حماس، الحزب، “المحور” و”الطوفان” (1 من 2)

عندما قرّرت "كتائب القسّام" عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٣، تبدى "محور المقاومة" كأنه "بيت بمنازل كثيرة"، إذ تبين أن أحداً من قوى "المحور" بما في ذلك "الجهاد الإسلامي" حليفة حماس على أرض فلسطين لم تكن على دراية بالخطة وآثارها الإستراتيجية ليس على غزة وفلسطين فحسب، إنما على الإقليم بأسره.

عشية هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت إيران منهمكة بمفاوضات مع إدارة جو بايدن برعاية قطر وسلطنة عُمان وربما بعض العواصم الأوروبية. أفضت المفاوضات إلى الإفراج عن خمسة إيرانيين كانوا محتجزين في أميركا فيما أطلقت طهران سراح خمسة أميركيين. تضمن الاتفاق أيضاً تحرير 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدّة في مصارف كوريا الجنوبية، مقابل وعد بتحرير المزيد من الأموال. حدث هذا في أيلول/سبتمبر 2023، أي قبل شهر واحد من عملية “طوفان الأقصى”، وكان رهان الدولة الإيرانية معقوداً على استكمال المفاوضات بين الجانبين حول البرنامج النووي الإيراني، بعد توقف أملته ظروف جائحة كورونا ومن بعدها اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية. غير أنّ “الطوفان” وما بعده فرض على طهران تدخلاً بدأ بشكل غير مباشر في البدء (عبر أذرعها في لبنان واليمن والعراق)، وصولاً إلى مرحلة تبادل النيران المباشر بينها وبين الكيان، بعد أن قرّر الأخير استهداف قنصليتها في دمشق، في نيسان/أبريل ٢٠٢٤، ليدخل البلدان بعدها في سلسلة من الهجمات والردود عليها.

حزب الله ووهم اللاحرب

حزب الله بدوره، كان قد استفاد من توازن الردع بين عامي ٢٠٠٦ و٢٠٢٣، ليُرسي نوعاً من “الستاتيكو” على طول الحدود الجنوبية للبنان. هذا التوازن أمّن استقراراً نسبياً للبلد، وإن خرقته إسرائيل آلاف المرات، منذ عام 2006، في انتهاكات معظمها جوية للقرار الأممي 1701. غير أنّ الحدث الفلسطيني فرض نفسه على حسابات الحزب، فقرّر إسناد غزة في اليوم التالي (8 أكتوبر)، يوم باشر تنفيذ عمليات إشغال عسكرية ضدّ العدو اومواقعه قبالة الحدود اللبنانية. تصاعدت حدّة المواجهات بين الطرفين على إثر قرار إسرائيل توسيع عدوانها على جنوب لبنان (٢٣ أيلول/سبتمبر 2024) وصولاً إلى اغتيال أمين عام الحزب، القائد التاريخي، الشهيد السيد حسن نصرالله (٢٧ أيلول/سبتمبر). سبق الإغتيال تفجيرا “البايجرز” وأجهزة اللاسلكي في ١٧ و١٨ أيلول/سبتمبر، لينتهي مسار التصعيد بعملية برية بدأت في الأول من تشرين الأول/أكتوبر فشلت خلالها إسرائيل في اجتياح الأراضي اللبنانية وإقامة منطقة عازلة فيها، لينتهي هذا المسار بإعلان وقف إطلاق نار بين الجانبين، في السابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

يقول القيادي في “كتائب القسّام”، عز الدين الحدّاد، ضمن وثائقي “ما خفي أعظم”، إنّه توافرت معلومات لحماس بنّية الحكومة اليمينية الإسرائيلية شن عدوان واسع على قطاع غزة تستهدف من خلاله قيادات المقاومة، وأن محاولات لاقتحام الأقصى كان بن غفير وأمثاله يشرعون في التخطيط لها، فكان قرار الحركة بشنّ هجوم استباقي

حماس.. التفرد بالقرار

من جهة حركة حماس، فواضح أن استعداداتها للعملية استغرقت أعواماً عدة، واختارت التوقيت هي، تبعاً لحسابات وقراءات ما تزال غير معلومة كلياً لغاية الآن. ولكن الحركة عشية السابع من أكتوبر، كان يسود أروقتها أيضاً عدد من القراءات والمراجعات التي كانت قيد التبلور. انغمست قيادة الحركة في الشأن السوري الداخلي، عندما ناصرت قوى المعارضة ضد بشار الأسد، ما أوقع قطيعة بينها وبين النظام السوري، استمرت حتى لحظة “الطوفان”، وهذا ما أثّر على علاقتها بباقي أطراف “المحور”. هذا مع العلم أنّ حزب الله، حاول عبر أمينه العام الشهيد حسن نصرالله، إصلاح ذات البين فيما يخص علاقة الحركة مع النظام السوري، حيث توسط لدى الأسد الذي لم يتجاوب كثيراً مع هذا المسعى. والمعروف أيضاً أن حركة حماس كانت قبل بدء “الطوفان”، تتحرك وفق إيقاعين. إيقاع القيادة السياسية للحركة المقرّب من أنقرة والدوحة، وايقاع الجناح العسكري (كتائب القسّام)، والذي يُعد قريباً من طهران، بفعل الدعم العسكري واللوجستي والسياسي الذي أمدّت به إيران الحركة، كما قوى فلسطينية أخرى. غير أن انتخاب يحيى السنوار لقيادة الحركة في عام ٢٠١٧ أعطى انطباعاً بأن الجناح العسكري بات لديه اليد الطولى في الحركة. وهذا ما تجلى من خلال إطلاق عملية “سيف القدس” عام ٢٠٢١ ومن ثم “طوفان الأقصى” عام ٢٠٢٣.

