أيديولوجيا الضم.. من ترامب إلى سموتريتش!

تُمثّل تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول إمكانية ضم كندا أو جزيرة جرينلاند إلى الولايات المتحدة الأمريكية نموذجًا للتصريحات الشعبوية التي تعكس شخصية ترامب النرجسية والجدلية.

تُعبّر تصريحات ترامب “الغوغائية” عن طموحات غير واقعية لرئيس أمريكي يفتقر إلى رؤية استراتيجية للدولة، مُفضلًا عليها إطلاق شعارات إعلامية تستهدف إثارة الجدل، فالولايات المتحدة دولة مؤسساتية يحكمها الدستور والقانون، ما يجعل من المستحيل تنفيذ هذه الأفكار التي يطرحها ترامب، إلا إذا كانت نظرة متطرفة من هذا النوع تُعبّر عن نزعة مجتمعية متطرفة بدأت تتسلل إلى روح كل المؤسسات الأمريكية.

وتُمثّل أية محاولة لضم كندا أو جرينلاند بالقوة العسكرية انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي واعتداءً على سيادة دول أعضاء في الأمم المتحدة؛ ومن يتأمل بالنظام السياسي الأمريكي يُدرك أنه لا يخضع لرغبات رئيس شعبوي، إذ ترتكز السياسات الكبرى، وبخاصة المتعلقة بالحرب والسلم، على موافقة الكونغرس والمؤسسات الأمريكية الأخرى، وليس على قرارات فردية، فعندما يتولى ترامب أو غيره منصب الرئاسة، سيصطدم بالمنظومة القانونية والمؤسساتية التي تضع حدودًا واضحة لأي طموحات غير واقعية.

زدْ على ذلك أنّ كلاً من كندا والدنمارك التي تتبع لها جزيرة جرينلاند، هما عضوان في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو تحالف عسكري تأسس بعد الحرب العالمية الثانية بهدف حماية الأمن العالمي المشترك، وبالتالي أي محاولة للإعتداء على سيادة هاتين الدولتين ستؤدي إلى تدمير النظام الدولي القائم منذ حوالي سبعة عقود وانهيار الناتو برمته وتفكك العلاقات بين ضفتي الأطلسي، فتصريحات ترامب تتناقض مع المبادئ الأساسية التي تأسّست عليها الأمم المتحدة، وأبرزها احترام سيادة الدول الأعضاء والحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

ولم تقتصر الردود على تصريحات ترامب الشعبوية والنرجسية على الدول المستهدفة مثل كندا والدنمارك وبنما، بل امتدت إلى بقية الدول الأوروبية والغربية التي ترى في مثل هذه التصريحات تهديدًا للنظام الدولي برمته. والملاحظ أن هذا الجدل لم يصل بعد إلى المؤسسات الرسمية الأمريكية أو النخب السياسية، بل بقي محصورًا ضمن حدود تصريحات ترامب الشخصية، ما يعكس طبيعته الشعبوية ونزوعه إلى إطلاق شعارات تستهدف استثارة الجدل.

في الخلاصة؛ النظام السياسي الأمريكي، القائم على مؤسسات قوية ودولة عميقة، لن يسمح بخروج هذه التصريحات عن نطاق الإعلام. كما أن المجتمع الدولي، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة، لن يتسامح مع أي محاولة للاعتداء على سيادة دول أعضاء في الأمم المتحدة

وسوف يواجه ترامب عقبات داخلية كبيرة، بما في ذلك الخلافات داخل الحزب الجمهوري نفسه، حيث لا يتفق جميع الجمهوريين مع طروحاته المثيرة للجدل، كما أن ترامب لن يحظى بدعم كامل داخل الكونغرس، برغم سيطرة الجمهوريين عليه.

صحيح أن ثمة تشابه أيديولوجي يصل إلى حد التماهي بين ترامب واليمين الإسرائيلي ونظرته التوسعية (على صورة الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير)، ولكن هناك اختلافات جوهرية في الواقع السياسي لكل منهما؛ ففي إسرائيل، تنبع سياسات الضم من منطلقات عقائدية ودينية، وتحظى بدعم المؤسسات السياسية والعسكرية مثل الكنيست والجيش، أما في الولايات المتحدة، فإن أفكار ترامب التوسعية لا تنبع من أيديولوجيا محددة، بل من طموحات شخصية اقتصادية ومصلحية.

كما أن إسرائيل تعتمد على “سلطة الأمر الواقع” في تطبيق سياسات الضم، بينما تفتقر الولايات المتحدة إلى أي سياق مؤسساتي أو دولي يمكن أن يدعم مثل هذه التوجهات.

ومن المحتمل أن تؤدي تصريحات ترامب إلى تعميق الانقسامات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وبخاصة في ظل تعقيد العلاقات بين ضفتي الأطلسي.

وهذه التصريحات تُفاقم حالة التخبط في السياسة الخارجية الأمريكية، وتُضعف التحالف الغربي التقليدي. كما تُعطي الانطباع بأن الولايات المتحدة في عهد ترامب مستعدة لتجاوز القوانين الدولية لتحقيق أهدافها، ما يُضعف مصداقيتها عالميًا.

ويُمكن القول إن ضم كندا أو جرينلاند ليس مجرد صفقة عقارية أو مشروعاً استثمارياً، بل هو مسألة سيادة وطنية للشعوب المستهدفة، وحقها في تقرير مصيرها، ولا يمكن تجاوز القانون الدولي أو المبادئ التي تأسست عليها المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، فتصريحات ترامب تعكس فهمًا محدودًا لهذه المبادئ، وتفتقر إلى أي أسس واقعية سياسية أو قانونية.

في الخلاصة؛ النظام السياسي الأمريكي، القائم على مؤسسات قوية ودولة عميقة، لن يسمح بخروج هذه التصريحات عن نطاق الإعلام. كما أن المجتمع الدولي، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة، لن يتسامح مع أي محاولة للاعتداء على سيادة دول أعضاء في الأمم المتحدة. ما يفعله ترامب هو نوعٌ من محاولة توظيف هذه التصريحات في خدمة طموحاته الشخصية، لكنها تفتقر لأي أرضية واقعية أو سياسية لوضعها موضع التنفيذ.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  التمجيد الانتصاري والشماتة الردحية أو التبرير.. والتبرير المضاد!
حسين الديك

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  من غزة إلى ترامب.. إيران تستعد لانتخاب رئيس متشدد