها في بناء شرعية جديدة تقوم على إدارة التراجع بدل فتح مسارات جديدة للمواجهة. هكذا تحوّلت الأحزاب إلى منصات تمويل، والمنظمات إلى مؤسسات استشارية للدولة، والمثقفون إلى تقنيي خطابات، وفقدت النخبة بذلك وظيفتها التاريخية في الصراع الطبقي، وأصبحت ملحقة بالبنى الفوقية للنظام العالمي الرأسمالي، تُدار بالعقود والتمويل وليس بالوعي والانحياز.

ومع تصاعد الموجات النيوليبرالية في الثمانينيات والتسعينيات الماضية، واجهت النخب العربية تحولاً نوعياً آخر في موقعها ووظيفتها، فانفصلت عن الجماعة التاريخية التي أنجبتها لتحل محلها ديناميكيات فردية. وهذا أدى إلى تحول نوعي في الحقل المعرفي الذي خضع لإعادة هندسة كاملة للمفاهيم الكبرى مثل “الموضوعية” و”الحياد” و”الحريات”، بما يخدم استبعاد الخطابات الجذرية والرؤى الطبقية من المشهد العام.

***

في المحصلة، أُدمجت النخب في شبكات السلطة والتمويل، ووجدت لها موطئ قدم داخل أجهزة الدولة أو ضمن السوق، وأعادت صياغة علاقتها بالهزيمة بوصفها “واقعاً قد نستطيع تحسينه” بمكسب هنا وآخر هناك. أصبحت النخبة، في كثير من الحالات، جزءاً من آلية إدارة الأزمة وتجميل الهزيمة. ولأن القاعدة العلمية تقول: إن كل ظاهرة تنتج نقيضها، جاء النقيض هذه المرة من داخل البنية ذاتها وليس من خارجها، إذ أدى تراجع الدور الثوري للنخبة، إلى بزوغ الدور الإصلاحي التجميلي للواقع الذي كان سابقاً هدفاً للتغيير.

لكن التحول الأخطر لم يكن في الوظيفة السياسية للنخب فحسب، بل في بنيتها المعرفية الثقافية من الأساس. فبعد أن تخلت عن مشروعها التحرري، انزلقت، بحماسة غريبة، إلى موقع المستهلك الطيّع لثقافة القوة الاستعمارية ذاتها. وهكذا، تحوّلت إلى جهاز استقبال أعوج، يُردّد المفاهيم التي صاغتها مراكز القوة في لحظة تاريخية من الهيمنة الكاملة، دون تفكيك أو مساءلة أو إعادة إنتاج.

صارت مقولات مثل “المواطنة”، و”الهوية”، و”الانتماء”، و”السعادة” والنجاح”، يعاد توصيفها ضمن أطر مفاهيمية بديلة مشوهة، كأنها مفاهيم حيادية ومفاتيح للخلاص الاجتماعي، في حين أنها في جوهرها صيغ أيديولوجية مشبعة بتاريخ من الهيمنة والضبط والسيطرة الناعمة. وكلما اشتد الهجوم العالمي على ما تبقى من إرادة الشعوب ازداد توليد نسخ مشوهة عن هذه المفاهيم الكبرى، فظهرت المواطنة العالمية، وازداد نقد الجغرافيا وتعويم الوطن، واستُبدلت المتع الحسية بالسعادة، وجُرِدت الهويات من سياقها التاريخي وموقعها الطبقي، لتشكل فلسفة سمجة ركيكة تُبرّر الانسحاب والعجز وتُقدّم بدائل عن أي مقاومة ممكنة، ولتصبح تذكرة دخول المثقف حظيرة المعرفة الاستعمارية صاحبة السيادة.

إقرأ على موقع 180  ما بعد غزة؛ الأنظمة العربية.. والآتي أعظم!

المثير للسخرية والغضب معاً، أن هذه المقولات توظف من قبل نخب الحداثة بوصفها عناوين تفوّق، مع أنها تأتي على هيئة استعراض لغوي فجّ، مفرغ من أي مضمون تحليلي أو طبقي، وتُغلف بقدرات تعبيرية متضخمة لتغطي على خواء كامل في الجوهر. هذه البلاغة الاستعراضية، التي ترتكز على مفردات مزوّقة، تُنتج انبهاراً زائفاً يخدم نظم الهيمنة فقط. إنها نخب مشغولة بتدوير اللغة داخل فضاء مغلق، بينما تنهار شعوبها ومجتمعاتها تحت سطوة فائض القوة المادية والعلمية لمنظومات رأس المال. إن هذا التلقي الطفولي الساذج لأخطر مفاهيم الاستعمار المعاصر هو دليل دامغ على الانهيار الكامل للبنية المفاهيمية التي كان من المفترض أن تصوغها هذه النخب، بدل أن تتحول إلى زبون مغفل في سوق منتجات الحداثة.

