مرحلتان على طريق بناء الدولة القادرة.. وحصريّة السلاح

على المجتمع اللبناني بأكمله أن يتفهّم هواجس الجنوبيين حتماً، فإسرائيل على حدودهم. وإنّ كفاح أهل جبل عامل وقرى العرقوب بوجه اعتداءات النظام الصهيوني المستمرّة على قراهم يرجع إلى الأيام الأولى لتأسيس إسرائيل، قبل أن يكون هناك مقاومة وقبل أن يوجد شيء اسمه حزب الله.

بالمقابل، على جمهور حزب الله أن يتفهّم أنّ باقي المجتمع اللبناني لا يُمكن أن يقبل بعد اليوم أن تتسلّح طائفة دون سواها. وإذا تسلّح الجميع فإنّ ذلك سوف يُهدّد السلم الأهلي حتماً. لذلك لا بدّ من حصر كلّ السلاح وقرار الحرب والسلم بيد المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية، مؤسسات الدولة التي تمثّل الإرادة العامة للمجتمع اللبناني. ولا بدّ من تعزيز إمكانيات الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية لكي تكون قادرة على صون أرضنا وحماية مجتمعنا، وردع كلّ تهديد وصدّ كلّ عدوان.

مقاومة أم ردع إستراتيجي؟

إذا كان المجتمع اللبناني قد قبل بتسلّح حزب الله تحت شعار المقاومة في فترة معيّنة، فذلك لأنّ مجتمعنا كان مقتنعاً بأنّه هناك أراضٍ لبنانية محتلّة لا بدّ من تحريرها. وعندما حصل التحرير في 25 أيار/مايو العام 2000 أصبحت مبرّرات الإبقاء على السلاح ضعيفة وغير مقنعة، إذ أنّ الطبيعي هو أن ينتهي دور المقاومة مع انتهاء الاحتلال. غير أنّ حزب الله أصرّ على التمسّك بسلاحه، ودمج بين مفهوم المقاومة وعنوان حزب الله فأصبحا وكأنّهما مرادفان لشيء واحد. كما استمرّ في مضاعفة قدراته القتالية، مستنداً إلى النزاع الحدودي حول مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ومرتكزاً على تعميق التحالف بين النظام السوري المسيطر على لبنان والنظام الإيراني الذي يشكّل حزب الله امتداداً عقائدياً وعسكرياً وسياسياً له.

وعلى التوالي، قام حزب الله بتوسيع مفهوم المقاومة، فجعله يشمل قدرات الردع الاستراتيجي، وأرسى بالتالي عقيدة عسكرية جديدة ومحدّثة، ومنفصلة بشكل كامل عن الدولة اللبنانية.

ومع توسيع مفهوم المقاومة الذي أرساه حزب الله، توسّعت قدراته وتعاظمت عدداً وعدة وتجهيزاً، بدعم مباشر ومستدام من النظام الإيراني. وترافق ذلك مع تعاظم دور المؤسسات الاجتماعية والمالية والاقتصادية والتربوية والثقافية والسياسية لحزب الله، وذلك كي تُلبّي الحاجات المتعاظمة لجسمه الجهادي. وكلّ ذلك بدوره أسهم في تعاظم الكتلة البشرية الداعمة لحزب الله، “بيئة المقاومة”، كما يُسميها قادة الحزب.

هواجس الطوائف.. والعقد الإجتماعي القلق

مع تزايد قوّة حزب الله تزايد بالمقابل القلق لدى القوى السياسية الأخرى الموجودة في لبنان، إذ تبيّن لهم أنّ الحزب يريد إخضاع الدولة والمجتمع اللبناني لمشروعه ودوره الإقليمي العابر للحدود. وبالفعل، أصبحت قضية المقاومة، بتعريفها الجديد الذي فرضه حزب الله، قضية قائمة بذاتها. وأصبحت الدولة اللبنانية، لا سيّما خلال العقد الأخير، وكأنّها مُسخّرة لخدمة تلك المقاومة، لوجستياً ودبلوماسياً، وهذا ما لا يمكن القبول به في لبنان، ولا يمكن للعقد الاجتماعي اللبناني القلق أن يحتمله.

