تركيا “تنتصر” سورياً.. هل تشتبك مع إسرائيل؟

Avatar18007/03/2025
جان ماركو؛ الأستاذ في معهد العلوم السياسية بغرونوبل (فرنسا)، يقارب في مقاله هذا المنشور في موقع "أوريان 21" (ترجمته إلى العربية الزميلة فاطمة بن حمد، من أسرة الموقع نفسه) الدور التركي في "سوريا الجديدة" والمنطقة بكل أبعاده الإقليمية والدولية.. وهذا أبرز ما تضمنه:

“بين 27 تشرين الثاني/نوفمبر و8 كانون الأول/ديسمبر 2024، أطاح هجوم الثوار السوريين بنظام بشار الأسد، الذي كان يزعم أنه ربح الحرب قبل ست سنوات. وقد كشف سقوط النظام السوري عن تحول عميق في السياسة الجغرافية للمنطقة. خرجت تركيا من هذه التحولات ظافرة، لكنها تواجه في نفس الوقت تحديات من نوع جديد.

فقد سلّط سقوط النظام السوري، الذي أسماه رجب طيب أردوغان بـ“الثورة العظيمة”، الضوء على واقع جيوسياسي جديد في منطقة الشرق الأوسط، تأثر بالعديد من الأزمات، من حروب أوكرانيا وغزة، ناهيك عن تداعياتها الإقليمية (خاصة في لبنان). ولم تبق تركيا ساكنة إزاء هذه التحولات الديبلوماسية والعسكرية في المنطقة، فابتداءً من 2023، أعادت أنقرة علاقاتها مع النظام السوري، بمناسبة لقاءات غير رسمية، راضخة لضغوطات شريكيها الروسي والإيراني وفقا لشروط عملية أستانا1، وحتى لدول الخليج التي استجابت لعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.

خسارة ايران وروسيا

ولئن كانت السلطات التركية منخرطة في إدارة إدلب وفي تأسيس قيادة العمليات العسكرية (التي تحمل اسم “الفتح المبين”) التي بادرت بالهجوم في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، فإنها حرصت على مراعاة حساسية موسكو وطهران من خلال سلسلة من اللقاء ات المستمرة (بما في ذلك استقبال وزير الخارجية الإيراني سيد عباس عراقجي في أنقرة في الثاني من كانون الأول/ديسمبر 2024)، والتي واصلت خلالها حث بشار الأسد على التفاوض مع المعارضة وتشجيع انتقال سياسي. لكن عندما اجتمع الثلاثي في عملية أستانا في الدوحة في 7 كانون الأول/ديسمبر 2024، لم يستطع الروس والإيرانيون، الذين ظلوا منذ 2019 يضغطون على تركيا للانسحاب من إدلب والأراضي السورية الأخرى التي كانت تحتلها، سوى الإقرار في النهاية بأنهم سيضطرون هم للانسحاب، وأنهم خسروا المعركة.

وبالرغم من تمتعها بموقع قوة، لم تعد أنقرة وحدها في سوريا، حيث تتواجد اليوم العديد من الأطراف الفاعلة. فقليلة هي البلدان التي تشهد في آن واحد وجوداً عسكرياً وسياسياً لأطراف متنوعة كالولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإسرائيل. وفي ظل هذه الظروف، بات من الضروري للنظام الجديد توضيح موقفه، ويمكن فهم ذلك من خلال الاتصالات والزيارات الرسمية الأولى لقادته – التي تشكل سياسته الخارجية يوماً بعد يوم.

أما فيما يتعلق بتركيا، فإن المكسب الجيوسياسي الرئيسي لـ“الثورة العظيمة” هو بالطبع الضربة القوية التي وُجهت للوجود الروسي والإيراني، الذي طالما أثار قلق أنقرة على حدودها الجنوبية خلال العقد الماضي. فمن المعروف أن موسكو نجحت في الحفاظ على العلاقات مع قادة دمشق الجدد، لكن الوفد الأول الذي أُرسل إلى العاصمة السورية في 30 كانون الثاني/يناير 2025 لم ينجح في ضمان استمرارية قواعد روسيا العسكرية في طرطوس و حميميم، حيث أشار السوريون مسبقاً إلى ضرورة إنشاء مسار عدالة انتقالية وطالبوا بتسليم بشار الأسد. بالتالي، تواجه موسكو خطر اضطرارها إلى نقل قواعدها العسكرية من شرق البحر المتوسط إلى ليبيا، وهو ما قد لا يخلو من عواقب بالنسبة لتركيا – المتواجدة أيضاً في هذا البلد، ولكن لدعم أطراف سياسية أخرى. أما إيران، فيبدو أنها استُبعدت نهائيا من الأراضي السورية، علاوة على تعرّض سفارتها للنهب عند سقوط دمشق، حيث تم حظر استيراد منتجاتها إلى سوريا، إلى جانب منتجات روسيا وإسرائيل.

