الحراك الإقليمي: مصالحات.. ضغط على نتنياهو وإحراج لواشنطن!

لم يعد خافياً على أحد أن رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يُعطّل كل المبادرات والمفاوضات لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وفي كل مرة يخترع ذريعة جديدة لقطع الطريق على اي انجاز يُمكن أن تحقّقه إدارة جو بايدن، في انتظار كسب رهانه الرئاسي الأميركي؛ أي عودة المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

من الواضح أن استمرار الاستعصاء السياسي والميداني في حرب غزة، بات ينعكس سلباً على أمن دول المنطقة من مصر المحشورة في ملف كامب ديفيد وبقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا وبوابة رفح، إلى الأردن النائم على بركان قابل للتأجج من خلال فتح جبهة شمال الضفة، وصولاً للعملية التي نفذها سائق شاحنة أردني على معبر الكرامة الحدودي (جسر اللنبي) بين الأردن وإسرائيل، والتي أدت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين، وليس انتهاء بعودة التوتر بين السعودية وجماعة أنصار الله الحوثي، ربطاً بالمعركة المفتوحة في البحر الأحمر.

كل هذا التوتر الإقليمي يؤشر إلى خطورة أخذ الأمور منحى تصعيدياً أكبر، ما استدعى اتصالات ولقاءات تحضيراً لخلق إطار تنسيقي يمنع إنزلاق الأمور باتجاهات لا أفق سياسياً لها، ومن هذا المنطلق، يُمكن رصد الآتي:

أولاً؛ مع زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لإسطنبول منتصف الشهر الفائت ولقاءه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته هاكان فيدان، تبين أن هدف الزيارة لم يكن مرتبطاً بمستجدات الحرب في غزة، بل في إطار سعي الرياض لحل الملف السوري، وهذه الفكرة التي تسعى الرياض إليها منذ سنة عبر محاولة جمع المعارضة والنظام، اصطدمت بعرقلة تركية، لذا تسعى السعودية إلى إحياء هذا المسار وبخاصة أن مستوى تنسيقها مع إيران يتقدم بصورة مقبولة من الطرفين. ويندرج في هذا السياق افتتاح مقر السفارة السعودية في دمشق، أمس (الاثنين) بحضور القائم بأعمال السفارة السعودية لدى سوريا عبد الله الحريص الذي اعتبر هذا اليوم “لحظة مهمة في تاريخ العلاقات بين البلدين الشقيقين”.

أردوغان وفي ذروة صراعه مع دول الخليج ومصر، أطلق منصة إسلامية وعربية في ماليزيا، لكنها فشلت مع تغيب باكستان نتيجة الضغط السعودي عليها، ولم تستطع تنفيذ مقرراتها نتيجة موجات الثورات التي اندلعت في لبنان والسودان والعراق (2019)، وما تلاها من أحداث فاصلة، فهل تنجح الجهود الجارية لخلق هذه المظلة العربية التركية الآسيوية؟

ثانياً؛ مع عودة رئيس جهاز المخابرات التركية إبراهيم كالن من واشنطن ولقاءاته المتعددة هناك مع مسؤولين في الحزبين الديموقراطي والجمهوري وفي جهازي الاستخبارات والأمن القومي، ظهر للأتراك أن الإدارة الأميركية باتت عاجزة قبيل الانتخابات الأميركية على وقف آلة الحرب في غزة، لذا كان اتصال أردوغان بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عنوانه ضرورة تأسيس مظلة عربية وإسلامية بمبادرة من الجانبين، تضمهما إلى جانب مصر وسوريا وقطر وماليزيا وباكستان وإيران والعراق وتهدف لإعلاء الصوت رفضاً لبقاء اليمين الإسرائيلي متحكماً بالأمن الإقليمي.

ثالثاً؛ مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنقرة مطلع الشهر الحالي، اندفع أردوغان للحديث مع ضيفه عن أهمية خلق تحالف إقليمي فاعل في المنطقة، في ظل التهديدات الإسرائيلية لعدد من دول المنطقة وتحديداً سوريا ولبنان، والاخطار المحدقة بمصر في البحر الأحمر من خلال تحالف أثيوبيا و”صوماليا لاند”، والمس بالأمن القومي العربي عبر خطط التهجير في غزة والضفة الغربية، وبدا من رد فعل السيسي أنه متحمس لهذا المسار في ظل محاولات تقزيم الدور المصري فلسطينياً من جهة ومن خلال الإصرار الإسرائيلي على الامساك بمحور فيلادلفيا خلافاً لمضمون اتفاقية كامب ديفيد من جهة ثانية، فضلاً عن الإمساك الإسرائيلي ببوابة رفح إما مباشرة أو من خلال رموز فلسطينية تأتمر بأوامر إحدى الدول الخليجية!

