هل رمْت القمّة العربية الإسلامية طوق النجاة لـ”إسرائيل”؟

الزلزال الذي أصاب "إسرائيل" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ما زالت ارتدادته تضرب في عمق الكيان الصهيوني، سياسياً وأمنياً وعسكرياً وإقتصادياً واجتماعياً، من خلال عدم القدرة على حسم المعركة مع المقاومة في فلسطين.

هذه الإرتدادات لن يقتصر أثرها على “إسرائيل”، فعملية “طوفان الأقصى” كشفت حجم الزيف والكذب والخداع العالمي والـ”الديموقراطيات” الزائفة والكيل بمكاييل عديدة فيما يخص “الإعلام الغربي” و”منظمات حقوق الإنسان” و”المجتمع المدني” و”القانون الدولي” و”المحاكم الجنائية والدولية” والهيئات المعنية بأوضاع العالم على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة، والأهم من هذا كله حجم الكذب الذي تمارسه مجموعة الدول الغربية كالولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وبريطانيا ودول حلف الناتو وباقي أصدقائهم في العالم.

عندما اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، قبل أكثر من عشرين شهراً، هبّت كل هذه الدول الآنفة الذكر، للدفاع عن أوكرانيا وسخّرت الأموال والقدرات العسكرية وكل وسائل الدعم للدفاع عنها وإبراز “مظلومية الشعب الأوكراني”، أما عندما بدأ “الكيان الإسرائيلي” بدك غزة بالصواريخ، جواً وبحراً وبراً، فقد هرعت الدول الغربية بكل أساطيلها لمؤازرة الحكومة الصهيونية، ولم توفر وسيلة قتل إلا واستعملتها حتى بلغ الأمر بوزير التراث في حكومة بنيامين نتنياهو، عميحاي إلياهو إلى المطالبة باستعمال قنبلة نووية لمحو غزة عن خارطة الوجود، وهذا يُدلل على حجم المأزق “الإسرائيلي – الغربي – العربي”.

إن نتائج ما جرى سيظهر تباعاً على كل المستويات، ولا أغالي إذا قلت إن المنظومة الأميركية الغربية الليبرالية، بشراكة كاملة مع أنظمة التطبيع العربية، ستُكون معنية بإعادة هيكلة بنية هذه الأنظمة لما أصابها من تصدعات واهتزازات كشفت حجم تواطؤ قوى الرأسمال المتوحش بإدارة الولايات المتحدة للهيمنة على العالم أجمع، وهذا سيجعل إنتاج “إيديولوجيات جديدة” كـ”قيم حضارية” جديدة تستطيع من خلالها أن تستر عوراتها أو “تُرمّم” ما أصابها.

فالبناء الإيديولوجي الليبرالي الحالي، بات مكشوفاً أمام شعوب العالم، وفضح المنظومة العالمية التي كانت تهيمن على الرأسمال من خلال أدوات السيطرة والتحكم، إقتصادياً وإجتماعياً وأمنياً ومالياً وثقافياً، كما فضح المثقفين والمفكرين من مُروجي النظريات “المدفوعة الثمن” وبعناوين مختلفة من “قوس قزح” إلى “معاداة السامية” و”الديانة الإبراهيمية” إلخ..

أكثر ما يقلق الأميركيين الآن هو استمرار هذه الحرب، وجر أطراف أخرى إقليمية إليها وبالتالي جعل أميركا تتورط في وحول هذه المنطقة بعدما كانت مقررة سلفاً الخروج منها. فهل مدّت أميركا والدول العربية “طوق النجاة” للكيان الإسرائيلي لإنقاذه.. وإنقاذ عروشهم؟

إذن، نحن أمام ضرب بنيان أساسي، كانت تعتمده الحكومات الغربية، وبالتالي لا بد من إعادة ترميمه او إصلاحه أو استبداله بأفكار جديدة، فالرأي العالم العالمي يتحوّل يوماً بعد يوم، بدليل المظاهرات المتصاعدة وآخرها تظاهرة لندن المليونية، دعماً للقضية الفلسطينية، ما يعني أن هذه الجماهير استفاقت من “الأكاذيب” التي كانت هي في طليعة ضحاياها، وتبين أنها انساقت إليها “قهراً” أو عن “قناعة زائفة” لتكون ضحية دون أن تعرف أنها ليست سوى “أرقاماً” وبالإمكان من خلال القوة والهيمنة محوها بـ”شحطة قلم” عن خارطة الوجود. فلا القوانين الدولية باتت تحمي أحداً ولا شعارات الديموقراطية ولا حقوق الإنسان تشكل عوامل اطمئنان لأحد بعد الآن.

