وبمعزل عن نتائج المناظرة التلفزيونية الثانية المقررة هذه الليلة بين المرشحين للدورة الرابعة عشرة من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، والتي سيتخللها ردود من المرشحين المحافظين على اطلالة بزشكيان وظريف، ثمة سباق محموم بين المرشحين الستة في ظل استطلاعات رأي بدأت تشير إلى تصاعد اهتمام الرأي العام الإيراني بالانتخابات، ولا سيما من قبل جمهور الإصلاحيين.
ومن المفيد إعادة التذكير بأسماء المرشحين الستة وهم:
1-مصطفى بور محمدي (رجل دين، محافظ معتدل، نائب سابق لوزير الاستخبارات بالإضافة إلى توليه وزارتَي الداخلية والعدل في حكومتي محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني)؛
2-مسعود بزشكيان (طبيب إصلاحي، وزير سابق في حكومة محمد خاتمي وعضو سابق في البرلمان)؛
3-سعيد جليلي (محافظ متشدد وعضو في المجلس الأعلى للأمن القومي)؛
4-علي رضا زاكاني (محافظ متشدد وعمدة طهران)؛
5-محمد باقر قاليباف (محافظ معتدل، رئيس البرلمان الإيراني)؛
6-أمير حسين قاضي زاده هاشمي (محافظ متشدد ورئيس مؤسسة الشهيد الإيرانية).
واللافت للانتباه أنه تم وضع مؤسسة الراديو والتلفزيون الإيراني بالإضافة إلى جميع المساحات الافتراضية لهذه المؤسسة، بتصرف المرشحين الستة، ومنحتهم فرصًا متساوية حتى الآن. وبالإضافة إلى المناظرات التلفزيونية الخمس، يُشارك كل مرشح في حوارات إخبارية خاصة حول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الراديو والتلفزيون، مما يساعد في كسر النمط التقليدي القديم للحملات الانتخابية وفي الوقت نفسه، يُمكّن المرشحين من تقديم أنفسهم وبرامجهم وبالتالي يتفاعل الجمهور معهم بطريقة مميزة.
ولا يدفع أيٌ من المرشحين حتى ريالًا واحدًا، وفي غضون 17 يومًا، يتم وضع جميع الإمكانيات الإعلامية الرسمية الإيرانية تحت تصرف المرشحين لطرح آراءهم بحرية ومن دون تمييز أو انحياز لهذا أو ذاك من المرشحين.
وتشير الأرقام الرسمية للاستطلاعات إلى أن حوالي سبعين في المائة من الشعب الإيراني يُتابع هذه المناظرات الانتخابية عبر مؤسسة الراديو والتلفزيون الإيراني.
وحتى الآن، عقدت مناظرة انتخابية واحدة، ومن المقرر عقد ثانية هذه الليلة، على أن تعقد باقي المناظرات في الأسبوع الأخير الذي يسبق موعد الانتخابات حيث يُنتظر أن تكون المناظرات أكثر حرارة وحماسة وحيوية.
ووفقًا للنموذج المعمول به، يحق لكل مرشح اصطحاب إثنين من الخبراء معه إلى استوديو البث للمشاركة في الحوارات الثقافية والاقتصادية والسياسية. في هذا البرنامج، يحضر أيضًا ثلاثة خبراء مستقلين أمام المرشح الانتخابي لمحاولة نقد وتقييم برنامجه، ثم يتعين على المرشح الرئاسي الإجابة على جميع أسئلة هؤلاء الخبراء الثلاثة ضمن وقت محدد، كما ينال الخبيران المساعدان للمرشح دورهما في الدفاع عن أفكاره وبرنامجه.
وقد شهد الرأي العام الإيراني، ليل أمس الأول، حوارًا تلفزيونيًا مع المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان حول مواضيع داخلية وخارجية. وأحضر معه الوزير الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف والسفير الإيراني الأسبق في موسكو مهدي سنائي إلى الاستديو، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن ظريف بات يُشكل رأس حربة المؤيدين الإصلاحيين لبزشكيان من الآن وحتى نهاية مشواره الإنتخابي.
