
"كي نتمكن من البقاء في تل أبيب، علينا الصمود في النقب". عبارة قالها دافيد بن غوريون قبل سبعين عاماً ونيف، حدَّد بها "السور أو الجدار" الذي لا بد من إقامته من أجل "الصمود" في "عصب الدولة" ومركز ثقلها الحيوي على كل المستويات.
"كي نتمكن من البقاء في تل أبيب، علينا الصمود في النقب". عبارة قالها دافيد بن غوريون قبل سبعين عاماً ونيف، حدَّد بها "السور أو الجدار" الذي لا بد من إقامته من أجل "الصمود" في "عصب الدولة" ومركز ثقلها الحيوي على كل المستويات.
عندما حدثت ثورة 17 تشرين/أكتوبر 2019، ظهر فجأة لدى اللبنانيين "سوبر هوية"، أو هوية فوق الهويات الطائفية. انفردت تنظيمات طائفية شيعية، وهاجمت المتظاهرين، وهي تهتف "شيعة-شيعة"، لتأكيد الانفصال عن هذه الهوية "السوبر". أصر أكباش الطائفة الشيعية على طابع الجماعة المغلقة. أسدل الستار على الثورة وجاءت الانتخابات النيابية.
تُعدّ أعداد جريدة "السفير" التي صدرت خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان، في عام 1982، من العلامات الفارقة في مسيرتها، أو كما يقول طلال سلمان "من أمجد الأعداد التي صدرت"، على الرغم من أنّه لم يكن موجوداً في لبنان آنذاك. فريق العمل الصامد هو من اتخذ قرار البقاء في الجريدة، والحرص على استمرار صدورها، علماً أن سلمان لم يفرض على أحد شيئاً، وترك لكلّ شخص حرية الاختيار. ولأنها من أمجد الأعداد، ولأنّ فريق العمل يستحق التنويه، حرص سلمان خلال المقابلات التي أجريناها معه نهاية العام 2016، على تقديم "شهادة للتاريخ" عن مغامرة "هؤلاء الأبطال"، فتوقف عند هذه المحطة وسرد تفاصيلها من المكان الذي واكبها فيه: العاصمة الفرنسية باريس.
في الشهور الأربعة الأخيرة من العام 2016، كنا على موعد أسبوعي مع رئيس تحرير جريدة "السفير" طلال سلمان في إطار التحضير لفيلم وثائقي. ينسحب من مكتبه في الطابق السادس ويوافينا إلى "غرفة الاعترافات" كما أسماها، ليحكي قصة شاب لبناني فقير استطاع تأسيس واحدة من أهم الصحف في الوطن العربي... وقرّر أن يقفلها بعد 43 عاماً. ندر أن تمر جلسة من جلسات "إعترافات" طلال سلمان، إلا وكان يأتي فيها على ذكر سوريا ورئيسها الراحل حافظ الأسد، الذي التقاه سلمان على مدى سنوات حكمه التي قاربت الثلاثين نحو 10 مرات، وكانت لقاءات تمتد لساعات طويلة أتاحت له الاطلاع عن قرب على شخصية هذا الرجل "الاستثنائية" كما يصفها.
كان واضحاً منذ انكسار الهجوم الإسرائيلي المحدود على مخيم جنين في 19 حزيران/يونيو المنصرم أن قدرات المقاومة الفلسطينية قد تطورت بدرجة تستدعي تغيير التكتيك الذي يتبعه جيش الإحتلال في مواجهة المقاومة.
بعد مائة سنة من الاحتلال، فشلت الآلة المعرفية الصهيونية بمعية القوة العسكرية والسياسية في لي إرادة الشعب الفلسطيني وفشلت أيضًا في التأثير على الشعوب لطمس تاريخ وحضارة فلسطين، بل وعقيدة وآيات ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم ومبعث الرسالات ومركز الجهاد والتغيير وقيادة الأمة.
إنها المحاولة الإسرائيلية الرابعة لاقتحام مدينة جنين ومخيمها هذه السنة، إلا أنها تميّزت في استخدام المقاومين الفلسطينيين تكتيكات جديدة أنزلت خسائر فادحة بالقوة المعادية وأجبرت قيادة جيش الإحتلال على فتح تحقيق في حيثياتها، وعادة لا يجري تحقيق كهذا إلا حين يتألم الإسرائيليون ويواجهون أمراً غير مألوف يكسر اعتياديتهم في القتل!
المفارقة كانت سوريالية. ففيما كان أربعة من أبرز أقطاب الفكر والاستراتيجيا الفلسطينيين يناقشون بحماسة متّقدة ودافقة وسائل تطوير "الثورة الدائمة" و"المقاومة الأبدية" للإحتلال والعبودية والاستسلام لموازين القوى الراهنة، كان كاتب هذه السطور ينفصل بذهنه لاشعورياً عن المكان ويجول لا إرادياً في الزمن العربي الراهن.
الفلسطيني الجديد يتوالد. يُصوّب ويُصيب. هو المجهول المعلن. لم يعد القبضة فقط. ميزته أنه أنهى عصر الكلام والجمل الفارغة. وضع نقطة حاسمة على الخطابية المجوَفة والآمال النفاقية.
ماذا تعني عملية القدس التي نفّذها البطل الفلسطيني خيري علقم؟ أهي هواية أم غواية أم حالة مرضية أم حالة غير مُرضية وصلت الى حد اليأس، فجاءت ردّة فعل على ما يصيب الفلسطينيين منذ عقود من الزمن؟