من غزة إلى بعبدا.. الفرصة مفتوحة حتى الانتخابات الأميركية

برغم تصاعد الحديث عن وجود "فرصة جدية" لإبرام صفقة تؤدي إلى هدنة مستدامة في قطاع غزة، ثمة خشية من أن يبادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تطيير "الفرصة" سعياً منه إلى كسب وقت إضافي يحاول من خلاله فرض وقائع جديدة.

تكاد تعج منطقة الشرق الأوسط بالموفدين الأميركيين وأبرزهم مدير الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز وكبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك، فضلاً عن عدد من الدبلوماسيين والعسكريين المقيمين بصورة شبه دائمة في المنطقة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بالإضافة إلى مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتين الموجود منذ حوالي الأسبوع في إجازة في اليونان، في انتظار تحديد ساعة الصفر للاتفاق المنوي إبرامه للتوجه بعدها مباشرة إلى كل من بيروت وتل أبيب لاستكمال ما يتصل بترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.

في المعلومات أن أمراً ما استجد وفرض هذه الدينامية الأميركية غيبر المسبوقة منذ تسعة أشهر، فكان أن تكثّفت المناقشات وعملية تبادل الأوراق عبر الوسطاء القطريين والمصريين والأميركيين، ولمس هذا الثلاثي عدم ممانعة حركة حماس للمرة الأولى باستبدال صيغة وقف النار بأخرى تتحدث عن هدنة مستدامة قابلة للتجديد طالما أن المفاوضات مستمرة بعد انتهاء المرحلة الثانية من المفاوضات التي يُقدّر لها أن تستمر ستة أسابيع، حيث طلب الوفد الإسرائيلي أن يكون له الحق من بعدها باستئناف الحرب، بينما تُصر حركة حماس على توفير ضمانة أميركية باستمرار الهدنة.

وثمة قناعة لدى عدد من المتابعين لهذا الملف أن حماس تتعامل مع الجدية الأميركية بجدية مماثلة ليس من موقع الضعف بل سعياً إلى إحراج حكومة نتنياهو مجدداً أمام الرأي العام العالمي بأن من يُعرقل التسويات هي حكومة الحرب الإسرائيلية، بدليل أكثر من 15 محاولة للهدنة أو وقف الحرب رصدها الإعلام العبري وتبين لاحقاً أن من قام بتطييرها هو بنيامين نتنياهو.

وبالفعل، كل المعطيات التي تسربت عن اجتماعات القاهرة والدوحة التفاوضية والتي جرى ضخ أجواء إيجابية عن مفاعيلها المحتملة، سرعان ما بدّدها في الساعات الأخيرة كلام نتنياهو الذي جدّد تعهده بتحقيق أهداف الحرب ولا سيما القضاء على حماس مؤكداً إلتزامه بما أسماها “الخطوط الحمراء” وأولها عدم وقف الحرب.

يتحدث مسؤولون رسميون لبنانيون عن وجود فرصة جدية لتمرير الإستحقاق الرئاسي من لحظة التوصل إلى وقف لاطلاق النار في كل من غزة وجنوب لبنان وحتى موعد الإنتخابات الأميركية في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ويشير هؤلاء إلى أن زيارة آموس هوكشتين إلى باريس واجتماعه بالموفد الفرنسي جان ايف لودريان يندرجان في هذا السياق

بالتوازي، ما تزال تسعى حماس لأن يشمل أي اتفاق ضمانات أميركية فعلية لعدم استئناف الحرب، لأنه في حال توافر أي ضامن آخر سواء أكان عربياً (مصر وقطر) أو إسلامياً (تركيا) أو دولياً (الصين وروسيا)، فإن الضمانة الحقيقية هي التي تُوفّرها الولايات المتحدة لأنها الأقدر على إلزام إسرائيل.

وبالتوازي أيضاً، يتركز كل الضغط الأميركي على مسارين لا ثالث لهما:

الأول؛ الضغط على نتنياهو بشتى الوسائل بعدما بات الأميركيون مدركين أنّ قراره بإدامة أمد الحرب وظيفته حماية بقاءه السياسي حالياً وتأمين خروج آمن في المستقبل القريب. ويحاول المسؤولون الأميركيون الإستفادة من التشققات الحاصلة في إسرائيل ولا سيما الرافضين لإدارة نتنياهو الحالية: الجيش وتحديداً رئيس أركانه هرتسي هاليفي ومن خلفه وزير الدفاع يؤاف غالانت ومعهم المعارضة الإسرائيلية بكل تلاوينها السياسية.

وعلى الرغم من لعب نتنياهو بين نقاط وحروف الصراع الحاصل، إلا أن الرجل بات مستنداً إلى ثنائية ايتمار بن غفير – بتلئيل سموتريتش وتقييد أيدي المفاوضين الإسرائيليين الذين اثاروا غضب وانزعاج مدير الاستخبارات المركزية الأميركية نتيجة غياب أي جواب فعلي على أي سؤال جوهري حيال المراحل المقترحة والأوراق التي يتم تبادلها عبر الوسطاء.