هذا الواقع المتعاظم، أصبح يُهدّد وحدة مجتمعنا اللبناني بشكل جدّي. وعوضاً عن مواجهة الحزب بمشروع جدّي لبناء الدولة القادرة والعادلة ذات السيادة الكاملة، التي تنهي المرتكزات التي يستند إليها حزب الله لتبرير احتفاظه بقوته العسكرية، فإنّ زعماء وأحزاب الطوائف اللبنانية حاولوا الاستفادة من قوة حزب الله عبر خيارين مختلفين. فبعض الأحزاب قد لجأت إلى خيار الإذعان لقوّة الحزب فتحالفت معه. وبالمقابل، استفادت أحزاب طائفية أخرى من قوة حزب الله عبر تخويف جماهيرها منه، ذلك لكي تبقى جماهير تلك الأحزاب تحت جناح أحزابها بحجّة أنّها الوحيدة التي تحميها. أمّا الأقلّية الشعبية العلمانية المعارضة فبقيت وحدها متمسّكة بمشروع الدولة القادرة والعادلة ذات السيادة الكاملة كثلاثية لا تتجزأ؛ أي مشروع الدولة القادرة على الإمساك بزمام الأمور وحماية المجتمع والأرض، والتي تؤمّن العدالة الاجتماعية والمناطقية، والتي تفرض سيادتها الكاملة على أرضها وبحرها وجوّها وقرارها السياسي والأمني.

لقد شهد العقدان الأخيران تصاعداً متزايداً للخطاب المشكّك بسلاح حزب الله. ولقد عزّز ذاك التصاعد انخراط الحزب أكثر فأكثر في السياسة اللبنانية بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، والسلوكيات التسلّطية التي انتهجها حزب الله في الداخل اللبناني لا سيما في ضوء أحداث أيار/مايو 2008 وكلّ ما تلاها، وصولاً إلى تكريس المكاسب السياسية التي حصل عليها “الثّنائي الشيعي” في اتفاق الدوحة كأمر واقع. كلُّ ذلك أدى إلى تزايد القلق داخل لبنان من الاختلال الكبير في موازين القوى السياسية نتيجة وجود طرف مسلّح قادر على فرض شروطه السياسية عندما تدعو الحاجة، الأمر الذي بات يُشكّل تهديداً جدياً للديموقراطية ولتكافؤ الفرص في العمل السياسي.

ولو عدنا إلى خطاب الحزب نفسه نجد أن نائبه عن قضاء مرجعيون د.علي فياض قال ذات يوم إنّ إنكار الهواجس الكبرى لدى الطوائف لن يجدي نفعاً، سواء كانت تلك الهواجس حقيقية وفعلية أم كانت وليدة المبالغات والأوهام، لأنّه في كلتا الحالتين يبقى أثر الهواجس واقعيّاً من حيث المواقف والسلوك.

وبالفعل، هناك شرائح واسعة في المجتمع اللبناني تضاعفت هواجسها من تعاظم قوّة حزب الله، وباتت تتوجّس من سطوته ومن تأثير سلاحه في المعادلات السياسية الداخلية. تلك الهواجس لا يكفي إنكارها لأنّها هواجس موجودة ومتجذّرة.

إنّ تضاعف تلك الهواجس هو نتيجة عوامل متعدّدة ومختلفة، أهمّها قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رفيق الحريري والذي أشار إلى تورّط قيادات أمنية من حزب الله في الاغتيال. يُضاف إلى ذلك عقدان من الغموض حول الاغتيالات السياسية التي حصلت في لبنان منذ عام 2004، هذا فضلاً عن الحديث عن تدخلّ مباشر وغير مباشر من قبل حزب الله لعرقلة التحقيق في تفجير مرفأ بيروت. ولقد تضاعفت الهواجس وتعمّقت بعد مشاركة حزب الله في معارك خارج الحدود اللبنانية، لا سيما في سوريا، وتكريس دوره كلاعب إقليمي يشكّل ذراعاً فعّالة للنظام الإيراني، الأمر الذي فاقم الإشكالية السيادية المرتبطة بسلاح الحزب ودوره في لبنان.

ولأنّ الدولة اللبنانية كانت تحت سيطرة حزب الله بشكل أو بآخر، فإنّ لبنان دفع ثمناً كبيراً للنزاع الإقليمي كونه أصبح منحازاً للمحور الذي يقوده النظام الإيراني بوجه الحلفاء التقليديين للبنان. كلّ ذلك وصولاً إلى قيام حزب الله بالتدخّل المباشر لمواجهة وقمع احتجاجات تشرين 2019، التي قامت بوجه منظومة الفساد التي قادت البلاد إلى الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي. فقد اعتبر حزب الله أنّ تلك الاحتجاجات الشعبية موجّهة ضدّه بشكل أو بآخر، فكرّس نفسه كمركز ثقل ونقطة ارتكاز المنظومة المالية والاقتصادية والسياسية الحاكمة.

