“فورين بوليسي”: الحرب الإقليمية تمر من بوابة الرد الإسرائيلي على إيران

منى فرحمنى فرح15/04/2024
الطريقة التي سترد بها إسرائيل على الرد الإيراني على ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق، ليل السبت-الأحد الماضي، هي التي ستُحدّد ما إذا كانت المنطقة تتجه نحو حرب شاملة أم لا، بحسب مجلة "فورين بوليسي".

في إطار ردّها على اغتيال عدد من كبار قادة الحرس الثوري الإسلامي في غارة جوية إسرائيلية استهدفت قنصليتها في دمشق، في الأول من نيسان/أبريل الجاري، شنَّت إيران، ليل السبت- الأحد الماضي، هجوماً كبيراً على إسرائيل؛ تزامن مع احتجاز سفينة لإسرائيل في مضيق هرمز؛ ما يثير مخاوف جدّية من اندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط.

شمل الهجوم الإيراني على إسرائيل اطلاق أكثر من 300 طائرة مسيّرة حربية وصواريخ كروز وصواريخ باليستية. ومن الواضح أن هذا أكثر قليلاً من الصواريخ الباليستية (الـ15) التي أطلقتها إيران على “قاعدة عين الأسد” الجوية الأميركية في العراق وعلى مطار أربيل الدولي رداً على اغتيال الولايات المتحدة لقائد “فيلق القدس” السابق الجنرال قاسم سليماني، في مطلع كانون الثاني/يناير 2020. ولهذه المفارقة أكثر من تفسير تستحق النظر فيها ودراستها.

كانت وظيفة الانتقام لمقتل سليماني استعادة الشرف الإيراني أكثر من أي شيء آخر. فبرغم أن سليماني كان شخصية مهمة جداً، وكان يتمتع بشعبية منقطعة النظير، وقد تم اغتياله بطريقة وقحة جداً من قبل الأميركيين، إلا أن طهران حافظت على رباطة الجأش في ردها، وكانت حذرة جداً لأنها كانت لا تريد نشوب حرب مفتوحة مع واشنطن.

لم يكن المستشارون العسكريون السبعة، وأبرزهم محمد رضا زاهدي القائد الكبير في “فيلق القدس”، الذين قتلوا في الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق بأهمية سليماني، لكن الانتقام لهم كان أكبر وأكثر تعقيداً، فالأمر هذه المرة يتعلق بما هو أكثر من مجرد الشرف: لقد كان يتعلق بعناصر الردع.

أُصيبت إسرائيل بانتكاسات جسيمة جرّاء عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتم تجميد خطط تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية؛ السعودية على وجه الخصوص؛ وأصبح جزء كبير من الشرق الأوسط والعالم يلقي باللوم على إسرائيل والولايات المتحدة في كل ما حدث ويحدث اليوم في غزة والمنطقة

رد إيراني مضبوط

لا شك أن إيران تدرك جيداً مدى وقدرة الدفاعات الجوية الإسرائيلية. ومن شبه المؤكد أن حجم الضربة التي وجهتها كان مصمماً لتمكين بعض الذخائر المهاجمة، على الأقل، من اختراق تلك الدفاعات والتسبب في درجة معينة من الضرر. ولا شك أيضاً أن عدم قدرتها على القيام بما هو أكبر من ذلك كان بمثابة خيبة أمل، ولكن ربما لا يزال بإمكان الإيرانيين عزاء أنفسهم بأن الهجوم أثار الرعب والخوف وسط الإسرائيليين وأثار الكثير من القلق والارتباك لدى حكومتهم. كان الأمر مزعجاً بما يكفي لتلقين القادة الإسرائيليين درساً سيجعلهم يفكرون طويلاً ويحسبون ألف حساب قبل أن يجرؤوا على ارتكاب أي فعل يماثل ما فعلوه عندما قصفوا القنصلية الإيرانية في دمشق.