***

أدى انبطاح النخب، من قادة النقابة، والمؤسسة، والجمعية، إلى الأكاديميين والكتاب والشعراء والفنانين، إلى تنامي نزعة الانسلاخ الطبقي المَرَضية. نزعة تتجلى في شكل قطيعة معرفية وعاطفية مع البيئة الاجتماعية التي خرجوا منها. فبدلاً من أن تكون تجربة الانتماء الطبقي حافزاً للوعي والتحريض والتغيير، باتت بالنسبة لكثير من “المثقفين النخبويين” عبئاً مخجلاً يجهدون في محوه، أو على الأقل في التماهي مع نقيضه. وتحولت الأحياء الشعبية والفلاحية ومجتمعات العمال والفقراء من حواضن كفاح، إلى “بيئات منخفضة الوعي”، و”ثقافات هشة”، وعوائق في وجه التحضر.

ولذلك، يتعامل المثقف “النخبوي” العربي، في كثير من حالاته اليوم، مع طبقته الأصلية بوصفها وصمة ينبغي التبرؤ منها، فيصقل لغته ليبتعد عنها، ويهاجر إلى أبراج رمزية يعقّم فيها نصوصه من أثر المكان، ويتبنّى معايير السوق والمعرفة النخبوية العابرة للهويات، ويتحدث عن “الجمهور” وكأنه يتحدث عن عرق آخر، أو مادة خام ينبغي تهذيبها. إن هذا الانفصال هو فعل خيانة، فالمثقف الذي يرى في طبقته الأصلية مجرد خلفية حزينة لصعوده الفردي، هو مثقف فقد كل معنى للالتزام، وتحوّل إلى ظلّ هشّ يتموضع حيث المنصات الممولة والسجادات المفرودة. إنها خيانة مضاعفة، خيانة الانتماء، وخيانة الدور. من هنا، لا يمكن التعويل على مثل هذا المثقف في أي مشروع تحرري، فهو لا يرى في شعبه رصيداً نضالياً، بقدر ما يراه جمهوراً لاستعراضاته البهلوانية ومصفقاً لحنكته الكلامية.

وهكذا خانت النخب جميع أدوارها، وراكمت تاريخًا من الاستعراض الرخيص الذي لا يقود إلا إلى مزيد من التهميش. فهي لا تملك الجرأة لتصطدم، ولا الشجاعة لتنسحب، ولا الكرامة لتصمت. نخب تجيد المشي التأملي لساعات في ملكوت إله يشبهها ولا يشبهنا، لكنها تعجز عن الوقوف ساعةً واحدة في مصنع، أو مرفأ، أو جامعة، أو مخيم. إنها باختصار، طبقة زائدة عن الحاجة، تتكاثر كالفطريات في بيئة القهر. تمشي بين الناس بلا أثر حقيقي. نخب هجينة، مأزومة، مشروطة الولاء، ملوّثة بالوهم، تتقن جلد الذات حين يُطلب منها، وحين تكون هذه الذات حضارةً، وتاريخاً، وشعوباً بسيطة تحلم بالحرية.

من هنا جاء الخضوع العام. خضوع طوعي بدون قمع، ومن تشابك وهمي للمصالح مع السلطة، وليس من قمع السلطة ذاتها. لا يوجد جهاز قمعي قادر على إخضاع ملايين الناس ما لم يكن الخضوع داخلياً، مُصادقاً عليه من الضحية نفسها. القمع قد يؤخّر الفعل، لكنه لا يُفسّر غيابه الكامل. ولا يُفسّر التكاثر الفاحش للإعلاميين والمحللين والخبراء على شاشات العهر العربية، يبرئون العدو من جرائمه ويدينون شعوبهم. ولنتذكر كلما قال أحدهم “نحن مغلوبون على أمرنا” أن الثورة الفرنسية نُفذت تحت سيف الملك. الثورة البلشفية قامت في ظل القياصرة، والثورات العمالية في أميركا اللاتينية نهضت ضد ديكتاتوريات دموية. الفرق الجوهري هو الوعي. القمع يولّد الثورة فقط حين تكون هناك بنية تنظيمية قادرة على تحويل القمع إلى وعي وطاقة جماعية. إن الشخصية “النخبوية” العربية المعاصرة، كما تشكلت بعد عقود من الهزائم والعنف الرمزي، شخصية نجاة، لا مواجهة. تعلّمت أن الكرامة مؤجلة، وأن النجاة اليومية أهم من الحرية. وهكذا لم تفشل الدولة فحسب، بل فشل الحزب والنقابة والمثقف والثقافة.