يقول المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن إسرائيل “أسقطت ما يعادل قنبلتين نوويتين على قطاع غزة”، والبعض يقول ما يعادل ثلاث قنابل نووية. وبالتالي، نحن أمام عملية إبادة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة لم يشهد العالم مثيلاً لها منذ الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا.

لقد سقط أكثر من ثلاثة عشر ألف شهيد نصفهم من الأطفال، وثمة عملية تدمير ممنهج للمستشفيات والمباني السكنية والبنى التحتية والمساجد والكنائس وكل شيء يتحرك، ومع ذلك ما زالت الحكومة “الإسرائيلية” تفتش عن صورة نصر داخل قطاع غزة منذ إعلانها “المناورات البرية” لدخولها القطاع ولم تحصل عليها (بحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية).

إن لسان حال المستوطنين الذين قدموا من أقاصي العالم الغربي للاستيطان في بلد “الحلم التوراتي”، على ما يزعمون، هو إلى “أين سنرحل”؟ وأين أصبح هذا الحلم الآن؟

سؤال فرضه “طوفان الأقصى” وجاء الجواب على لسان الكاتب الإسرائيلي في صحيفة “هآرتس” آري شبيت إذ كتب رسالة موجهة للمستوطنين على أرض فلسطين قال فيها:

“لا طعم للعيش في هذه البلاد ولا للكتابة في “هآرتس”. يجب توديع الأصدقاء والإنتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس، يجب النظر بهدوء ومشاهدة “إسرائيل” وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة”.

بدوره، نشر موقع «باسبورت نيوز» العبري تقريراّ، أنه منذ بداية حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر حتى آخر الشهر الماضي، غادر أكثر من 230 ألف صهيوني إلى الخارج، من دون اغفال التوقعات بارتفاع وتيرة المهاجرين إلى خارج الكيان “الإسرائيلي” مع استمرار الحرب على غزة وعلى جنوب لبنان.

وكانت صحيفة “معاريف” قالت في تقرير سابق إنه حتى عام 2020 غادر أكثر من 756 ألف يهودي نحو دول أخرى، لغياب الأمن والاستقرار، وأشار استطلاع للرأي إلى أن 33% من سكان الكيان يفكرون بالهجرة نحو أوروبا وأميركا بسبب مقاومة الفلسطينيين للاحتلال وحكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة وسياساتها العنصرية، بالإضافة إلى 800 ألف مستوطن ممن يحملون جنسيتين أصبحوا مقيمين بصورة دائمة في دول أوروبا وأميركا وغيرها من البلدان.

إقرأ على موقع 180  مات لبنان.. هل مَن يدفنه؟

وبحسب الإعلام الغربي، تزداد قناعة الإدارة الأميركية الحالية بأن ما يسمى (حلّ الدولتين) هو الآن طوق نجاة لبقاء إسرائيل واستنقاذ مسار التطبيع معها، وللأسف فإن مقررات القمة العربية والإسلامية الأخيرة في الرياض لا تساوي الحبر الذي كُتبت فيه، وبالتالي مدّدت الوقت أكثر لصالح الإدارة الاميركية والحكومة “الإسرائيلية” للإمعان أكثر في تدمير قطاع غزة. وأكثر ما يقلق الأميركيين الآن هو استمرار هذه الحرب، وجر أطراف أخرى إقليمية إليها وبالتالي جعل أميركا تتورط في وحول هذه المنطقة بعدما كانت مقررة سلفاً الخروج منها. فهل مدّت أميركا والدول العربية “طوق النجاة” للكيان الإسرائيلي لإنقاذه.. وإنقاذ عروشهم؟

Print Friendly, PDF & Email
أكرم بزي

كاتب وباحث لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  خمسون حرب أكتوبر.. الحقيقة المصرية محجوبة!