أكثر من 300 مسيّرة حربية وصواريخ بالستية وصواريخ كروز وغيرها من الذخائر الهجومية تبدو بالتأكيد كثيرة ومهمة، إلا أنها تُظهر أيضاً علامات ضبط النفس التي تشير إلى أن طهران لا تريد التصعيد:

أولاً؛ كان بإمكان إيران أن تطلق كميات أكبر بكثير – ربما على الأقل ضعف ما أطلقته – وذلك دون أن يؤثر ذلك على مخزونها من هذه الذخائر وغيرها من الأسلحة المتطورة والحديثة والأبعد مدى.

ثانياً؛ تشير التقارير الأولية إلى أن الهجوم الإيراني ركَّز على هدف عسكري واحد أو أثنين لا أكثر، بما في ذلك قاعدة جوية إسرائيلية خارج مدينة “بئر السبع”. وهذا أيضاً يشير إلى درجة كبيرة من الحذر من جانب إيران. فقد كان من الممكن إطلاق كل تلك الذخيرة أو بعضها على تل أبيب أو حيفا، حيث كان من المرجح أن يكون تأثيرها أكبر بكثير خصوصاً إذا ما استهدفت مدنيين إسرائيليين.

ثالثاً؛ لم يشارك حزب الله في الضربة، برغم أنه يملك أكثر من 150 ألف صاروخ وقذيفة، وبينها ترسانة صواريخ دقيقة يستطيع بها الحزب التغلب على الدفاعات الجوية الإسرائيلية. لكن حزب الله حليف لإيران، وليس دمية. وسواء وجَّه حزب الله ضربة ضخمة لإسرائيل، أو العكس، فيعني ذلك الدخول في حرب شاملة لا مفر منها، وهو أمر يعمل حزب الله بكل حذر وجديّه لتجنبه. أضف إلى ذلك – وهذا هو الأهم – أن طهران نفسها لن تلعب بورقة حزب الله، إلا إذا كان ما تفعله مهماً للغاية بالنسبة لها ولمحور المقاومة معاً.

كل هذا يُعزّز التقييم الاستراتيجي بأن إيران لا تسعى إلى التصعيد مع إسرائيل، بل إنها في الواقع تعمل جاهدة لتجنب التصعيد. وعلى الرغم من أن إسرائيل وجهت ضربات موجعة جداً لحركة “حماس”، إلا أن الحرب في غزة سارت وتسير؛ حتى الآن؛ بشكل جيد جداً بالنسبة لطهران. فقد أُصيبت إسرائيل بانتكاسات جسيمة جرّاء عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتم تجميد خطط تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية؛ السعودية على وجه الخصوص؛ وأصبح جزء كبير من الشرق الأوسط والعالم يلقي باللوم على إسرائيل والولايات المتحدة في كل ما حدث ويحدث اليوم في غزة والمنطقة من ويلات وأضرار وتوتر. ولا يوجد أي سبب يدفع القيادة الإيرانية إلى إعطاء إسرائيل (أو الولايات المتحدة) مبرراً لإلحاق أضرار جسيمة بها وبمحور المقاومة، وتحويل الانتصارات التي حققتها مع هذا المحور إلى هزيمة (…).

إستعادة قوة الردع

اتخذت إيران قراراً لا رجعة عنه، ويمكن القول إنها حقاً عبرت نهر “الروبيكون”(*)، فقبل فجر الأحد لم يسبق لإيران أن ضربت إسرائيل بشكل مباشر ومن أراضيها. كما لم يسبق لإسرائيل أن ضربت الأراضي الإيرانية علناً أبداً – فجميع الهجمات الإسرائيلية على إيران كانت إما عبارة عن اغتيالات لشخصيات إيرانية (عسكرية وغير عسكرية) في سوريا ولبنان وأماكن أخرى، أو هجمات سرّية على اأهداف محددة داخل لأراضي الإيرانية مثل منشآت نووية أو عسكرية أو مراكزأبحاث وما شابه.. وفي كل تلك الهجمات كانت هناك دائماً إمكانية لدى الإسرائيليين للإنكار أو أقله عدم الإذعان.

لكن تهليل إسرائيل لاستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق استوجب الرد الإيراني، وهذا يفتح الباب أمام إسرائيل الآن للقيام بالشيء نفسه، ويمكن لإسرائيل أن تُلحق بإيران ضرراً أكبر بكثير مما يمكن أن تفعله إيران بإسرائيل (…).

