توسيع “بريكس”.. نحو نظام عالمي أكثر توازناً 

لا حاجة إلی إعطاء الدليل تلو الدليل على أننا نتجه نحو ولادة نظام عالمي جديد سمته الأبرز التعددية القطبية بحيث يكون بديلاً لنظام أحادي ساد أكثر من ثلاثة عقود، وتحديداً منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي حتى يومنا هذا.

بعد قمة “بريكس” التي عقدت في جنوب إفريقيا، الأسبوع الماضي، إزداد تكرّس هذا الإنطباع لا سيما وأننا أمام منظومة تضم خمس دول هي الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، وهي تُمثل ربع الإقتصاد العالمي و42 بالمئة من سكان العالم.

واللافت للإنتباه في القمة الأخيرة أنها وجهت الدعوة إلى ست دول للانضمام للمجموعة، بينها إيران والسعودية والإمارات ومصر وإثيوبيا والأرجنتين.. ولكل من هذه الدول خصائصها السياسية والإقتصادية والجيوسياسية.

وإذا كانت إقتصاديات هذه الدول باتت مهيّأة للإنضمام إلى “بريكس” إلا أن الموافقة علی انضمام إيران يُشكّل نقطة لافتة للنظر إن بالنسبة إلى الدول المؤسسة للمجموعة أو للدول التي تمت دعوتها أو لإيران نفسها؛ وبالتالي فإن طهران حقّّقت إنجازاً تاريخياً بقبول عضويتها في “بريكس”، بعد عام واحد فقط من تقديم طلب العضوية، وهو أمر غير مألوف في تعامل المجموعة مع طلبات العضوية لا سيما وأن إيران تواجه ظروفاً إقتصادية إستثنائية، ناهيك عن التباسات علاقة إيران بالمجتمع الدولي علی خلفية العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة علی إيران وكل من يتعامل معها.

وليس خافياً أن الصين لعبت دوراً محورياً في قبول عضوية إيران في “بريكس”، وهذه الخطوة جاءت في إطار الجهود التي لعبتها بكين لترطيب العلاقة بين طهران والرياض، ما حدا بأمين مجلس الأمن القومي الإيراني السابق علي شمخاني إلى الإستنتاج أن قبول عضوية ايران والسعودية “يُقلّل من التنافس الجيوسياسي ويخدم التعاون الجيواقتصادي ويُعزّز الأمن والإستقرار في المنطقة التي تسعی دولها للتنمية والإزدهار”.

طهران تُعتبر راهناً الرابح الأكبر في مجموعة “بريكس” خصوصاً إذا استفادت بما يُدعّم سوقها الداخلية وعملتها المحلية حيث ما زالت عديد الوزارات والدوائر الحكومية الإيرانية تعاني من سوء إدارة، وهذه تُشكّل إحدی أبرز التحديات التي تواجه انضمام ايران لمجموعة “بريكس”

ولا يغيب عن البال أن الصين أرادت من خلال هذه الخطوة تعميق نفوذها الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط لاستكمال عناصر مبادرتها “الحزام والطريق” التي تشمل المنطقة ومعظم أنحاء العالم.

ويرى المراقبون أن عضوية ايران في مجموعة “بريكس”، بما تُمثل في الإقتصاد العالمي، تُحسب للجهود التي قامت بها الحكومة الإيرانية للانضمام إلى “منظمة شنغهاي” و”بريكس” سعياً إلى إضعاف العقوبات الغربية من جهة وإكتساب المزيد من القدرة على الحركة والمبادرة والمناورة إقليمياً ودولياً من جهة ثانية.

إن أحد أهم الأهداف التي قامت بها مجموعة “بريكس” هي دفع مستقبل الدولار إلی الواجهة، الأمر الذي سال له لعاب عديد الدول النامية التي انسحقت إقتصادياتها تحت أقدام الإقتصاد العالمي وآلياته التي يُهيمن عليه الدولار الأمريكي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. هذه المجموعة أرسلت رسالة سياسية لواشنطن علی لسان رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا عندما اعتبر أن “توسيع عضوية بريكس يُلبي الرغبة في ولادة نظام دولي أكثر توازناً”.

وإذا كان صحيحاً أن دول “بريكس” الخمس لا تريد المواجهة مع الولايات المتحدة راهناً، إلا أن الصحيح أيضاً أن الدول النامية وتحديداً إيران تتحين الفرص للإفلات من الآليات التي تكبل أيديها في الإنخراط في الإقتصاد الإقليمي والعالمي، بما يمكنها من التخلص من العقوبات الإقتصادية التي يصعب إزالتها في ضوء السلوك الذي تنتهجه واشنطن في مواجهة طهران.

ما هي القيمة المضافة لإيران في “بريكس” وماذا تستطيع هذه المجموعة العالمية أن تُقدّم لإيران؟

إن الموقع الجغرافي المتميز لإيران من خلال حدودها مع 15 دولة في الإتجاهات الأربعة يجعلها متاحة للترانزيت والاتصال بين القارات المختلفة. بين آسيا وإفريقيا وشبه القارة الهندية وأوراسيا والصين وروسيا؛ زدْ على ذلك مدى قابليتها لتنفيذ مبادرة “الحزام والطريق” الصينية؛ إضافة إلی ذلك؛ فإنها تملك من مصادر الطاقة التي تحتاجها دول المجموعة كالنفط والغاز والامكانات الفنية والبشرية والتجارية.

في الجانب الآخر؛ تُبشّر التعددية القطبية التي تسعى إليها “بريكس” والآليات الإقتصادية للمجموعة مثل بنك التنمية الذي أسسّته “بريكس” بجعل إيران وغيرها من الدول أكثر حماسة للإنخراط في عالم إقتصادي جديد بعيداً عن العقوبات والسلوك الغربي الذي يُحدّد تجارة إيران الخارجية.

إن دعم العملات المحلية وتبادل السلع والبضائع والخدمات بين دول المجموعة عبر العملات المحلية علی غرار ما اتفقت عليه الإمارات العربية المتحدة مع الهند لبيع النفط يعتبر خطوة في غاية الأهمية حيث تعمل طهران لترويج مثل هذه السياقات الإقتصادية للالتفاف علی العقوبات الأمريكية.

وبعبارة أكثر دقة؛ فإن طهران تُعتبر راهناً الرابح الأكبر في مجموعة “بريكس” خصوصاً إذا استفادت بما يُدعّم سوقها الداخلية وعملتها المحلية حيث ما زالت عديد الوزارات والدوائر الحكومية الإيرانية تعاني من سوء إدارة، وهذه تُشكّل إحدی أبرز التحديات التي تواجه انضمام ايران لمجموعة “بريكس” وصولاً إلى الإستفادة من القدرات والإمكانات والفرص التي يُمكن أن توفرها المجموعة للإقتصاد الإيراني.

إقرأ على موقع 180  حوار إفتراضي حول "المتوسط": نعيش معاً أو نموت معاً

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  السعوديون يأملون بإنتهاء حرب إستنزافهم في اليمن