نتنياهو في واشنطن.. فرصة المفاوضات النووية شبه منعدمة!

من تل أبيب إلى واشنطن مرورًا بطهران، تشي لعبة الأواني المستطرقة أن المتشددين يتحدثون بلغة واحدة تفضي إلى نتيجة واحدة: إقفال المسار التفاوضي للملف النووي وجعل الخيار العسكري مجددًا هو الخيار الأرجح.

على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفى أن يكون الملف الإيراني في أولويات مباحثاته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 29 كانون الأول/ديسمبر الجاري؛ إلا أن المصادر الإسرائيلية تتحدث عن أولوية الملف الإيراني، لأن نتنياهو يريد البحث مع الرئيس ترامب في قضيتين رئيسيتين:

الأولى؛ استكشاف فرص التفاوض الأمريكية مع طهران، خصوصًا أن ترامب وعد بطرح مشروع لتسوية المسألة الإيرانية بعد الانتهاء من قضية غزة. ومن المتوقع أن يتم طرح المشروع بداية العام الجديد بعد انتهاء عطلتي الميلاد ورأس السنة؛ ولذلك يحرص نتنياهو على تعزيز التصورات لدى ترامب بعدم الجلوس مع الإيرانيين على طاولة المفاوضات ما لم تُعطِ طهران الموافقة المبدئية على إعادة صياغة البرنامج النووي الإيراني على قاعدة «صفر تخصيب»، وإعادة صياغة المنظومة الصاروخية بحيث تكون محصورة في مدى 450 كيلومترًا، إضافة إلى قطع ارتباط إيران بفصائل «محور المقاومة» في الإقليم.

الثانية؛ التأكيد على استعداد إسرائيل لمهاجمة إيران فور حصولها على الضوء الأخضر الأمريكي، كما حصل في حرب الـ 12 يومًا في يونيو/حزيران الماضي.

وفي حقيقة الأمر، فإن الكيان العبري لا يريد ولا يرغب بأي مفاوضات تُجرى بين طهران وواشنطن، وهو بالتالي يعمل على إفشال أي مسار تفاوضي، تمامًا كما ساهم في إفشال المفاوضات السابقة التي بدأت في نيسان/أبريل الماضي، وانتهت بالعدوان الإسرائيلي–الأمريكي على إيران قبل 48 ساعة من الجولة السادسة التي كان من المنتظر عقدها في 15 يونيو/حزيران الفائت؛ وهذا يعني مساهمة الكيان في تدمير طاولة المفاوضات بين طهران وواشنطن قبل التوصل إلى أي اتفاق محتمل بين الجانبين. وفي مثل هذه الأجواء، يصبح أي حديث عن مفاوضات محتملة، محكوماً بالرفض الإيراني للشروط الأمريكية المنحازة للتصورات الإسرائيلية.

إيرانيًا؛ الأجواء التي تخيم على المشهد السياسي الداخلي لا توحي بإمكانية دخول الحكومة الإيرانية في مفاوضات مع واشنطن في ظل شروط أمريكية مسبقة لا تلاقي رغبة حكومة الرئيس مسعود بزشكيان في عقد مفاوضات جديدة بعدما تحطمت طاولة المفاوضات السابقة؛ الأمر الذي رفع الصوت الداخلي المعارض للمفاوضات، وبشكلٍ عالٍ، في مواجهة أي جهد من شأنه أن يعيد طهران إلى طاولة مفاوضات محكومة بالفشل مسبقاً..

موجة التصريحات الحادة والمنسقة في الأيام الأخيرة ضد إيران مصممة للتأثير المسبق على قرار ترامب قبل زيارة نتنياهو؛ بحيث يتشكل القرار أولًا في ذهن الرئيس الأمريكي، ثم يدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي المشهد ليس من زاوية الإقناع، بل من زاوية وضع ختمه النهائي على قرار ضرب إيران. والرسالة الضمنية لهذا التيار الأمريكي هي أن إيران في وضع هش وبالتالي العمل العسكري ضدها أقل تكلفة – أمنيًا وسياسيًا – من التردد والانتظار

وغني عن البيان أن الوسط الأصولي الإيراني المتشدد حيال المفاوضات تعزّز رصيده في رفض المفاوضات واعتبار الجانب الأمريكي غير مؤهل للدخول في مفاوضات تستند إلى أساس «رابح–رابح»، ومصالح مشتركة، واحترام متبادل.

