“اتفاق ترامب” بديلاً للاتفاق النووي.. هل توافق طهران؟

تفعيل "آلية الزناد" من قبل الترويكا الأوروبية لإعادة فرض عقوبات أممية علی إيران كانت ألغيت بموجب الاتفاق النووي عام 2015، أدى إلى إرباك طهران التي كانت تحاول إبعاد هذه الكأس المرة، غير أن حسابات الخارج ولا سيما الغربي كانت مختلفة ومضبوطة حسب الإيقاع الأميركي، كما جرت العادة، فيما يستمر الداخل الإيراني عرضة لتجاذبات وخلافات تتصل بكيفية إدارة الدولة من جهة وملفاتها الشائكة والمعقدة مع المجتمع الدولي من جهة ثانية.

عقد وزراء خارجية الترويكا الأوروبية عدة جولات تفاوضية مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من أجل ايجاد حل للملف الإيراني سواء قبل حرب يونيو/حزيران أو خلالها أو بعدها، لكن تعذر التوصل إلى اتفاق بين الجانبين. الأوروبيون تقدموا بعدة اقتراحات استجابت لها إيران، وأولها السماح لفرق تفتيش الوكالة الدولية للطاقة بدخول المنشآت النووية وتسليم كميات اليورانيوم المخصب والعودة إلى المفاوضات مع الجانب الأميركي.

والغريب في الأمر أن الأوروبيين كانوا دائماً يدعون إيران لاستئناف المفاوضات مع واشنطن لأنهم يعلمون أن القضية لا ترتبط بهم وإنما بالجانب الأميركي، في إقرار واضح بعجزهم عن إبرام أي اتفاق، وبالتالي تستطيع الترويكا الأوروبية تقديم مساعدة في المفاوضات ولكن التفاوض الأساس يكون مع الأميركيين!

وتتحدث المصادر الإيرانية عن ثلاثة اقتراحات طرحها الإيرانيون واستجاب لها الأوروبيون لكن الولايات المتحدة لم تسمح للأوروبيين بتنفيذ أيٍ من هذه المقترحات التي وافقت عليها إيران. هذه الاقتراحات كانت تتعلق بكميات اليورنيوم المخصب، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعودة المفتشين الدوليين. وبرغم “اتفاق القاهرة” الذي عقد بين عباس عراقجي ورافائيل غروسي، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة، برعاية المصريين، لكن الولايات المتحدة أعطت العين الحمراء للدول الأوروبية تعبيراً عن عدم رضاها عن هذا الاتفاق، وتكرر الأمر نفسه مع غروسي رداً على توقيعه الإتفاق مع إيران.

إضافة إلی كل ذلك رفضت الولايات المتحدة مشروع القرار الروسي لتمديد صلاحية القرار الأممي الرقم 2231 وفرضت علی الأوروبيين اتخاذ الموقف ذاته. والغريب أن فرنسا وألمانيا وبريطانيا هي التي طرحت فكرة تمديد “آلية الزناد” (سناب باك) لمدة ستة أشهر ووعدت إيران بالموافقة في مجلس الأمن الدولي لكنها وقفت ضد المشروع الروسي.

ديبلوماسي غربي: ترامب يُريد الآن الانتهاء من “الاتفاق النووي” ومن القرار 2231 الذي احتضن هذا الاتفاق وكل ما يمت بصلة لأوباما والديموقراطيين ولا يريد أن يسمع اسمهم مرة جديدة. بعد ذلك يضع إيران تحت عقوبات وزارة الخزانة الأميركية ومجلس الأمن الدولي ومن ثم يطرح مقاربة جديدة للتوصل إلى “اتفاق ترامب” النووي علی غرار “ممر ترامب” بين أرمينيا وأذربيجان!

في الجانب الآخر، تعذر على مندوب الرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف التوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين، برغم موافقته علی الاقتراحات التي طرحتها طهران خلال الجولات التفاوضية الخمس بين عُمان وروما لكنه عندما كان يذهب إلی واشنطن سرعان ما كان يتنكر لما كان وافق عليه والتزم به!.. وهكذا استمرت المباحثات حتی أنهاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما أعطی الضوء الأخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لشن عدوان علی إيران في 13 يونيو/حزيران الماضي.

