أسئلة عمّان تُدوّي: انتصار “حماس” لمصلحة من؟

شهدت عمان في اليومين الماضيين سلسلة اجتماعات أولها اجتماع وزراء خارجية كل من الأردن والإمارات والسعودية وقطر ومصر والسلطة الفلسطينية ومن ثم اجتماعهم بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. لكن استقبال الملك عبد الله الثاني للمشاركين في الإجتماع الوزاري العربي طغى على ما عداه، لما تضمنه من رسائل تطرح أسئلة، أولها: هل فعلًا ثمة موقف عربي موحد حيال ما يجري في غزة؟

في 31 تشرين الأول/أكتوبر، بدأ الملك عبد الله الثاني جولة شملت شمل أبو ظبي والمنامة والدوحة بهدف وقف الحرب على غزة، وانتهت هذه الجولة في 1 تشرين الثاني/نوفمبر، وبعد هذه الجولة وحتى اليوم لم نسمع عن موقف عربي موحد وحازم وعملي يدعو لوقف الحرب على غزة.

الملفت للنظر بعد تلك الجولة؛ هو اجتماع وزراء خارجية كل من قطر والإمارات والسعودية والأردن ومصر في الأردن بالاضافة إلى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في عمّان يوم أمس الأول وعقدهم اجتماعًا تنسيقيًا، تلاه اجتماعهم مع بلينكن.

إن اجتماعًا كهذا بعد زيارة الملك عبدالله إلى الإمارات والبحرين وقطر نهاية الأسبوع الماضي، كان يستدعي بيانًا عربيًا موحدًا يشتمل على المطالب العربية، في حال الاتفاق عليها، لكن الأمر اقتصر على خروج وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي وحديثه على نقاط الاتفاق والاختلاف العربية مع بلينكن.

والسؤال الأهم؛ ما دام العرب متفقون على الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، لماذا لا يضغطون؟ لماذا لا تضغط الإمارات العربية بخطوة مماثلة للخطوة التي قام بها كل من الأردن والبحرين في سحب السفراء؟ لماذا لا يستخدم العرب ثقلهم في ذلك؟

حماسة عربية ضد “حماس”!

ما سبق يفتح الباب على تساؤل أكبر وهو حديث الملك الأردني خلال لقائه وزراء الخارجية العرب قبيل لقائهم بلينكن، إذ نسب الديوان الملكي الأردني للملك تأكيده على “ضرورة مواصلة التنسيق العربي للحديث بصوت واحد مع المجتمع الدولي حول التطورات الخطيرة في غزة”. كما شدّد الملك على أنه “من واجب الدول العربية الضغط على المجتمع الدولي والقوى الدولية الفاعلة لوقف الحرب على غزة، وإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل مستمر وحماية المدنيين”.

ثمة توافق خفي غير ظاهر للعيان، على أهمية وجود “حماس” في المنطقة لأجل تحقيق توازنٍ ما بين الأقطاب الساعية للتطبيع مع العدو وبين قطب المقاومة الساعي لعرقلة أشكال التطبيع على اختلافها

وهنا علينا أن نضع خطوطًا عديدة تحت حديث الملك “من واجب الدول العربية الضغط على المجتمع الدولي..”. هذا الحديث جاء بعد زيارته بعض دول الخليج، ولو أن الدول العربية متفقة على هذا القول لكان تبلور موقف عربي موحد قادر على ردع إسرائيل من ارتكاب جرائم تزداد بشاعة كلما اجتزنا يومًا في هذه الحرب الدامية.

إن السياق كله يشي أن العرب غير متفقين، وبعضهم قد يكون متحمسًا للقضاء على “حماس” أو تحجيمها، مَنْ يدري، وبعضهم الآخر بات يرى في “حماس” ورقة رابحة، وقد نشهد تقاربًا بين دول عربية وبين “حماس” برغم أيام فتور العلاقات معها، مَنْ يدري!

طائرة المساعدات الأردنية

وما يؤكد على غياب الموقف العربي الموحد، هو قيام الأردن منفردًا هذه الليلة (ليل الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر) بإنزال مساعدات طبية ودوائية عاجلة جوًّا للمستشفى الميداني الأردني في قطاع غزة.