كيف أدار “المحور” المعركة؟

حرص حزب الله، منذ بدء انخراطه في مسار الإسناد، أن تكون عملياته مضبوطة لناحية تجنب استهداف المدنيين الإسرائيليين خشية أن تستغلّ إسرائيل ذلك لتبرير حرب واسعة النطاق ضد لبنان. غير أنّ مراعاة الحزب لهذا الجانب لم يلغِ توسيع العدوان الذي فاجأ الجميع، بقدرة إسرائيل على استهداف معظم قيادات الصفين الأول والثاني للحزب. القراءة الخاطئة الثانية لدى الحزب في اطمئنانه الواسع أنّ إسرائيل، وإن بدت راغبة في توسيع الحرب، إلا أنها لا تستطيع فعل ذلك بسبب توازن الردع وعدم قدرة إسرائيل على فتح جبهتين في الوقت نفسه، فضلاً عن عوامل أخرى.. ربما بالغ الحزب في هذا المعيار استناداً إلى تطمينات دولية وإقليمية أو قراءات خاطئة بأن لا حرب واسعة ستندلع. وربما يكون جزء من الأمر يتصل بقناعة كوّنتها الدولة الإيرانية تستند إلى اتصالات كانت تُجرى بين طهران وواشنطن، بغية منع إنزلاق الأمور، إلى ما لا تحمد عقباها، عند كل نقطة كادت أن تصل الأمور فيها بين الطرفين، إلى حد المواجهة الشاملة.

إقرأ على موقع 180  شبح الإبادة الجماعية يُخيّم على فلسطين منذ 1907

وفيما كانت حرب الإبادة الجماعية على الغزيين تتوالى شراسةً واجراماً، أذهلت “كتائب القسّام”، الرأي العام ليس فقط بسبب ما أقدمت عليه في السابع من أكتوبر، إنما باثبات قدرتها على القتال في الأنفاق في ظل ظروف القصف والتدمير، الذي استمر حتى آخر لحظة من دخول وقف إطلاق النار بين الجانبين، حيّز التنفيذ. وبإستشهاد القائدين يحيى السنوار ومحمد الضيف، وهما ركنان أساسيان في التخطيط لعملية السابع من أكتوبر، فإن أسراراً كثيرة حول ظروف وطبيعة العملية تكون قد انطوت، مع رحيلهما. ربما قيادات قليلة لا تزال تعرف تفاصيل هذا اليوم.

في هذا السياق، يقول القيادي في “كتائب القسّام”، عز الدين الحدّاد، ضمن وثائقي “ما خفي أعظم” (قناة الجزيرة، عرض في ٢٤ كانون الثاني/يناير)، إنّه توافرت معلومات لحركة حماس بنّية الحكومة اليمينية الإسرائيلية شن عدوان واسع على قطاع غزة تستهدف من خلاله قيادات المقاومة، وأن محاولات لاقتحام الأقصى كان ايتمار بن غفير وأمثاله يشرعون في التخطيط لها، فكان قرار الحركة بشنّ هجوم استباقي.

والجدير ذكره أنّ العديد من قيادات حماس، طوال الخمسة عشر شهراً المنصرمة، صرّحوا في مناسبات مختلفة، بأنّ إطلاق مشروع “الممر الهندي” ومعه مسار التطبيع بين إسرائيل ودول عربية في المنطقة (من ضمنها السعودية)، كان يسير باتجاه سريع بدليل ما أعلنه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في مقابلته الشهيرة على محطة “فوكس نيوز” الأميركية في الحادي والعشرين من أيلول/سبتمبر 2023 (فلسطين قضية معيشية اجتماعية)، أي قبل أيامٍ معدودة من “طوفان الأقصى”. لذلك كان لا بدّ، بحسب الحركة، من وقف هذا المسار، فكان القرار في إشعال “الطوفان”.

الواضح أن قيادة حماس العسكرية إتخذت القرار من تلقاء نفسها، وبتوقيت يبدو أنه كان محكوماً بظروف معينة. فاستغلت إسرائيل العملية لتشن أشرس حرب على شعب أعزل ومحاصر، وبات مصطلح الإبادة الجماعية يقترن بحرب إسرائيل المستمرة على غزة والضفة الغربية.

(*) في الجزء الثاني والأخير: التداعيات الجيوسياسية للطوفان وأي مقاومة تنتظرنا؟

Print Friendly, PDF & Email
عطالله السليم

كاتب وباحث سياسي

Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  تقارب دمشق وأنقرة.. فرصة الدولة السورية الواحدة بمشاركة الجميع