لكن الأساس هو ارتياب الجانب الأميركي من أداء مدير “الموساد” ديفيد برنياع والذي يعتبر وفق الأوساط الأميركية “الصبي المدلل لنتنياهو” والذي يتحمل وفق كل الأجواء التفاوضية مسؤولية العرقلة الأساسي بالنيابة عن نتنياهو لمنع أي وقف لاطلاق النار وبالتالي الاكتفاء بهدنة مؤقتة يستعيد من خلالها الإسرائيليون أسراهم وينتزعون من حماس ورقة القوة والتفاوض التي تملكها ومن بعدها يمضي نتنياهو في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني!.

الثاني؛ الضغط الجاري على حركة حماس بات أكثر تركيزاً لانتزاع موافقة منها إزاء “اليوم التالي” على صعيد إدارة القطاع والمعابر والمؤسسات والسلطة، إضافة إلى خلق إطار سياسي لا تشارك الحركة به بالمباشر، لذا بدأ الحديث عن دمج عناصر الحركة في بنية السلطة الفلسطينية العسكرية والأمنية وتعهد الحركة بعدم التدخل في مجريات عملية اعادة الاعمار خوفاً من تسرب مالي قد يستخدم في عملية ترميم البنية العسكرية.

والملاحظ أن الجانب الإسرائيلي يُكرّر في كل الجلسات الحديث عن ضبط الحدود بين مصر وقطاع غزة (محور فيلادلفيا ومعبر رفح)، ويُصر على أن تكون هذه المهمة في صلب مسؤوليته لا مسؤولية الجانب المصري، خلافاً لما تنص عليه ملحقات اتفاقية كامب ديفيد وبعض التفاهمات التي أعقبت الإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في العام 2005. لكن الوفد المصري أكد أن الأمر منوط بمصر أولاً وبالسلطة الفلسطينية التي ستدير القطاع ثانياً، وهذا الأمر يحتاج إلى صياغة واضحة تأخذ بالحسبان تصور مصر بشأن الحدود والمعابر من زاوية عدم المس بأمنها القومي.

إقرأ على موقع 180  هل يغامر بايدن بخسارة دول الخليج لمصلحة إيران؟

في الوقت نفسه، يتحدث مسؤولون رسميون لبنانيون عن وجود فرصة جدية لتمرير الإستحقاق الرئاسي من لحظة التوصل إلى وقف لاطلاق النار في كل من غزة وجنوب لبنان وحتى موعد الإنتخابات الأميركية في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ويشير هؤلاء إلى أن زيارة آموس هوكشتين إلى باريس واجتماعه بالموفد الفرنسي جان ايف لودريان يندرجان في هذا السياق، كون الأخير مكلف حصراً بالملف السياسي (الرئاسي) اللبناني ولا علاقة له بملف القرار الدولي الرقم 1701.

يتصل هذا التوقيت الرئاسي اللبناني، بوجود جو بايدن في البيت الأبيض، فإذا فشل في التجديد لأربع سنوات جديدة، سيضبط العالم ايقاعه على سلوكيات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي يصعب التنبؤ بما يُمكن أن يُقدم عليه من خطوات، بما في ذلك كيفية التعامل مع إيران وحلفائها من جهة ومع حلفاء واشنطن في العالمين العربي والإسلامي من جهة ثانية. ويُقدّر المهتمون بالشأن اللبناني أنه مع وصول ترامب سيكون الملف الرئاسي مؤجلاً حتى إشعار آخر (سنوات)!

لا يمنع ذلك من القول إنّ طهران، وبعد فوز الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان، ستكون صاحبة مصلحة في تبريد ساحات المنطقة، حيث كان لافتاً للانتباه أن أول إطلالة إعلامية للرئيس الإيراني المنتخب كانت عبر صحيفة “العربي الجديد” القطرية بمقالة افتتاحية، ما يشي برغبة الرجل في طمأنة المنطقة وتبريد الأجواء. وما يسري على العالم العربي يسري على تعامل طهران مع الغرب، لجهة سحب الذرائع وإحراج الجميع وبخاصة أية إدارة أميركية مقبلة، سواء تم التجديد لبايدن، وهي حتماً صاحبة مصلحة في ذلك، أم تم انتخاب ترامب، وهي صاحبة خبرة في التعامل البراغماتي و”الصبر الإستراتيجي” بما يحمي مصالحها ونفوذها.

في النهاية، ما يحصل يختصره سياسي لبناني مخضرم بتشبيه كوميدي، كعرس جرى التحضير له بمواصفات ملكية، فيما العروسان لم يحسما قرار زواجهما. انها المفارقات الفجة في هذه المنطقة.

Print Friendly, PDF & Email
صهيب جوهر

صحافي لبناني وباحث مقيم في مركز "أبعاد" للدراسات الإستراتيجية في لندن

Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
online free course
إقرأ على موقع 180  قيادة "التيار الحر": بعد دياب.. ليس مضموناً ولادة حكومة جديدة