أمريكيًا؛ يبدو الوضع أصعب بكثير، لأن ترامب ما يزال ينظر بفوقية إلى هذا الملف، متأثراً بالصوت الجمهوري المرتفع في الكونغرس ضد أي مفاوضات مع إيران، وبالتالي يريد طرح مشروع لتسوية المشاكل مع إيران إستناداً إلى التصورات الإسرائيلية أولًا، وإلى موقف المتشددين في المشهد الأمريكي ثانيًا.

وبناءً على ذلك، لا ينبغي اعتبار التصريحات الأخيرة لشخصيات أمريكية معادية لإيران وداعمة لكيان الاحتلال – سواء داخل إدارة ترامب أو خارجها – مثل ماركو روبيو، مايك بومبيو، ليندسي غراهام، ومايك هاكابي، مجرد مواقف متناثرة؛ فهذه التصريحات في الواقع هي جزء من سردية واحدة منسقة، هدفها التأثير المباشر على قرار ترامب للتحرك نحو عمل عسكري جديد ضد إيران فور انتهاء زيارة نتنياهو إلى واشنطن.

ويمكن الإشارة إلى موقف مايك بومبيو أكثر من الآخرين؛ فقد طرح اقتراحات نادرة وخطيرة من الناحيتين السياسية والأمنية. بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، يدعي أنه برغم التآكل الواسع النطاق اقتصاديًا واجتماعيًا وهيكليًا في الجمهورية الإسلامية، ما يزال جزء وازن من النخب السياسية والإعلامية الغربية يتمسك بتصور خاطئ مفاده أنه لا يوجد بديل للنظام الحاكم في إيران حاليًا. وفي الحقيقة، فإن بومبيو يريد تبسيط الأجواء من أجل دفع ترامب إلى مهاجمة إيران.

وعلى مستوى الكونغرس، حذّر السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، أحد الداعمين بقوة لإسرائيل، في مقابلة مع صحيفة «جيروزاليم بوست» من أن جهود إيران لإعادة بناء وتطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية أصبحت الآن تُشكّل تهديدًا يوازي برنامجها النووي.

وفي هذا السياق، استخدم مايك هاكابي، سفير أمريكا في إسرائيل، لغةً حادةً، واصفًا إيران بأنها لا تُشكّل فقط تهديدًا للشرق الأوسط، بل خطرًا على أوروبا بأكملها؛ وهي تصريحات تجاوزت حتى الأطر الدبلوماسية التقليدية.

إقرأ على موقع 180  فلسطين.. جرحٌ عربيٌ لا شفاءَ منه

بشكل عام، يبدو أن موجة التصريحات الحادة والمنسقة في الأيام الأخيرة ضد إيران مصممة للتأثير المسبق على قرار ترامب قبل زيارة نتنياهو؛ بحيث يتشكل القرار أولًا في ذهن الرئيس الأمريكي، ثم يدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي المشهد ليس من زاوية الإقناع، بل من زاوية وضع ختمه النهائي على قرار ضرب إيران. والرسالة الضمنية لهذا التيار الأمريكي هي أن إيران في وضع هش وبالتالي العمل العسكري ضدها أقل تكلفة – أمنيًا وسياسيًا – من التردد والانتظار.

ويرى محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني الأسبق، أن مأزق الملف النووي الإيراني ناجم أساسًا عن انعدام الثقة المتراكم بين إيران والولايات المتحدة، لا عن خلافات تقنية، معتبرًا أن سياسات الضغط والعقوبات فشلت في كبح البرنامج النووي وأسهمت في تقوية التيارات المتشددة.

وفي مثل هذه الأجواء، تتضاءل الآمال حيال أي مفاوضات محتملة في ظل تمسك واشنطن بسياسة «الضغوط القصوى»، في الوقت الذي يتضاءل فيه حماس الحكومة الإيرانية للمفاوضات، وهي تستعد لاتباع سياسة اقتصادية تقشفية لتقليل النفقات وزيادة الإيرادات لمواجهة كافة الاحتمالات.

(*) يُنشر بالتزامن مع جريدة “الصباح” العراقية


([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  حسين شريعتمداري: اغلاق مضيق هرمز نقطة قوة لم نستخدمها بعد