إنتقل اللبنانيون من حالة الإنكار التاريخية الى حالة الإنفصام بين الطبقة الحاكمة وعامة الناس، وفي داخل كل فرد لبناني وكل طائفة.
إنتقل اللبنانيون من حالة الإنكار التاريخية الى حالة الإنفصام بين الطبقة الحاكمة وعامة الناس، وفي داخل كل فرد لبناني وكل طائفة.
لبنان ينحدر من أزمة الى أخرى. الطبقة الحاكمة بقوة إتفاق الطائف فقدت المقدرة على وقف الانهيار وراعيها الإقليمي إما يقف مأزوماً أكثر منها (سوريا) أو متفرجاً (الخليج) أو منتظراً (الولايات المتحدة) حتى يكتب الله أمراً كان مفعولاً مع آيات الله.
يغلب على ظاهر الإشتباك بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، طابع النزاع او الصراع على تشكيل الحكومة، ومع غلبة ظاهر الأشياء على باطن المضمون، تتقدم إلى واجهة الخطاب العام مفردات "الثلث المعطل" والتحاصص الوزاري وما يقاربها أو يبتعد عنها خطوة في التعبير أو قيد أنملة في التفسير.
لا يرتقي خطاب سعد الحريري في الذكرى الـ 16 لإستشهاد والده رفيق الحريري، للمناسبة ذاتها. كان يمكن لخطابه أن يُقال مباشرة بعد لقائه الأخير برئيس الجمهورية ميشال عون، لكأنه فضّل أن يُغلّب الراهن، برغم عدم إتصاله بالمناسبة نفسها.
قد يكون بهيج طبارة خذلنا كقرّاء في "كتابات في دولة القانون"، لأننا إنتظرنا منه أن يفرج لنا عن كثير من فصول تجربته الغنية في حقول القانون والمحاماة والسياسة، فإذا به يختصر ليقتصر كتابه الجديد على ما أراد الإشارة إليه هو، بكل ما يحمل من دلالات قوية ومعبرة.
كأن التدمير الممنهج الذي يعيشه لبنان حالياً، هو جزء من الصدام او الصفقة، فالأحداث في لبنان، كالاغتيالات، تحصل في لحظة صدام أو صفقات اقليمية ودولية، ويكون اللبنانيون فيها مجرد بيادق على رقعة الشطرنج.
من يدخل الى كواليس الحركة السياسية في لبنان يُدرك أن كل تفصيل يصبُّ عند الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أو عند رئيس مجلس النواب نبيه بري. ومن يتابع الوساطات الجارية لاستئناف المفاوضات الاميركية ـ الإيرانية، يُدرك ان المصالح قد تتقدم مرة ثانية على العداوات.
بات لبنان دولة أكثر من فاشلة بإمتياز. لم تعد المقويات السياسية والاقتصادية والمالية، سواء أتت من الداخل وهي قد نضبت، أو من الخارج وباتت شحيحة، مفيدة للترميم. لا بد من الذهاب نحو الأصل: هذا النظام لم يعد صالحاً لوحدة لبنان واستقراره وازدهاره.
إنه سعد الحريري الثالث. نسخة لا تنعتق من سابقتيها ولكن الأهم فيها أنها تضع هذا الزعيم السياسي على سكة لبنانية أكثر رحابة، لا سيما عندما تضيق الخيارات الإقليمية والمحلية، فلا يكون مُحرجاً بحليف أو صديق أو ديوان. لنقرأ سوية مضمون إطلالة سعد الحريري مع الزميل مارسيل غانم ضمن برنامج "صار الوقت" ليل الخميس الماضي.
برغم مناخ التأليف الحكومي، على إيقاع المبادرة الفرنسية، هناك ما يستدعي التدقيق والتحليل: علاقة سعد الحريري بالسعودية. هذا العنوان له ما قبله، وله حتماً ما بعده.