لبنان مرةً جديدةً أمام الارتهان. كارثةٌ تتكرَّرُ منذ ما يُسمَّى "الاستقلال". الاستقلالُ وهمٌ ولعبةٌ. قطعةُ "أكسسوارْ" في دستورٍ لم يُطَبَّقْ وإنْ بِعوْراتِهِ. كان مجرَّدَ هُلامةٍ في بياناتٍ رئاسيّةٍ ووزاريّةٍ.
لبنان مرةً جديدةً أمام الارتهان. كارثةٌ تتكرَّرُ منذ ما يُسمَّى "الاستقلال". الاستقلالُ وهمٌ ولعبةٌ. قطعةُ "أكسسوارْ" في دستورٍ لم يُطَبَّقْ وإنْ بِعوْراتِهِ. كان مجرَّدَ هُلامةٍ في بياناتٍ رئاسيّةٍ ووزاريّةٍ.
يقول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إنه يريد إنهاء حرب غزَّة وتوسيع "اتفاقات أبراهام" بإضافة السعودية، وتخفيف الالتزامات العسكرية، وخفض أسعار الطاقة، وخلق صين أكثر طاعة، وإنهاء البرنامج النووي الإيراني. تحقيق هذه الأهداف "يتطلب مقايضات صعبة، واستراتيجية أكثر تعقيداً من مجرد مهاجمة إيران وحلفائها"، كما تقول المحللة سوزان مالوني في مقالة مطولة في "فورين أفيرز".
لا أعلم إن كان هناك من كان قادراً على التنبؤ بانهيار نظام بشار الأسد بهذه السرعة. فلو أن أحداً خاطبني قائلاً بأن المعارضة المسلحة ستصل إلى دمشق يوم 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، وبأن الأسد سيكون قد غادرها، لضحكت بغرور الباحث، وقلت: كم قتلتنا وتقتلنا الرغبوية!
بعد 54 عاماً من إمساكه بالسلطة، سقط حكم حزب البعث في سوريا، في غضون عشرة أيام، ومن دون أية مقاومة، وذلك تتويجاً لمسار دشّنته المجموعات السورية المسلحة فور دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في لبنان فجر 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
هل كانت محضَ صدفةٍ زمنية، أن تبدأَ الجماعاتُ المسلّحة هجومَها على سوريا من مدينة حلب في الرّابعة من فجر الأربعاء 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أي في الدّقيقة نفسِها، للسّاعة نفسِها، من اليوم نفسِه، وفي الشهر نفسِه، لبَدء وقفِ العدوان الإسرائيلي على لبنان؟
كثيرةٌ هي الأسئلة التي طُرِحت مؤخراً حول الدور الذي لعبه ويلعبه وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في مسار التفاوض للتوصل إلى وقف إطلاق النار مع لبنان، وكثيرةٌ هي الأسئلة عن خلفية هذا المفاوض الإسرائيلي المتمرس إضافة إلى كونه موضع ثقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لطالما كلّفه بأدوار خارجية محورية وحسّاسة.
غليانٌ استراتيجيٌ يُحيط بلبنان.. هذا أقلُّ ما يُوصَفُ به وضعنا الراهن. لا يخدعنَّ وقفُ إطلاق النار أحداً. ولا يتوهمَّنَ أحدٌ أنَّ الصدفةَ وحدَها تكمُنُ خلف تزامنِ وقفِ إطلاق النار هنا، والعودة إلى إطلاق النار في سوريا. وبين هذين الحدَّينِ وحدة سوريا في خطر، ووحدة لبنان في خطر.
ثمة بشرٌ لا يعرفون ما هي غزة ولا أين يقع لبنان، ساروا في تظاهرات يصرخون في شوارع العواصم الأوروبية والأميركية: أوقفوا مذابح الأطفال، أوقفوا إبادة الشعب الفلسطيني. هذا الشعور بالمسؤولية عمّ نتاج الأدباء والشعراء والكتّاب والمفكرين، ولم يعد ممكناً لشاعر أن ينظم قصيدة ولا لكاتب أن ينظم فكرةً من خارج المسؤولية تجاه هذا الفضاء المأسوي.
في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز"، أكد مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاسترايتيجية، محمد جواد ظريف(*)، أن طهران "لا تمانع في إجراء محادثات مع واشنطن تضمن مصلحة الطرفين". وأنها "مستعدة للانخراط في ذلك مع جميع الدول من أجل منطقة تنعم بالسلام والإستقرار والإزدهار، لكنها لن تستسلم لأي ضغوط أو مطالب غير معقولة"، داعياً إلى عدم تفويت الفرصة والإستفادة من "الشريك المثالي- إيران".
حتى الأمس القريب، كانت الأجواء تشي بأن الاتفاق على وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل مؤجل إلى حين قدوم الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، فيُبادر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الطامح إلى التعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة إلى تقديم ما ينبغي تقديمه إلى ترامب وليس إلى إدارة جو بايدن!.