رايان كروكر: لو كنت مكان نتنياهو أوقف الحرب مع لبنان الآن!

يقول السفير الأميركي السابق، رايان كروكر، إن "الثقة المفرطة" التي يشعر بها الإسرائيليون هذه الأيام تخيفه، لأنهم يعتبرون أنهم حققوا "إنجازات" باغتيال كبار قادة حماس وحزب الله، وهذا وهمٌ، وعدم التوصل إلى وقف لإطلاق النار "جنون". ويحذر الدبلوماسي المخضرم من أن استمرار إسرائيل في حربها مع غزة ولبنان سيجعلها عالقة في حرب استزاف إلى أجل غير معروف، وسيزيد من فرص إيران لإمتلاك السلاح النووي. وفي ما يلي أبرز ما جاء في المقابلة:

-ماذا يعني استشهاد يحيى السنّوار؟

لا أرى أي تغيير كبير على ساحة المعركة في قطاع غزة. صحيح أن حركة “حماس” قد تكون فقدت قدرتها التنظيمية إلى حدٍ كبير، ولكن هذا كان سيكون الحال مع السنّوار أو من دونه، نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة والمتصاعدة على رقعة جغرافية صغيرة نسبياً ومحاصرة بشكل محكم منذ نحو عقدين من الزمن.

-يبدو أن مقاتلي “حماس” والفصائل الفلسطينية الأخرى يتصرفون بمفردهم ويديرون نوعاً من حرب العصابات. هل سنشهد تغييراً في ذلك؟

-أعتقد ذلك. نحن نرى شيئاً من هذا القبيل على الحدود الشمالية لإسرائيل أيضاً، ولكن بقدرات أكبر ما يزال حزب الله يتمتع بها.

-إسرائيل حققت مؤخراً بعض الانتصارات الدرامية، بما في ذلك اغتيال كبار قادة حزب الله وحماس. ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يقول إن “ميزان القوى” في المنطقة قد تغير لصالح إسرائيل. ما ردك على هذا التقييم؟

– هذا سابق لأوانه. من الواضح أن حزب الله لم يفقد قدراته، والدليل أنه يواصل القتال. لا تزال الصواريخ التي يطلقها، وكذلك الطائرات الحربية المسيَّرة، تعبر الحدود وتصل إلى أهداف مدروسة داخل إسرائيل. وكذلك الحال من جهة غزة. إن الأعمال القتالية التي يديرها حزب الله وحماس لامركزية. لقد تعرضا لضربات موجعة بالتأكيد، ولكن لم يتم سحقهما بعد (…).

-وماذا عن حزب الله؟

-إنها ديناميكية مختلفة تماماً في الشمال. بمعنى أن نتنياهو رفع سقف التوقعات عالياً للغاية. فهو يحاول وقف إطلاق الصواريخ بطريقة نهائية حتى يتمكن عشرات الآلاف من المستوطنين من العودة إلى مستوطناتهم. لكن يكفي أن يحتفظ حزب الله ببعض الصواريخ التي تعبر الحدود لجعل عودة النازحين الإسرائيليين صعباً للغاية.

-الوضع ضبابي حقاً. ومن الصعب جداً معرفة مدى قوة حزب الله في الوقت الحالي.

-أنا كبير في السن بما يكفي لأتحلى بوجهة نظر بعيدة المدى. لقد كنت في لبنان في عام 1982 عندما نفذت إسرائيل عملية “سلامة الجليل” واجتاحت البلاد. ما الذي حصل؟ بعد 42 عاماً أصبح لبنان أبعد ما يكون عن مصدر لـ”السلام” عمَّا كان عليه في عام 1982. اجتياح 1982 أدّى إلى خلق حزب الله. والغزو الذي تمهد له إسرائيل اليوم لن ينهي الحزب.

-ما هو تقييمك للتحليل الذي يقول إن إسرائيل لا تريد التصعيد مع إيران، ولذلك تتجنب استهداف مواقع نووية أو منشآت النفط، وتركز هجماتها على أهداف عسكرية أو استخباراتية فقط؟

-حسناً، بافتراض أن التحليل صحيح (…). ولكن أينما وجّه الإسرائيليون ضرباتهم فإن ذلك لن يغير أي معادلة قوة بشكل ملموس. ما أعتقده هو أن أي ضربة إسرائيلية ستُغذي النقاش داخل إيران في اتجاه التسلح النووي، عاجلاً وليس آجلاً.

