من الواضح أن قرار إعادة العلاقات العربية مع سوريا تريده دمشق ثنائياً، بينما تريد الرياض أن يكون قراراً عربياً مثلما كان تعليق مشاركة سوريا في جامعة الدول العربية قراراً عربياً تم إتخاذه في تشرين الثاني/نوفمبر 2011.
وثمة خارطة طريق ستنفذ خلال شهر من الآن، أي قبيل انعقاد قمة الرياض العربية في 19 أيار/مايو المقبل، ستتضح معالمها النهائية خلال اجتماع وزراء خارجية الدول العربية التسع (دول مجلس التعاون الخليجي الست + مصر والأردن والعراق) المقرر غداً (الجمعة) في جدة. أما عودة العلاقات بشكل كامل، فإن الرياض تفضل أن يكون هذا المسار مُتدرّجاً، في ضوء ما سيُنفذ من التزامات تعهّد بها وزير خارجية سوريا، وتمت الإشارة إليها في البيان الرسمي الثنائي الصادر عن الوزيرين السعودي والسوري.
تفاهمات دولية وإقليمية وعربية مع الرياض مهّدت لزيارة المقداد إلى للسعودية
ويبدو أن خارطة الطريق هذه، ناقشها وزير الخارجية السوري مع نظيره السعودي وقدّم تعهدات بشأنها. ومثلما أشرنا، في مقالة يوم السبت الماضي، فإن هذه التعهدات موضع تفاهم دولياً (من خلال روسيا التي توسّطت وشجّعت وقرّرت أن تكون الضامن) وإقليمياً (من خلال إيران التي وعدت بالمساعدة على تحقيق متطلبات المصالحة السياسية) وعربياً من خلال مصر التي نقل رئيسها عبد الفتاح السيسي خلال لقائه الأخير المفاجئ بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ما أسماها “الإلتزامات السورية بتحقيق المطالب السعودية الأمنية والسياسية”، الأمر الذي فتح الباب أمام زيارة سرية لمسؤول أمني سوري كبير إلى السعودية، الأسبوع الماضي، حيث ناقش ملفات أمنية أبرزها وأولها ملف تهريب حبوب الكبتاغون المُخدّرة من سوريا إلى السعودية ومنطقة الخليج.
ويوضح البيان الصادر إثر مباحثات وزيري الخارجية السعودي والسوري، ما تريده المملكة وما يريده العرب من الدولة السورية لأجل إستكمال عودتها إلى جامعة الدول العربية واستعادة العلاقات العربية معها.
فقد أشار البيان إلى “الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية يحافظ على وحدة سوريا، وأمنها، واستقرارها، وهويتها العربية، وسلامة أراضيها”، وهذا ما جرى التطرق إليه في المباحثات، حيث أعلن البيان أن وزيري الخارجية “بحثا الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة تنهي جميع تداعياتها، وتحقق المصالحة الوطنية، وتساهم في عودة دمشق إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي”، أي أن إنجاز التسوية السياسية وتحقيق المصالحة الوطنية كفيلان بعودة دمشق إلى الجامعة العربية.
ومن وجهة النظر السعودية، “على الحكومة السورية أن تتعهد بالإفراج عن المعتقلين في السجون السورية، واعادة اللاجئين السوريين الى مناطقهم من دون ملاحقات أمنية، وإجراء اصلاحات سياسية أولها الاعتراف بلجنة إعادة كتابة الدستور”. ويلاحظ أن البيان الرسمي السعودي ـ السوري أشار الى ذلك مواربة من دون الخوض في التفاصيل حيث ذكّر بـ”العمل على تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية”.
والشيء المهم الذي أشار إليه البيان ـ وهذا مطلب أمني سعودي ـ يتمثل في العمل على وقف تهريب حبوب الكبتاغون المخدرة من سوريا الى المملكة العربية السعودية ودول الخليج حيث أكد الجانبان “على أهمية تعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها”.
ويقول ديبلوماسي سعودي سابق هنا في الرياض إن المملكة ستخطو خطوات متدرجة مع دمشق على طريق إعادة كامل العلاقات بين البلدين، “لأن العاصمة السعودية ما زالت تراودها شكوك بشأن مصداقية القيادة السورية. فقد سبق أن حصل العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز وبحضور الملك سلمان – حين كان أميراً للرياض ـ على إلتزامات من الرئيس السوري، أحدها قبيل إغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، وثانيها مع بداية الازمة السورية في العام 2011، ولم تنفذ وهو الأمر الذي جعل الرياض تتخذ موقفا سلبياً منه”، على حد قول الديبلوماسي السعودي السابق.
تفاهم سعودي ايراني سوري فرنسي على تسهيل التسوية في لبنان وصولاً إلى إنتخاب رئيس توافقي
وكشف مصدر ديبلوماسي عربي أن التفاهمات التي تجري مناقشتها مع دمشق سعودياً وعربياً وإقليمياً ودولياً “تتضمن تعهداً سورياً بالعمل على تسهيل التسوية السياسية في لبنان وصولاً إلى إنتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون موضع توافق سوري ـ سعودي ـ إيراني ـ فرنسي (أميركي ضمناً)”.
والجدير ذكره أن السعودية بدأت من جانبها بتنفيذ خطوات خارطة الطريق بالاعلان عن استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية مع دمشق، أما الخطوات السياسية الأخرى فستبدأها مع شقيقاتها الدول العربية والخليجية بشكل متدرج.