وثمة أسئلة عديدة: لماذا عارضت الولايات المتحدة الجهود الأوروبية؟ ولماذا عارضت تمديد القرار 2231؟ ولماذا أعطی ترامب الموافقة على شن هجوم ضد إيران وضرب طاولة المفاوضات بعد تحديد موعد الجولة السادسة في 15 يونيو/حزيران، أي قبل 48 ساعة من موعد انعقادها؟ وهل ثمة مقاربة أميركية جديدة موجودة فقط في رأس ترامب بشأن كيفية التعامل مع إيران؟

طرحتُ هذه الأسئلة وغيرها علی ديبلوماسي غربي عتيق التقيت به في الأسبوع الماضي. وقد أجاب عليها بشرط عدم الإفصاح عن اسمه لأن بلاده معنية بالملف الإيراني “وأنتم الصحفيين والمحللين السياسيين لا يُؤمن جانبكم”!

وعدته بأن يكون له ما يريد، ومن بعدها أسهب في تقديم مقاربته التي استهلها بالعودة إلى الوراء وتحديداً من لحظة انسحاب ترامب من “الاتفاق النووي” عام 2018 لأنه “اتفاق سيء”، وسألني: هل تتذكر ذلك؟ قلت له نعم. قال إنه لم يكن “اتفاقاً سيئاً” لا للولايات المتحدة، ولا للمجتمع الدولي ولا حتی لإسرائيل لأنه حدّ الطموحات النووية الإيرانية وفرض علی إيران رقابة مشددة هي سابقة في تاريخ الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأجبر إيران على عدم تجاوز نسبة تخصيب اليورانيوم 3.67 بالمئة وهذا ما خدم الأمن القومي الإسرائيلي وأبعد إيران عن صنع السلاح النووي من خلال الرقابة المشددة والقاسية التي قبلت بها طهران. ببساطة يُمكن القول إن ترامب لم يكن يريد تنفيذ اتفاق وقع عليه الرئيس الديموقراطي باراك أوباما وكُتبَ باسمه.

استرسل الدبلوماسي الغربي سائلاً: هل تتذكر عندما اقترح الرئيس ترامب خلال اجتماع “G7” في فرنسا عام 2019 علی إيران أن تأخذ منه أكثر مما أعطاها أوباما شريطة الانسحاب من الاتفاق النووي؟ قلت له نعم. حسب معلوماتي، ترامب قدّم هذا العرض لإيران من خلال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اتصل بطهران وطلب من الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني السفر إلی باريس لتدارس الأمر لكنه بعث وزير خارجيته محمد جواد ظريف الذي استلم العرض لكن القيادة الإيرانية رفضته لأنها لم تكن تثق بوعود ترامب واعتبرته شخصاً مرتبكاً لا يمكن الوثوق به. قال لي صحيح جداً ما تقوله وأضاف إليه الآتي: ترامب يُريد الآن الانتهاء من “الاتفاق النووي” ومن القرار 2231 الذي احتضن هذا الاتفاق وكل ما يمت بصلة لأوباما والديموقراطيين ولا يريد أن يسمع اسمهم مرة جديدة. بعد ذلك يضع إيران تحت عقوبات وزارة الخزانة الأميركية ومجلس الأمن الدولي ومن ثم يطرح مقاربة جديدة للتوصل إلى “اتفاق ترامب” النووي علی غرار “ممر ترامب” بين أرمينيا وأذربيجان!.

إقرأ على موقع 180  الإنتخابات الأميركية: "مفاجأة تشرين" ترامب أم بايدن؟

لم أعلّق علی ما تفوّه به الديبلوماسي الغربي بثقة كبيرة وكأنه يرسم ملامح المرحلة المقبلة. فكّرت كثيراً بما قدّم من أفكار وقلت ربما تأتي الأيام وتبثت صحتها أو عدم صحتها.. دعونا ننتظر.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  هوكشتاين "طامع" حدودياً.. و"طامح" رئاسياً!