ترامب يُوظّف تهديدات نتنياهو.. لتعديل الخطوط الحمر الإيرانية

هيمنت التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، على الجولات الأخيرة من المفاوضات الأميركية-الإسرائيلية. وهذا ما أثار الكثير من التكهنات حول الأسباب والدوافع التي تقف خلف مشاغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من دون أن يغيب عن البال احتمال أن يكون المقصود من التهديدات، ممارسة المزيد من الضغوط على طهران.

سال حبرٌ كثيرٌ في توصيف العلاقة بين ترامب ونتنياهو، منذ فاجأ الرئيس الأميركي ضيفه الإسرائيلي في 7 نيسان/أبريل الماضي بقرار تحديد موعد الجولة الأولى من المفاوضات النووية مع إيران في 12 نيسان/أبريل الماضي في مسقط. تلا ذلك، إعلان ترامب، في أواخر الشهر نفسه، عن هدنة مع الحوثيين استثنت إسرائيل، وصولاً إلى إبرام “صفقة” منفردة مع حركة “حماس” لإطلاق الأسير الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر، ومن ثم قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا منتصف أيار/مايو، واللقاء مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في الرياض بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

في وقت سابق من الأسبوع المنصرم، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، عن محادثة هاتفية متوترة، في 24 أيار/مايو، بين ترامب ونتنياهو، بسبب إصرار الأخير على أن الوقت ينفد أمام توجيه ضربة لإيران، بينما يتمسك الرئيس الأميركي بإعطاء خيار التفاوض فرصة، وبأن “الأسابيع المقبلة تحمل أنباء سارة”.

ومع ذلك، فإن النهي الأميركي لإسرائيل، قابل للتأويل. فترامب قال عندما سُئِلَ عن صحة المكالمة المتوترة، إنه أبلغ نتنياهو أن الوقت “غير ملائم الآن لتوجيه ضربة عسكرية، بينما المفاوضات تسير في الاتجاه الصحيح”. لم يقل ترامب إنه ضدَّ الخيار العسكري بالمطلق، أو أنه حذّر نتنياهو من الإقدام على أمر كهذا خلال المفاوضات.

هنا يصير جائزاً الاستنتاج، ولو من دون الجزم، أن ترامب يستخدم نتنياهو رافعةً لانتزاع التنازلات من إيران ودفعها إلى العودة عن خطوطها الحمراء التي رسمتها عند بدء التفاوض.

بعد الجولة الخامسة (الأخيرة) في منزل سفير سلطنة عُمان في روما، أشاد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بوزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، قائلاً إنه “عمل على تشخيص العقبات واقتراح حلول عملية لتجاوزها”. بعدها بيومين، حطّ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في مسقط.

وكان لافتاً للانتباه ما أعلنه وزير خارجية إيران أن بلاده  تسلّمت أمس (السبت) مقترحاً أميركياً حول برنامج إيران النووي، وقال عراقجي في منشور له عبر منصة “إكس” إن وزير خارجية عمان بدر البوسعيدي أجرى زيارة قصيرة إلى طهران وعرض المقترح الأميركي على المسؤولين الإيرانيين، مشيراً إلى أن بلاده ستردّ عليه “بشكل مناسب بما يتماشى مع مبادئ ومصالح وحقوق الشعب الإيراني”.

وأعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت أمس (السبت) أن مبعوث الرئيس دونالد ترامب، ستيف ويتكوف أرسل “اقتراحا مفصلاً ومقبولاً” إلى إيران بشأن اتفاق نووي، وفق وكالة “رويترز”، وأضافت أن “من مصلحة إيران قبوله”.

وكانت وكالة “رويترز” قد نقل عن ما وصفتهما بـ”مصدرين إيرانيين مطلعين” على المحادثات النووية، أن طهران قد توقف تخصيب اليورانيوم مؤقتاً إذا أفرجت الولايات المتحدة عن أموالها المجمدة، واعترفت بحقها في تخصيب اليورانيوم للاستخدام المدني، بموجب “اتفاق سياسي” قد يؤدي إلى اتفاق نووي أوسع نطاقاً.

وبرغم النفي الإيراني الرسمي لرواية “رويترز”، فإن وزارة الخارجية في طهران أعلنت للمرة الأولى عن استعداد إيران للموافقة على مشاركة خبراء أميركيين في فرق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي ستراقب التحقق من تطبيق التزام إيران بنسبة التخصيب، التي قد يتفق عليها في أي اتفاق محتمل.

وبعد جولة روما (الخامسة)، تحدثت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، عن اتجاه لدى إيران وأميركا للتوصل إلى اتفاق إطار يرسم خريطة طريق للمفاوضات، يكون شبيهاً بالاتفاق الذي توصلت إليه طهران مع مجموعة “خمسة زائد واحد” في عام 2013، وتضمن إجراءات لبناء الثقة بين الجانبين، ولتمتد المفاوضات بعدها إلى عام 2015 وتتوج بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” (الإسم الرسمي للاتفاق النووي)، الذي سحب ترامب الولايات المتحدة منه في العام 2018.