لو كنت مكان الإسرائيليين لقبلت بما حققته من فوز حتى الآن. ولأعلنت أنني منتصر وأسمح للأميركيين بالعمل على وقف إطلاق النار. في الشمال، هناك القرار الدولي 1701 على الطاولة، وهناك قرار دولي آخر صدر عام 2004 بصيغة مماثلة (القرار 1559). وهذه هي النقاط المرجعية، والنصوص التي ينبغي لكل الأطراف المعنية أن تضعها في الحسبان

-هل تعتقد أن هذا سيحدث مهما كانت الظروف؟

-نعم أعتقد ذلك. مرة أخرى، عليهم فقط أن ينظروا إلى ما حدث ويحدث على المسرح العالمي. لديك المثال الليبي لما يمكن أن يحدث إذا تخليت عن قدراتك النووية. والمثال الكوري الشمالي لما يمكن أن يحدث إذا حافظت عليها. ليبيا تخلَّت عن برنامجها للأسلحة النووية في عام 2003، فانتهى كل شيء: تمت الإطاحة بمعمر القذافي وقتله. ولكن إذا كان لديك أسلحة نووية، فيمكنه منع تغيير النظام، كما يبدو أن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يفعل. لذلك، كلما نظر الإيرانيون إلى الخيارات غير النووية (…)، كلما زاد الزخم في طهران لاختيار التسلح النووي.

-هل أنت قلق لأن الإسرائيليين أصبحوا مفرطين بالثقة بأنفسهم؟

-أنا قلق من أنهم نسوا تاريخهم الحديث. لقد أشادوا بعملية “سلامة الجليل” باعتبارها انتصاراً عظيماً بعد انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. ولكن ما حصلوا عليه هو حزب الله، العدو الأكثر فتكاً بكثير مما كانت منظمة التحرير تحلم به. لذا فإن الفكرة القائلة بأن الغزو البرّي والاحتلال اللاحق سيجعل منطقة الجليل أكثر أمناً مجرد وهم.

-هل أحدثت الضربات الإسرائيلية الأخيرة (اغتيال قادة حماس وحزب الله، وهجمات البيجر وأجهزة اللاسلكي) أي فرق؟

-لقد تعلمت على مرّ السنين، وبخاصة في العراق وأفغانستان، أن مفهوم هزيمة الخصم لا يحمل أي معنى إلا في ذهن ذلك الخصم. فإذا شعر الخصم بالهزيمة، فقد هُزم. وإذا لم يشعر بالهزيمة، فهو ليس مهزوماً. فهل اغتيال القيادات العُليا ستجعل الخصم يشعر بالهزيمة؟ أعتقد أن الوقت كفيل بإثبات ذلك، ولكنني شخصياً أراهن أن العكس هو ما سيحصل.

-لماذا؟

-لقد كنت في لبنان عندما تم تأسيس حزب الله، وهو ما دفعنا ثمنه غالياً وكذلك دفع الإسرائيليون ثمناً أعظم. كنت هناك بصفتي سفيراً للولايات المتحدة عندما اغتال الإسرائيليون الأمين العام السابق لحزب الله السيّد عباس الموسوي (بغارة جوية استهدفت موكبه في عام 1992). يومها اضطررت إلى الإجلاء بسبب معلومات استخباراتية موثوقة أفادت بأنه كانت هناك خطة لاغتيالي انتقاماً. حسناً، ما أريد قوله هنا إن اغتيال “الرأس” آنذاك لم يُضعف حزب الله، بل على العكس، أصبح أكثر قوة.

-إذن، ما الذي تعتقد أنه يجب على الإسرائيليين فعله الآن؟

-لو كنت مكان الإسرائيليين لقبلت بما حققته من فوز حتى الآن. ولأعلنت أنني منتصر وأسمح للأميركيين بالعمل على وقف إطلاق النار. في الشمال، هناك القرار الدولي 1701 على الطاولة، كما كان منذ عام 2006 (انسحاب حزب الله من جنوب نهر الليطاني، ونزع السلاح، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان). وهناك قرار دولي آخر صدر عام 2004 بصيغة مماثلة (القرار 1559). وهذه هي النقاط المرجعية، والنصوص التي ينبغي لكل الأطراف المعنية أن تضعها في الحسبان.