لعبة معقدة مع السعودية

بعد مصالحته مع دول الخليج منذ عامين، صار أردوغان قادراً على تحقيق ما كان يحلم به في عام 2015، أي جعل سوريا إقليما حليفا خاليا من إيران وحلفائها، وأداة للتقارب القوي مع العالم العربي، خاصة مع المملكة العربية السعودية. في 2015، دعمت أنقرة علنا التدخل السعودي في اليمن، منددة بـ“إغراء الهيمنة الإقليمية” لإيران بل وحتى “للشيعة”2. اعتقد الرئيس التركي أن دعم بلاده والمملكة العربية السعودية للمعارضة السورية سيسمح للأخيرة بالانتصار، لكن مسار الأحداث أحبط خططه، مبعداً أنقرة عن الرياض، بينما اضطر في إطار عملية أستانا، أن يتقرّب حتى من طهران.

منذ ذلك الحين، عادت المملكة العربية السعودية إلى المشهد السوري، مقدمة نفسها كمنافس جدّي لتركيا غير العربية، والتي ستُعتبر وريثة للسلطة العثمانية السابقة لو زاد تدخلها عن اللازم. وقبل سقوط بشار الأسد حتى، نجح السعوديون على عكس الأتراك في إعادة علاقاتهم الدبلوماسية مع الرئيس السوري السابق. صحيح أنهم لم يسارعوا إلى إعادة فتح سفارتهم في دمشق، مثل الأتراك وحلفائهم القطريين، لكنهم عملوا بفعالية على رفع العقوبات الدولية عن سوريا، ويمكنهم أن يلعبوا دوراً مهماً في إعادة إعمار البلاد. وفي نفس السياق، كانت الزيارة الرسمية الأولى للخارج للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع إلى السعودية (…).

المسألة الكردية

يظل الموضوع الرئيسي الذي يثير قلق تركيا في التشكيل السوري الجديد هو المسألة الكردية، أو بالأحرى مصير الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (روجافا) التي تشكلت في شمال شرق سوريا منذ بداية الحرب الأهلية. وخلال الهجوم الذي شنه الثوار السابقون في أواخر عام 2024، أجبر الجيش الوطني السوري (الجيش السوري الحر سابقا، وهو تنظيم مقرب من الأتراك) المليشيات الكردية من وحدات حماية الشعب (YPG) على التخلي عن محافظة منبج. وما فتئت وزارة الخارجية التركية بعدها تؤكد أنه من المستبعد أن ترى “روجافا” وضعها المؤسسي مكرّساً في سوريا الجديدة، حيث يفكّر الرئيس أردوغان حتى في عمليات عسكرية جديدة عبر الحدود إذا لزم الأمر.

إقرأ على موقع 180  لإسرائيل أولويتها اللبنانية.. ماذا عن أولويات اللبنانيين؟

وقد قدّم النظام الجديد لاحقاً ضمانات لأنقرة، فخلال الزيارة التي قام بها إلى تركيا في 4 شباط/فبراير 2025، صرّح أحمد الشرع أنه لن يكون هناك “تسامح مع المجموعات المسلحة، خاصة تلك التي تهدد تركيا” وأن بلاده ستتخذ “جميع التدابير لضمان أمن الحدود التركية”، مستهدفاً ضمنياً المليشيات الكردية، دون تسميتها. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه التطمينات المبدئية ستتبعها إجراءات فعلية، لأنه، في الوقت الذي يسعى فيه النظام الجديد إلى استقرار البلاد وتعزيز حكم يحترم الأقليات، سيتردد في الانخراط في صراع مع الأكراد.