إقرأ على موقع 180  منصة "كاريش".. فرصة إسرائيلية ـ أميركية، ماذا عن لبنان؟

ولطالما كانت إسرائيل تؤمن بأن قدسية قوة الردع لديها تشكل أهمية حيوية لبقائها كـ”دولة” ولسلامة مواطنيها. وهي أيضاً لطالما ردت على كل هجوم تعرضت له، مسترشدة بالمنطق الأساسي لنظريتها الخاصة بموضوع الردع: عندما يضربك شخص ما، وإذا كنت تريد التأكد من أنه لن يفعل ذلك مرة أخرى، عليك أن ترد عليه بقوة أكبر بعشر مرات. وعملية “طوفان الأقصى” أجّجت الإحساس بضرورة الإلتزام بهذا “النهج” عند إسرائيل، خصوصاً وأن العملية وقعت بعد سنوات شعرت خلالها إسرائيل بما يكفي من الأمان لضبط نفسها مقابل الحصول على دعم دولي أكبر.

وبغض النظر عن تقييم الهجوم الإيراني، ربما ما تزال إسرائيل تشعر بالحاجة إلى توجيه ضربة بالمقابل لإيران لإثبات أنها لن ترتدع أبداً عن الرد لاستعادة قوة الردع لديها.

الرد على الرد

ومع ذلك، فإن حجم الهجوم الإيراني قد يجعل مثل هذا الرد الإسرائيلي المفترض أقل احتمالاً، خصوصاً وأن إسرائيل وجيشها مشغولان بالفعل. فالحرب على غزة مستمرة، وإسرائيل مصرّة على اجتياح رفح والقضاء على “حماس” وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية برغم التحذيرات الدولية الواسعة النطاق؛ بما في ذلك من واشنطن؛ وبرغم أن سُمعتها الدولية تراجعت كثيراً بسبب هذه الحرب وانخفض دعم الولايات المتحدة لها، وتوقفت عجلة تطبيع العلاقات وتقاربها مع دول الخليج العربية. بالطبع، من المفهوم أن يرغب الإسرائيليون العاديون في العودة إلى حياة أكثر طبيعية، وقد تعرض اقتصاد بلادهم لضربة قوية نتيجة للحرب والتعبئة واستنزاف جنود الاحتياط. في الوقت الراهن، يتطلع الجيش الإسرائيلي ومعظم أعضاء الحكومة الإسرائيلية إلى التخلص من الأعباء العسكرية، وليس إلى توسيعها ونشرها.

موقف الولايات المتحدة بسيط. فهي تريد تجنب حرب إقليمية يمكن أن تجرها للمشاركة فيها، وتعكر صفو الأسواق الدولية، وتعقد موقف حلفائها في المنطقة؛ العرب على وجه الخصوص. صحيح أن الولايات المتحدة تريد حماية إسرائيل، ولكنها تريد أيضاً أن تنهي إسرائيل عمليتها العسكرية في غزة

هناك نقطة صغيرة ولكنها مهمة، وهي مصلحة الأردن في كل هذا. فسلاح الجو الملكي الأردني قدّم كل الدعم لإسرائيل، وبشجاعة، ليس فقط من خلال إسقاط المسيّرات الحربية الإيرانية وصواريخ كروز التي عبرت فوق الأراضي الأردنية، ولكن أيضاً من خلال فتح المجال الجوي الأردني أمام المقاتلات الإسرائيلية للقيام بالشيء نفسه. وعلى الرغم من أن أي دولة تحترم نفسها كانت بالطبع ستتصدى لأي مسيّرة حربية أو صاروخ يعبر أراضيها، إلا أن فتح المجال الجوي لدولة أخرى لتفعل ذلك كان استثنائياً. ربما لن ينسى الإسرائيليون هذا الموقف من الأردن، ومن المؤكد أنهم لا ينبغي لهم أن ينسوا. لذلك يجب أن تكون إسرائيل متحفظة بشأن شن ضربات من جانبها تنتهك المجال الجوي الأردني، ويجب أن تكون وجهة نظرها نفسها تجاه المجال الجوي السعودي، خوفاً من تقويض التطبيع المنشود مع الرياض.