ربما تكون هناك حاجة إلى بعض الدبلوماسية الأميركية الشاقَّة من أجل التوسط في وقف إطلاق النار في الشمال على الأقل. أما في غزَّة، فأعتقد أن كل شيء لا بد وأن يتجه نحو استعادة الرهائن.

إقرأ على موقع 180  الإنتخابات النيابية المبكرة في لبنان.. هل تنفع؟

هذا الذي يجب فعله. هذه فترة فاصلة. حزب الله وإيران (كلٌ لأسبابه الخاصة) يرغبان في التوصل إلى وقف لإطلاق النار. وإذا تمكن الإسرائيليون من تحقيق ذلك، سيتمكنون من إعادة النازحين الإسرائيليين إلى منازلهم، وقد يتمكنون أيضاً من المضي قدماً نحو تنفيذ القرار 1701. وهذه أيضاً ستكون أفضل وسيلة للتعامل مع إيران.

-كيف يجب التعامل مع حماس.. هناك تساؤلات حول من قد يتولى قيادة الحركة؟

-إن أي طريق يوصل إلى حل لوضع الرهائن هو شيء يجب على الإسرائيليين اغتنامه. مرة أخرى، لن يتوقف التمرد. لكن القدرة التي كانت “حماس” تعمل بها قد تم القضاء عليها في الوقت الحالي. وآمل أن تعمل إسرائيل بشكل غير مباشر على ترتيب وقف إطلاق النار الذي يسمح بإعادة كل الرهائن المتبقين على قيد الحياة (…). ليس لدينا فكرة من بقي منهم على قيد الحياة ولا من يسيطر عليهم، ومن يملك قرار الإفراج عنهم.

-ماذا بخصوص تحقيق تسوية سياسية؟ نتنياهو وعد الفلسطينيين بأنهم إذا أطلقوا سراح الرهائن سيكونون بخير. كيف يتم التعامل مع هذا الأمر؟

-من الصعب للغاية معرفة ذلك من الخارج. نحن نعرف ما نشاهده فقط. البعض يقول إنهم ملتزمون بالقتال حتى آخر فلسطيني، وآخرون يأملون أن يعني مقتل السنّوار نهاية البؤس. لو كنت صانع سياسة إسرائيلية، لكنت وظّفت كل الموارد وعناصر الخيال التي أستطيعها من أجل إعادة الرهائن.

-ولكن ماذا عن الصورة الأكبر في الشرق الأوسط؟ قبل “طوفان الأقصى” كانت هناك مناورات دبلوماسية لتطبيع العلاقات بين دول عربية وإسرائيل. البعض يتهكن بأن هذا هو أحد أسباب عملية “طوفان الأقصى”. بعد مرور عام، أصبحنا في موقف حيث يهيمن الإسرائيليون على ساحة المعركة. هل من إمكانية لحل دبلوماسي أوسع إذا أحسن الإسرائيليون التعامل مع الأمر؟

-من المؤكد أن توسيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ودول المنطقة أمرٌ محتمل. أحد الأشياء التي لم تحدث خلال السنة التي تلت حرب غزَّة هو أن أياً من الدول المُطبّعة لم تقطع علاقاتها مع إسرائيل. لذا، أعتقد أنه سيكون هناك زخم داخل السعودية وغيرها؛ للتحرك نحو التطبيع مع إسرائيل، خصوصاً إذا تحركت إيران نحو امتلاك سلاح نووي. ولكن هذا لن يؤدي بطبيعة الحال إلى تحريك أي شيء نحو تسوية لصالح الفلسطينيين.

إنني أشك كثيراً في إمكانية أن تسفر المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية عن أي نتيجة ذات مغزى في ظل الحكومة اليمينية المتشددة بقيادة نتنياهو. ما لم يغب عن الأزمة الحالية، بل أصبح أكثر وضوحاً بالنظر إلى حدَّة الأوضاع في غزَّة ولبنان، هو الضفة الغربية. إن الإجراءات الإسرائيلية هناك؛ والسعي إلى اقتلاع السكان الفلسطينيين بالقوة من أراضيهم؛ سواء من قبل المستوطنين أو من قبل الجيش الإسرائيلي، لا تبشر بالخير لأي مفاوضات ذات مغزى مع الفلسطينيين.