ولم يُوفّر محمد جواد ظريف، المعروف بفصاحته، أحدًا من المحافظين، ولو أنه يُعبّر عن مواقفه السياسية بهدوء يترافق مع ابتسامة لا تغادر ثغره أبداً. ولوحظ أن أحد الخبراء السياسيين الذين كانوا جالسين قبالة كرسي مسعود بزشكيان هو فؤاد إيزدي، الأستاذ في جامعة طهران وأحد منظري الجناح المحافظ، ومن بين النقّاد البارزين للاتفاق النووي الإيراني. وفي الدقائق الأخيرة من الحوار، بدأ إيزدي بنقد مواقف بزشكيان وأطلق على حكومته المقترحة اسم “حكومة الشيخ حسن روحاني الثالثة”، وقال مخاطبًا بزشكيان إن وجود محمد جواد ظريف بجانبك “يُظهر أنك تريد متابعة طريق حكومة روحاني الفاشلة في المفاوضات مع الغرب”!
وتحدث بزشكيان مؤكدًا التزامه بسقف النظام السياسي من جهة واعتراضه على أداء فريق المحافظين من جهة أخرى. وفي الدقائق الست الأخيرة، أفسح المرشح الإصلاحي المجال لمحمد جواد ظريف للرد على انتقادات إيزدي، فانبرى وزير الخارجية الأسبق لإجراء جردة دفاعية عن السياسة الخارجية الإيرانية والاتفاق النووي، اتهم فيها الجناح المحافظ في إيران بأنه تسبّب في فشل المفاوضات الإيرانية مع الغرب خلال ولاية حسن روحاني. وقال إنه لو كان الاتفاق النووي سيئًا لما تخلى عنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، معتبرًا أن الاتفاق شكّل سدًا منيعًا بوجه العقوبات الغربية، وقال “شاهدنا كيف انهالت العقوبات على إيران بعد خروج الولايات المتحدة من الإتفاق”.
وقد لاقت الدقائق الست الأخيرة من الحوار السياسي انتشارًا واسعًا في وسائل التواصل الإجتماعي كما في الإعلام الإيراني، حيث وصفتها وسائل الإعلام الإصلاحية والمعتدلة في إيران بأنها “عاصفة ظريف” و”زلزال 10 درجات بمقياس ريختر ظريف”، وأكدت أن ظريف استطاع في أقل من ست دقائق أن يهز قناعات الرأي العام بأفكار المحافظين الإيرانيين.
ومع هذه الإطلالة القوية لمحمد جواد ظريف في هذا البرنامج التلفزيوني عبر “الشبكة 3″، بدأت الانتخابات الرئاسية الإيرانية تتخذ منحى حماسيًا، وثمة انطباع أن المناظرات الأربع المتبقية ستحصد اهتمامًا أكبر من الجمهور. ووعد اثنان من المرشحين المحافظين المتشددين، وهما عليرضا زاكاني وسعيد جليلي، بالرد على بزشكيان في جولات المناظرة التلفزيونية القادمة.
وتزامنت إطلالة بزشكيان برفقة ظريف ومهدي سنائي مع صورة تم تعميمها عبر وسائل التواصل تضم كلاً من ظريف وبزشكيان وعباس عراقتشي (أمين المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية) ومجيد تخت روانجي (مندوب إيران الأسبق في الأمم المتحدة) وشخص خامس وهم يؤدون الصلاة سوية، كما عمّمت وسائل التواصل موقفا للقيادي الإصلاحي مهدي كروبي يعلن فيه دعمه لحملة بزشكيان الرئاسية.
وأظهرت الاستطلاعات في نهاية الحوار السياسي لبزشكيان أن نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات قد تحركت صعودًا، وإذا استمر الوضع على هذا النحو، ينبغي أن نشهد حضورًا لحوالي 60% على الأقل من المؤهلين للتصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
يوم 28 من هذا الشهر، سيكون هو الفصل بين المحافظين والإصلاحيين في إيران، وهو اليوم الذي سيظهر فيه من هو القادر على كسب تأييد الشعب ودخول مبنى الرئاسة في باستور.