***

أثبتت النخب العربية، وبكل ما في الكلمة من دقة، أنها الأكثر فشلاً بين نخب العالم في العصر الحديث. فهي نخب لا تنتج معرفة، ولا تقود فعلًا، ولا تدافع عن حق، ولا تصوغ مشروعًا، ولا تحمي شعبًا. إنها طبقة خطابية رخوة، تعيش في الهوامش الناعمة للسلطة أو تتطفل على موائد المانحين، تلوك شعارات قديمة لم تعد تؤمن بها، وتستعير مفاهيم جديدة لا تفهمها. تحاضر في الحرية وهي ترتجف من ظل أسيادها، تتغنى بالكرامة وهي تلهث خلف منحة أو جائزة، وتهاجم الاستعمار وهي تعيد تدوير قاموسه المفاهيمي في مقالاتها وأبحاثها ومشاريعها الأدبية.

هنا يكمن الفارق بين ساحات النخب العربية وبين المرافئ والجامعات والساحات الأوروبية. الفارق في سياق تاريخي كامل من التحولات، وفي تموضع النخبة في سياق التحول. النقابي الأوروبي يعرف أن شحنة أسلحة تمرّ من مرفئه لا تقتل الفلسطيني فقط، بل تُنتج شكلاً من أشكال استغلاله هو ذاته. ويعرف أن أعداء فلسطين السياسيين هم أنفسهم أعداءه الطبقيين. هذه العلاقة بين المركز والهامش في الاقتصاد السياسي العالمي هي التي تمنح أي فعل لأحرار العالم شرعية أممية. أما نحن، فقد فُصلنا تماماً عن هذه الشبكة، وأقنعنا أنفسنا أن قضايانا الوطنية لا علاقة لها بالمصير الطبقي، وأن فلسطين مسألة إنسانية لا سياسية، وأن الاحتلال ليس جزءاً من شبكة الاستغلال الرأسمالي العالمي، بل مجرد “أزمة إقليمية”.

***

استعادة الشرف الطبقي والوطني اليوم في ظل انهيار النخبة، لن يكون باستعادة مقولات الخمسينيات الماضية فحسب، بل في ترسيخ نماذج البطولة والصمود والتضحية التي نشأت في ساحات المقاومة العربية بوصفها النقيض الطبيعي الذي سيملأ الفراغ . هذا النقيض الذي تتسع شعبيته اليوم لتملأ حناجر العالم وقبضاته هو المستقبل الذي يجب أن نضع له حجر الأساس الآن. لقد وصفها غسان كنفاني بدقة حين قال: إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فيجب أن نُغيّر المدافعين لا أن نُغيّر القضية.

إنها مرحلة صعبة حقاً، لكنها مرحلة ولادة وتجديد. مرحلة سقوط القديم لينهض الجديد بجذوره المروية بالدم والشهادة والصمود والوفاء.

ولأنني أكاد أسمع من يقول لي الآن: قسوت على النخب واقتربت من الظلم. دعوني أكون أقول وبغضب كبير: أخبروني، هل عرف التاريخ ما يستدعي القهر ويجسد الظلم أكثر من الصمت والتواطؤ والتخاذل أمام إبادة شعب كامل على مدى عامين، بينما يكتفي اتحاد الكتاب في بلد جار وشقيق بإصدار بيان استنكار وكأننا أمام قضية حقوق طبع وملكية، ولسنا أمام استباحة دماء أمة بأكملها؟

Print Friendly, PDF & Email
آدم كنعان

كاتب فلسطيني

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "الأزمات الدولية" تقرأ دروس حرب غزة: ستاتيكو التهدئة يناسب الجميع