وتم إعلان ذلك عبر تغريدة لملك الأردن على حسابه الخاص على منصة “إكس” مُبينًا فيها أن هذا واجب الأردن لمساعدة الجرحى والمصابين الذين يعانون جراء الحرب على غزة، مؤكدًا “سيبقى الأردن السند والداعم والأقرب للأشقاء الفلسطينيين”.

وحسب موقع “واللا” العبري، ونقلًا عن مسؤول اسرائيلي رفيع المستوى فإن “ذلك تم بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي”، وهنا لا بد أن نشير إلى أن عملية كهذه في ظل الحرب، عندما يقوم بها سلاح الجو الأردني، لا بد وأن يتم إخطار الجانب الإسرائيلي على أقل تقدير، لأن مجرد قصف طائرة عسكرية أردنية سيُعتبر إعلان حرب.

لكن الخطوة هذه تفضي إلى الإستنتاج إلى أن الأردن اتخذ مبادرة منفردة تفضح غياب الموقف العربي الموحد، فلو اتفق العرب على دعم غزة لرأينا خطوة عربية موحدة في هذا الاتجاه، وليس إعلان دولة واحدة عن خطوة يتيمة.

ولو افترضنا أن تحذو دولٌ عربية موقف الأردن في قادم الأيام، فهذا لن يعفيها من تهمة التأخر عن دعم غزة، لكن حتى الخطوة المتأخرة تعني الكثير للفلسطينيين، إلا إذا كانت هناك رغبة لدى دول معينة في القضاء على المقاومة الفلسطينية، وهذا ما يُفسّر تعمد غياب الموقف العربي الموحد حيال غزة، في انتظار ما ستفضي إليه القمة العربية الإستثنائية المزمع عقدها الأحد المقبل في السعودية.

7 أكتوبر يُعيد ترتيب المنطقة

قال رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بُعيد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، بأن ما سيتبع ذلك من ردة الفعل الإسرائيلية سوف يُغيّر معالم الشرق الأوسط. وللأمانة صدق الرجل، لكن ليس في الاتجاه الذي يصبو إليه، على الأرجح.

لقد جاء 7 أكتوبر/تشرين والسلوك الاسرائيلي الدامي في غزة ليهُزّا الأرض تحت فكرة التطبيع مع إسرائيل، بل وأبعد من ذلك ليزلزلوا الأرض تحت فكرة الصهيونية التي امتثل لها العالم على طول ما يزيد على المائة عام وكان دينًا للعالم المتحضر.

إقرأ على موقع 180  "فلسطين، شعب يأبى أن يموت"

في السنوات الماضية كان ينظر كل من الأردن ومصر إلى اتفاقيات السلام الإبراهيمي بقلق شديد، ما الذي سيمنع من اتفاق الأطراف العربية في هذه المعاهدات مع إسرائيل على تسويات نهائية تُهدّد مصالح الأردن ومصر؟ لا أحد يضمن ذلك!

جاء يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول في حقيقة الأمر ليُمكّن كلًا من الأردن ومصر أن يلتقطا أنفاسهما في الإقليم، وأن يرسما الخطوط الحمر حماية لمصالحهما ومصالح الفلسطينيين، ومَنْ قدّم لهم هذه الهدية الثمينة؟ إنها “حماس” بكل بساطة!

قال وزير الخارجية الأردني في بيان له بعد توقيع الامارات معاهدة سلام مع اسرائيل في صيف 2020 “إن أثر الاتفاق بين دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة وإسرائيل إقامة علاقات طبيعية على جهود تحقيق السلام سيكون مرتبطاً بما ستقوم به إسرائيل فإن تعاملت معه إسرائيل حافزاً لإنهاء الاحتلال وتلبية حق الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها القدس المحتلة على خطوط الرابع من حزيران/يونيو1967 ستتقدم المنطقة نحو تحقيق السلام العادل، لكن إن لم تقم إسرائيل بذلك ستُعمّق الصراع الذي سينفجر تهديداً لأمن المنطقة برمتها”.

حديث الصفدي حينها كان واضحًا تمامًا والقلق الأردني من اتفاقات قد لا تأخذ مصالح الأردن ومصر والفلسطينيين بالاعتبار واضحة؛ لذا، ومراعاة لتلك المخاوف، ربطت السعودية تطبيعها مع الكيان الصهيوني بإقامة دولة فلسطينية، وكأنها تُريد أن تُطمئن الأشقاء بأن مصالح الجميع محفوظة.