رابعاً؛ هذا الموقف التركي المتحمس للضغط على إسرائيل لا ينفصل عن معلومات أبلغتها أنقرة إلى عواصم عربية عن تزويد تل أبيب “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) بأسلحة حديثة ومعدات تجسس وأخرى لرصد المسيرات والتشويش عليها وتدريب عناصر كردية في إحدى الجزر الافريقية على العمليات الخاطفة، ما قد يفتح الباب أمام عودة مسلسل الإرهاب في الأراضي التركية لزعزعة استقرار هذا البلد بسبب موقفه من حرب غزة ودعمه الإعلامي والسياسي لحركة حماس، إضافة إلى استشعار المعارضة الكردية أن تسريع وتائر المصالحة بين سوريا وتركيا سيؤدي إلى ضرب المشروع الإنفصالي الكردي في سوريا والعراق.

خامساً؛ يتحرك رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني على أكثر من خط، فيما يلاقيه رئيس جهاز أمن الدولة القطري عبد الله الخليفي في مساحات مختلفة، فالدوحة التي عملت على خط التهدئة في غزة مستعينة بكل من طهران وواشنطن، تعمل في الكواليس على تحضير أرضية إقليمية في الفترة الزمنية الفاصلة قبيل انتخاب رئيس جديد لتكريس الستاتيكو الحالي في المنطقة.

وتجري في الكواليس اجتماعات قطرية مع مسؤولين في كل من مصر والسعودية وتركيا والإمارات (زيارة طحنون بن زايد للدوحة واستقبال أبوظبي لرئيس الديوان الأميري القطري سعود بن عبد الرحمن)، وذلك تحصيناً للمنطقة من أي تصعيد إسرائيلي وفي الوقت نفسه، ملاقاة المواقف الإيرانية “التهدوية”، غداة انتخاب مسعود بزشكيان ومواقف المرشد الإيراني علي خامنئي ولا سيما لجهة حث الحكومة الإيرانية الجديدة على فتح أبواب التفاوض مع الغرب ومتى يكون التنازل التكتيكي مصلحة للدولة ومتى يستوجب التنازل غير التكتيكي غضباً إلهياً!.

إقرأ على موقع 180  "فورين أفيرز": الصفقة المطلوبة لتجنب الحرب في أوكرانيا

سادساً؛ كان لافتاً للانتباه ما سمعه مسؤولون عرب وأتراك زاروا واشطن في الشهرين الماضيين من مسؤولين في إدارة بايدن وتحديداً مدير المخابرات (سي آي إيه) وليام بيرنز ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، بأن كل ما يُحكى عن إمكانية استكمال مشاريع التطبيع السعودي – الإسرائيلي والتي كانت ستفتح الباب على تفاهمات إسرائيلية-عربية، وإسرائيلية-آسيوية تحاصر إيران من كل الجهات، بات حبراً على ورق، بسبب نهج التشدد اليميني الذي تتبعه حكومة نتنياهو برفضها حل الدولتين وصولاً إلى مضيها في توسيع الاستيطان ومشاريع التهجير من الضفة والقطاع.

سابعاً؛ ثمة استنتاج عربي ـ تركي، ضمن دوائر محددة، بأن أي تفاهم مع إسرائيل “بات يحتاج لإعادة التوازن معها، وهذا المسار يحتاج إلى إنشاء مظلة إقليمية عنوانها إسلامي – عربي، لكن في عمقها تحتاج للاستفادة من الاستعصاء بملاقاة هذا الواقع بالضغط على واشنطن وتل أبيب خوفاً من موجة ثورات جديدة، تبدو ارهاصاتها حاضرة في مصر والأردن، لذا فإن عنوان الاستقرار سيكون أداة ضغط تركية – عربية – آسيوية، لتحقيق وقف الحرب في غزة ومنع التهجير وتحصين لبنان من مغامرات اليمين الإسرائيلي.

وللتذكير فإن رجب طيب أردوغان أطلق في العام 2019 في ذروة صراعه مع دول الخليج ومصر، منصة إسلامية وعربية في ماليزيا، لكنها فشلت مع تغيب باكستان نتيجة الضغط السعودي عليها، ولم تستطع تنفيذ مقرراتها نتيجة موجات الثورات التي اندلعت في لبنان والسودان والعراق، وما تلاها من أحداث فاصلة، فهل تنجح الجهود الجارية لخلق هذه المظلة العربية التركية الآسيوية؟

Print Friendly, PDF & Email
صهيب جوهر

صحافي لبناني وباحث مقيم في مركز "أبعاد" للدراسات الإستراتيجية في لندن

Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  عون وجنبلاط.. للبحث صلة