هل الظروف متاحة الآن للتوصل إلى اتفاق مؤقت بين إيران والولايات المتحدة؟

طبعاً، الكلام عن اتفاق مؤقت قوبل بالرفض في إسرائيل، التي تخشى أن يتغلب توق ترامب إلى إبرام اتفاق، على خطوطه الحمر التي حدّدها في السابق، مثل عدم السماح بتخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية أو جعل المفاوضات مفتوحة زمنياً. وهو حدّد في رسالته التي بعث بها إلى مرشد الجمهورية الإسلامية، آية الله علي الخامنئي، “مهلة شهرين”، للتوصل إلى اتفاق. وإسرائيل تسأل أيضاً أنه حتى مع إبرام اتفاق “يُجمّد” تخصيب إيران لليورانيوم، ماذا سيكون مصير الكميات المخصبة بنسبة 60 في المائة و20 في المائة وحتى بنسب أقل؟ وماذا سيكون مصير أجهزة الطرد المركزي الحديثة القادرة على العودة إلى التخصيب بنسب عالية في حال انهيار الاتفاق؟ وبكلام آخر، تُريد إسرائيل “نصراً مطلقاً” يؤمّن لها استنساخ “النموذج الليبي”، أي التدمير الكامل للبرنامج النووي الإيراني.

يبحث ترامب عن انجاز خارجي، على الجبهة الإيرانية التي يراها مُتاحة الآن. وتقول مديرة سياسة حظر الانتشار في رابطة الحدّ من التسلح في واشنطن كيسلي دافنبورت لصحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” الأميركية “إن المفاوضات مع إيران، هي أفضل فرصة لترامب لحل أزمة دولية”

كل كلام أميركي أقل من ذلك يُقلق إسرائيل ويجعل نتنياهو متحفزاً للخيار العسكري ولو منفرداً، وهو يعلم أن ترامب لن يتركه وحده، في حال ردّت إيران على الضربة الإسرائيلية. الشعار الذي يرفعه نتنياهو ويجد تأييداً من الصقور في إدارة ترامب وفي الكونغرس، أن عدم الاتفاق مع إيران سيكون أفضل من “اتفاق سيء”. على هذا يجيب ترامب، بأن مهمته هي تحويل الاتفاق السيىء، والمقصود بها اتفاق 2015 إلى اتفاق جيد.

إقرأ على موقع 180  الضفة تشتعل.. كيف تقرأ الصحافة العبرية المشهد هناك؟

وعندما سألت مجلة “تايم” الأميركية ترامب في نيسان/أبريل الماضي، هل هو قلق من احتمال جرّ نتنياهو له إلى حرب مع إيران، أجاب: “إذا لم نُحرز اتفاقاً، فإنني أنا من سيقود” الحرب. بدا وكأن الرئيس الأميركي يطلب فرصة من نتنياهو لمعرفة إلى أين ستقود المفاوضات التي يُجيها مع إيران.

وعلى النقيض، يرى نتنياهو أن الفرصة المطلوبة أميركياً، تُضيّق فرصة نجاح أية ضربة عسكرية في حال أعطيت إيران مزيداً من الوقت لترميم قدراتها التي تضررت بفعل هجومين إسرائيليين العام الماضي، خصوصاً إذا ما تبين أن واشنطن في وارد الموافقة على الاتفاق المؤقت، بما يُقيد حركة إسرائيل.

ومع تعثر ترامب على جبهتي أوكرانيا وغزة وحرب التعريفات الجمركية (لا سيما مع الصين)، واستعانة الكنديين بالتاج البريطاني (زيارة الملك تشارلز الثالث الأسبوع الماضي لأوتاوا) لدرء التهديدات الزاحفة عليهم من الجنوب، وفي ذروة معاندة الجامعات الأميركية لسياسة الحرمان من التمويل والطلاب الأجانب، يبحث ترامب عن انجاز خارجي، على الجبهة الإيرانية التي يراها متاحة الآن. وتقول مديرة سياسة حظر الانتشار في رابطة الحد من التسلح في واشنطن كيسلي دافنبورت لصحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” الأميركية “إن المفاوضات مع إيران، هي أفضل فرصة لترامب لحل أزمة دولية”.

ويُدرك الإيرانيون، الذين يعترف العالم بخبرتهم الواسعة في التفاوض، حاجة ترامب إلى اتفاق أكثر من الحاجة إلى حرب من شأنها إغراق الشرق الأوسط في مزيد من الإضطراب وعدم الاستقرار، وبالتالي من شأن ذلك أن يُبعد ترامب عن فرصة نيل جائزة نوبل أكثر فأكثر.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  قمح حلب ينتظر الحصاد على خطوط التماس: الأمن الغذائي على طاولة المفاوضات