الهُدَن لحظات في الحروب، لا تعني نهايتها اتفاقاً لوقف إطلاق النار، بل قد تؤدّي إلى تأجيجها. أغلب الحروب عرفت منذ القدم لحظات هُدَن، بما فيها الحروب العالميّة الكبرى والحروب الأهليّة.
الهُدَن لحظات في الحروب، لا تعني نهايتها اتفاقاً لوقف إطلاق النار، بل قد تؤدّي إلى تأجيجها. أغلب الحروب عرفت منذ القدم لحظات هُدَن، بما فيها الحروب العالميّة الكبرى والحروب الأهليّة.
لم تكُن حرب تشرين الأوّل/أكتوبر 1973، برغم حجم الأعمال العسكريّة والرمزيّة التي تُحاط بها، أهمّ حربٍ عربيّة-إسرائيليّة، بل كانت تلك الحرب التي لم يعُد يذكرها الكثيرون، والمعروفة بـ"حرب الاستنزاف". واليوم يعيش العالم العربي حرب استنزاف جديدة، الذين ينزِفون فيها هم الفلسطينيّون وأبناء سورية ولبنان واليمن وليبيا… دون مقابل.
في مقالة له في "هآرتس"، أجرى المحلل تسفي برئيل تقييماً للخطاب الثاني لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ولمقررات مؤتمر القمة العربية والإسلامية التي عقدت في الرياض، على الشكل الآتي:
اليسار العربي هُزم وقواه واهنة ومنقسمة حول كل القضايا بإستثناء فلسطين. لكن أشباحه لا تزال حاضرة، وإعادة بنائه يفتح آفاقاً للمستقبل"، بحسب تقرير لموقع "أوريان 21" للكاتب نيكولا دوت بويار(*)
إذا تأملنا مسار العالم العربيّ خلال السنوات الأخيرة نجده هادئاً ومستقراً في بعض جهاته ومجتمعاته وبلدانه، ومضطرباً وعاصفاً في أخرى؛ باعثاً على القوّة والأمل، وخاصَّة مع بداية التحولات العربيّة في تونس ومصر؛ أو على الخوف والإحباط، مع تحول الأوضاع إياها إلى أزمات ممتدّة كما في الجزائر والسودان والعراق وتونس؛ وحروب مركبة، كما في ليبيا واليمن وسوريا.
ثمّ ماذا؟ وكيف ستنتهي هذه الجرائم ضد الإنسانيّة بحقّ الفلسطينيين ليس فقط في غزّة بل أيضاً في الضفّة؟ وكيف سيعاد ترتيب المنطقة بعد هذه الحرب؟
أحزنُ كثيراً، في داخلي، عندما أتحاور مع بعض أهلي اللّبنانيّين، خصوصاً منهم الشّباب، وفي سياق ما يجري حولنا اليوم، لا سيّما في غزّة الحبيبة وفي فلسطين المحتلّة. لا أُبدي هذا الحزنَ أمامَهم دائماً، ولكنّني مقتنعٌ بأنّنا أمام مشكلة حقيقيّة وعميقة.. وكبيرة في هذا المجال.
لا بد من الوقوف على طريقة الغضب الأميركية والغربية حيال يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر ومدى تشابهها مع الحملة التي خِيضت ضد روسيا مع بدء الأزمة الأوكرانية، ذلك أن الحدثين، وإن تباعدت المسافة بينهما، جغرافيًا وزمنيًا، لكنهما على رقعة الشطرنج ذاتها: مبارزة بين أحادية قطبية يأفل نجمها وتعددية قطبية تتبلور تدريجياً.
ما أن إنتهيت من كتابة هذه المقالة، حتى بدأت تتوالى الأنباء عن المجزرة الوحشية المروعة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي، ليل أمس، في المستشفى المعمداني في غزة وذهب ضحيتها مئات الشهداء؛ وأول تعليق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان هذا: "قصف مسشفى فيه نساء وأطفال ومدنيون أبرياء هو آخر مثال على الهجمات الإسرائيلية المجردة من أبسط القيم الإنسانية". حتمًا ما بعد هذه المجزرة ليس كما قبلها، فإذا لم يتحرك الشارع الدولي والإسلامي والعربي، فسيكون موت الشهداء.. إيذاناً بموت ما تبقى من ضمير عالمي وإنساني.
كما أن لاحتلال فلسطين أثر مهم على انتكاسة نهضة الأمة العربية، فإن لبدء نهوض المقاومة العربية في فلسطين أثر مهم في حماية المحيط العربي. وبما أن "إسرائيل" هي ذراع للأطلسية في منطقتنا، فإنه لا يمكننا قراءة المشهد الحاصل في عملية "طوفان الأقصى" إلا في ضوء عالم جديد يتشكل حالياً.