لكن لا مجال للاطمئنان هنا، وهذا ما يُمكن أن نلمسه عند تتبع الأحداث السياسية، فبعد أن شعر الأردن الرسمي ببدايات التقارب بين بعض دول الخليج العربي وإسرائيل، بدأ بالاستجابة لأحد المطالب الشعبية الرافضة دائمًا للتقارب مع إسرائيل وتم فتح ملف الغمر والباقورة، إذ أعلن الملك عبد الله في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 خلال افتتاحه الدورة العادية لمجلس الأمة انتهاء ملحقي الباقورة والغمر في اتفاقية معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية. وبالتالي استعاد الأردن أراضيه هذه من إسرائيل بموجب اتفاقية وادي عربا.

ذلك الملف، وفقًا لمراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية، أربك تل أبيب في حينه، وكـأن ثمة رغبة بمحاولة مجاراة الأردن قليلًا واستيعابه كي يتراجع عن الملف، لكن لم يتم ذلك، ولعل ذلك كان مستحيلًا في ظل شعور الأردن الرسمي بالتهديد من إمكانية حل القضية الفلسطينية على حسابه وحساب حقوق الفلسطينيين.

غير أن الدينامية التي ولدتها عملية “طوفان الأقصى” خدمت الدول المتخوفة من التقارب الإسرائيلي الخليجي (أي الأردن ومصر)، وقد تؤدي في قادم الأيام إلى تضرر اتفاقيات السلام الخليجية الاسرائيلية إن قرّرت الإمارات اتخاذ موقف كموقف البحرين بسحب سفيرها ووقف علاقاتها الإقتصادية مع إسرائيل يوم 3 تشرين الثاني/نوفمبر، أي غداة زيارة الملك عبدالله الثاني إلى المنامة.

المساعدات أم مستقبل غزة؟

لقد جاء يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول في حقيقة الأمر ليُمكّن كلًا من الأردن ومصر أن يلتقطا أنفاسهما في الإقليم، وأن يرسما الخطوط الحمر حماية لمصالحهما ومصالح الفلسطينيين، ومَنْ قدّم لهم هذه الهدية الثمينة؟ إنها “حماس” بكل بساطة!

نعم، “حماس” التي تُعاديها مصر كونها منظمة “إخوانية” في النهاية، و”حماس” التي تم إغلاق مكاتبها في الأردن بعيد تولي الملك الأردني عبد الله الثاني الحكم في البلاد في نهاية الألفية الماضية، وفي ظل ما نشهده وأمام وقفة كل من وزيري الخارجية الأردني والمصري موقفًا واحدًا أمام سؤال من صحافي في وكالة “رويترز” في المؤتمر الصحافي الذي تبع اجتماع وزراء الخارجية مع بلينكن، يوم أمس الأول، عندما سألهما “هل تناقشان معًا مستقبل غزة بعد حماس”، فكانت إجابة الوزيرين منسجمة بأن إيصال المساعدات ووقف الحرب والتهجير أهم من الحديث عن مستقبل غزة.

وكأن خلف هذه الإجابة الدبلوماسية المؤكدة على مطالب البلدين بوقف الحرب (وليس الهدنة الإنسانية فقط) ووقف تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وايصال المساعدات، ثمة توافق خفي غير ظاهر للعيان، على أهمية وجود “حماس” في المنطقة لأجل تحقيق توازنٍ ما بين الأقطاب الساعية للتطبيع مع العدو وبين قطب المقاومة الساعي لعرقلة أشكال التطبيع على اختلافها، وإن كان سيتم التطبيع فليس بالضرورة على حساب حقوق الفلسطينيين والدول المجاورة لفلسطين، وهذا التوازن سيخدم البلدين (الأردن ومصر) في قادم الأيام، وإن خرجت “حماس” صامدة من حرب غزة ستكون كرتًا رابحًا ليس فقط في يد دول الإقليم مثل الأردن ومصر ولبنان وسوريا، بل في يد أعداء أميركا؛ روسيا والصين.

في ظل الصمت العربي على القتل الهمجي المنهجي المستمر منذ شهر في غزة، يُصبح “السُكات مسموع”، كما يُردّد الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم، فهل يكون للقمة العربية، الأحد المقبل، موقف ما أم يستمر السكوت العربي؟

Print Friendly, PDF & Email
رانية الجعبري

صحافية وقاصة من الأردن

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  هدنة غزة بين المُعلن.. والمُضمر