وهذا لا يترك سوى طريق سوريا-العراق، أو تركيا-العراق للمسيَّرات والصواريخ الإسرائيلية لضرب أهداف إيرانية. ولا يعتبر أي من هذين الطريقين مثالياً بالنسبة لإسرائيل (…). تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ولديها بعض الدفاعات الجوية الهائلة الخاصة بها. ولا يزال هناك دفاع جوي روسي في سوريا.

تمتلك إسرائيل مجموعة من الغواصات – ألمانية الصنع – قادرة على إطلاق صواريخ كروز خاصة بها. ويمكن نشر هذه الصواريخ في المحيط الهندي، حيث يمكن أن تحلق الصواريخ فوق المياه الدولية فقط، وفوق إيران نفسها. لكن عدد هذه الغواصات خمسة فقط، مع عدد محدود جداً من صواريخ كروز.

لا شيء من كل هذا سيمنع إسرائيل من توجيه ضربة مضادة إلى إيران، الآن أو في المستقبل، لكن لو فعلت وردت على الرد الإيراني فإنها بالتأكيد ستزيد من تعقيدات الوضع الإقليمي. ويشير ذلك إلى أن إسرائيل من المرجح أن تعود إلى استهداف الأفراد والأصول العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان، وربما في العراق واليمن، بشكل أكبر في المستقبل. بمعنى آخر، الهجوم الإيراني لن يردع إسرائيل، لكنه ربما أيضاً لن يستفزها كذلك.

وأخيراً، إن موقف الولايات المتحدة بسيط. فهي تريد تجنب حرب إقليمية يمكن أن تجرها للمشاركة فيها، وتعكر صفو الأسواق الدولية، وتعقد موقف حلفائها في المنطقة؛ العرب على وجه الخصوص. صحيح أن الولايات المتحدة تريد حماية إسرائيل، ولكنها تريد أيضاً أن تنهي إسرائيل عمليتها العسكرية في غزة. ولعل أكبر تنهدات الارتياح كانت تلك التي انبعثت من غرفة العمليات في البيت الأبيض بين عشية وضحاها، معتقدين أنه من غير المرجح أن تفعل إسرائيل أو إيران أكثر من ذلك بكثير.

ومع ذلك، وبرغم أن كلا من إيران وإسرائيل لديهما أسباب قوية لوقف التصعيد، فإن السياسة في كل من البلدين تتسم بالفوضى، وعناصر الخوف وعدم اليقين في ازدياد. إن أي خطأ بسيط في التقدير، مثل الاعتقاد بأن العدو سيصعّد حتماً، يمكن أن يكون نبوءة تحقق ذاتها وبالتالي ينفجر الوضع.

ما نأمل أن توضحه الأحداث التي شهدناها ليل السبت-الأحد هو خطر انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. إن المنطقة ليست أفضل بدون الوجود الأميركي؛ فالوضع أكثر خطورة بكثير ويشكل تهديداً للمصالح الأميركية. لقد ساعدت الدبلوماسية الأميركية في طمأنة إسرائيل وقلَّلت من احتمال لجوء الأخيرة للتصعيد، في حين أن القوات العسكرية الأميركية هي جزء من سبب تردد طهران في القيام بالمزيد. تُظهر الجولة الأخيرة من العنف سبب أهمية أن تأخذ واشنطن زمام المبادرة لدعم حلفائها وفي الوقت نفسه التصدي لإيران وحلفائها.

– ترجمة بتصرف عن “فورين بوليسي“.

– شارك في إعداد التقرير: دانييل بايمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وكينيث إم بولاك، من معهد “أميركان إنتربرايز”.

(*) “روبيكون” اسم النهر الذي عبره يوليوس قيصر بجيشه، وبذلك بدأت حرب أهلية في روما.

Print Friendly, PDF & Email
منى فرح

صحافية لبنانية

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  "فورين أفيرز": ما بعد خامنئي.. إيران ليست مستعدة!