-هذه صورة أكثر قتامة مما يرسمه البعض. هناك من يقول إننا ندخل فترة “اليوم التالي”، وأنت تقول إنك “أكثر تشككاً”!

-مرة أخرى، أتذكر عندما اعتقدنا أن الغزو الإسرائيلي في عام 1982 وإجلاء الفلسطينيين بوساطة الولايات المتحدة من شأنه أن يمهد الطريق أمام السلام الشامل في الشرق الأوسط. كانت تلك مبادرة الرئيس رونالد ريغان الشهيرة. ولكنها انتهت حتى قبل أن تبدأ. وأنا لا أرى هذا أكثر تفاؤلاً. أعود إلى ما تعلمته من خلال تجربتي المريرة. ما لم يشعر عدوك بالهزيمة، فهو ليس مهزوماً.

-وأنت تعتقد أن حماس وحزب الله وإيران لا يشعرون بالهزيمة؟

-هم لا يشعرون بالهزيمة.

-وما هي مخاطر الثقة المفرطة التي يشعر بها الإسرائيليون؟

-إذا أقنعوا أنفسهم بأن إنجازاتهم المذهلة في مجال الأسلحة والاستخبارات تشكل في الواقع انتصاراً، فهذا أمر خطير للغاية. ويصبح الأمر أكثر خطورة إذا بدأنا في تصديق ذلك. ولنعد إلى مبادرة ريغان. إذا اعتقدنا أن الضرر الذي لحق بقيادة حزب الله والقضاء على السنّوار وغيره من قادة حماس يمكن ترجمته بطريقة ما إلى دينامية جديدة للسلام، وأننا نستطيع بطريقة ما تحويل ذلك إلى تسوية عالمية بعيدة النظر ــ فهذا هو الجنون.

لا أرى أي خير مُرتجى من هذا. أعتقد أن الإسرائيليين يفكرون من منظور احتلال عسكري طويل الأمد لقطاع غزَّة، وهذا من شأنه ببساطة أن يؤدي إلى تمرد طويل الأمد. إن أحد الأشياء التي تغيرت بشكل أساسي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 هو استعداد إسرائيل لقبول عدد معين من الضحايا في جيش الدفاع الإسرائيلي في الأمد البعيد، وهو عدد أكبر مما كان ليحلموا به قبل هذا التاريخ. ففي الأعوام الـ18 التي قضوها في لبنان، من عام 1982 إلى عام 2000، خسروا نحو 1100 جندي. وحتى السادس من أكتوبر 2023، كان هذا عدداً ضخماً لن تتخيل أي حكومة إسرائيلية خسارته مرة أخرى. ولكن خسارة 1200 جندي آخر في يوم واحد، من الرجال والنساء والأطفال، غيّرت هذه الحسابات. لذا فإن استعداد إسرائيل لقبول تمرد طويل الأمد في غزَّة واحتلال غير محدد الأجل أعلى كثيراً مما كان عليه قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر.

-هناك مصادر تقول إن نتنياهو ليس لديه مصلحة في أي حل دبلوماسي حتى يعرف من سيكون الرئيس الأميركي القادم؟

-أتمنى بالتأكيد ألا يكون الأمر كذلك. أعتقد أن هناك ضرورة لمحاولة تغيير ديناميكية على الأرض الآن. وأفترض أن الضغوط ستتزايد على حكومة نتنياهو للقيام بذلك على وجه التحديد، والسعي من أجل الإفراج عن الرهائن ووقف إطلاق الصواريخ عبر الحدود – مؤقتاً على الأقل.

– ترجمة بتصرف عن مجلة “بوليتيكو“.

(*) أجرى اللقاء المحرر في “بوليتيكو” مايكل هيرش، محرر الشؤون الخارجية السابق والمراسل الدبلوماسي الرئيسي لمجلة “نيوزويك” الأميركية.

(**) أمضى رايان كروكر (أطلق عليه لقب “لورانس العرب الأميركي”) نحو 4 عقود يمثل مصالح أميركا في العالم العربي: سفيراً في لبنان وسوريا والعراق والكويت، وكذلك في أفغانستان وباكستان.

Print Friendly, PDF & Email
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "هآرتس": القرار النهائي بشأن النووي السعودي يُتخذ في واشنطن