بين واشنطن وتل أبيب

يعتمد مصير “روجافا” على أطراف أخرى، منها بالطبع الولايات المتحدة، والتي ما فتئت تركيا تطالبها بوقف الدعم العسكري والمالي الذي تقدمه للميليشيات الكردية في الأسابيع الأخيرة من رئاسة جو بايدن. وعلى الرغم من ترحيب رجب طيب أردوغان لاحقاً بفوز دونالد ترامب، معرباً عن اقتناعه بأنه سيشهد إعادة إطلاق مشروعه لسحب القوات الخاصة الأمريكية الذي تم التخطيط له خلال ولايته الأولى (في عام 2019)، لم يتأكد هذا السيناريو بعد، وقد يتعارض مع وجود مستشارين مؤيدين للأكراد حول الرئيس الأمريكي السابع والأربعين4، وخاصة برغبة واشنطن في الاحتفاظ بنقاط دعم في المناطق الكردية، سواء في العراق أو سوريا، لا سيما لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية الذي يعيد تشكيل نفسه، في وقت يبدو فيه أن مغادرة الأمريكيين المُعلَنة من الشرق الأوسط قد تأجلت مرة أخرى.

من ناحية أخرى، يساهم تحول الوضع السوري في تقرّب تركيا جغرافياً وبشكل خطير من إسرائيل، التي استفادت أيضاً من سقوط بشار الأسد لتوسيع سيطرتها على الجولان المحتل. وقبل هذه الأحداث، وفي ذروة القصف الإسرائيلي الذي طال لبنان (وكذلك سوريا والعراق وإيران) في خريف 2024، كان الرئيس أردوغان قد دق ناقوس الخطر بالفعل عندما صرّح بأن بلاده قد تكون “الهدف التالي لإسرائيل”5. وكان هذا التصريح يهدف في نفس الوقت إلى استغلال قلق المجتمع التركي الذي كان يخشى آنذاك أن يتحمّل عواقب هذا التصعيد، ولو بشكل غير مباشر (خاصة على مستوى الاقتصاد والهجرة).

وتعتبر إسرائيل من جهتها أن التواجد التركي في سوريا “تهديد” لوجودها، بمستوى التهديد الذي كانت إيران تمثله لها6. وبالرغم من أنها غير مرجحة، فإن إمكانية المواجهة بين إسرائيل وتركيا لم تعد مستبعدة، حيث تدهورت العلاقات المتبادلة بين البلدين أكثر منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر2023.

وهكذا، إذا كان الوضع السوري الجديد يميل إلى تقريب تركيا من الأوروبيين، فإنه في المقابل يؤدي إلى تعقيد علاقة تركيا مع الولايات المتحدة وبخاصة مع إسرائيل. صحيح أن الأطراف الثلاثة رحّبت باستبعاد إيران من الخريطة السورية الجديدة، لكن الأبعاد الإسرائيلية والكردية قد تكون مصدراً لصراعات متجددة أو حتى جديدة بالنسبة لأنقرة (…).

ومنذ تشرين الأول/أكتوبر 2024، شرعت الحكومة التركية في استئناف عملية التسوية مع الأكراد التي قطعتها بشكل مفاجئ قبل عشر سنوات. وبدأ وفد من “حزب الشعوب الديمقراطي”، وهو التشكيل البرلماني الكردي في تركيا، سلسلة من الزيارات إلى جزيرة “إمرالي” حيث يقضي عبد الله أوجلان زعيم “حزب العمال الكردستاني” عقوبة السجن مدى الحياة، ودعا أوجلان إلى ترك السلاح وحل الحزب. وقد ساندت حكومة أربيل المحلية الكردية هذه الخطة، ورحبت به الأطراف الكردية التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بينما أكدت أنقرة أنها توشك على “حل المسألة الكردية”. بالرغم من ذلك، لا يمكن أن نتجاهل موجة القمع الشديد منذ بداية هذا العام، والتي انهالت على أعضاء البرلمان ونشطاء من المعارضة أو المجتمع المدني، حيث اتُهموا زيفا في أغلب الأحيان “بإقامة علاقات مع الإرهاب (الكردي)”. لذلك وجب الحذر من نتائج مسعى المصالحة، والمرتبط بدوره ببحث رجب طيب أردوغان عن حلول تسمح له بتعديل الدستور والترشح لولاية رئاسية جديدة.

(*) المصدر: “أوريان 21

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  الحريري لو يحمي لوحة لبنان على جدار العرب!