في ظلّ الظروف الدقيقة التي يمرّ بها لبنان والإقليم بأكمله، فإنّه لا بدّ من مسار تفاوضي بين الدولة اللبنانية ممثلة برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء المعنيين من جهة، وحزب الله من جهة أخرى. هدف التفاوض هو إيجاد الصيغة المناسبة لحصر السلاح بيد الدولة وليس البحث في إمكانية تطبيق هذا الأمر، كونه مسألة محسومة في الدستور وفي اتفاق وقف الأعمال العدائية، كما في القرار 1701

حرب الإشغال التي أكدت المؤكّد

ثم جاءت حرب الإشغال التي دخل فيها حزب الله بقرار منفرد ومنفصل عن الدولة اللبنانية في تشرين الأول/أكتوبر 2023، غداة اندلاع “طوفان الأقصى” الفلسطيني. وأمام مجتمع دولي، هو في الأصل منحاز للنظام الصهيوني، زاد الأمر سوءاً على لبنان إذ أصبح بلدنا في موقع المعتدي في نظر الكثير من دول العالم المؤثرة.

وفي حرب الإشغال هذه، تأكّد المؤكّد. إذ قد ينجح العمل المقاوم في منع الاحتلال من التوغّل في أرضنا والبقاء فيها طويلاً، غير أنّه لا يمكنه أن يردع إسرائيل. فردع إسرائيل يحتاج إلى دولة قوية وقادرة، تتكامل فيها جميع الأدوار السياسية والعسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية، كما إلى تحضير البنى التحتية والملاجئ والهيئات الصحية وهيئات المجتمع والدفاع المدني، كما تحتاج اقتصاداً فاعلاً ومنتجاً ولا غنى عنه بالنسبة لباقي الدول. دولةٌ يكون فيها الخيار العسكري ملاذاً أخيراً مكمّلاً للتوجهات السياسية والاستراتيجية، وليس العكس.

إقرأ على موقع 180  الشرق الأوسط "المزعج" لأوباما: داعش عاصفة في فنجان! (5)

وبالفعل، لقد أثبت مقاتلو حزب الله في المواجهة البرية عن قدرات قتالية وكفاءة لا تُضاهى، إذ دافعوا عن قراهم وبلداتهم ببسالة استثنائية وبطولة ملحمية، ومنعوا جيش النظام الصهيوني من التقدّم. غير أنّ الآية كانت مقلوبة، فكان الخيار السياسي الدبلوماسي هو الملاذ الأخير بعد استنفاد الخيار العسكري وبعد أن تكبّد بلدنا ومجتمعنا خسائر هائلة، الأمر الذي أدى في النهاية إلى فرض اتفاق قاس على لبنان هو اتفاق وقف الأعمال العدائية. أما وضعية حزب الله فقد صارت أسوأ بعد سقوط النظام السوري الذي كان شريان حياة لحزب الله، وبعد تغيّر موازين القوى الإقليمية بشكل دراماتيكي على حساب المحور الذي ينتمي إليه حزب الله إقليمياً.

امّا وقد حدث كلّ ما حدث، فلا بدّ من الانتقال إلى مرحلة جديدة، وخطوات جدّية تؤسّس لبناء الدولة القادرة والعادلة ذات السيادة الكاملة.

خطوة إلى الوراء، خطوتان إلى الأمام

لقد فرّط لبنان بعد إنجاز التحرير بفرصة نادرة لاستكمال تطبيق الدستور واتفاق الطائف، لا سيما في البنود المرتبطة ببسط سيادة الدولة وحصر كلّ السلاح بيد مؤسساتها الأمنية الرسمية. ولو حصل ذلك وقتها، على وقع انتصار التحرير المدوّي ووسط إجماع كامل للمجتمع اللبناني، لكنّا وفّرنا على بلدنا الكثير من المآسي. إنّما كان للنظام السوري والنظام الإيراني كلام آخر على حساب بلدنا ومصلحته وسيادته. إنّ الظروف التي يعيشها لبنان اليوم تختلف جذرياً عن الظروف التي كانت في العام 2000 بعد التحرير، ولا سيما ظروف الجمهور الذي بات يُعرف بجمهور المقاومة الذي ما زال يعيش تداعيات نكبة فعلية. غير أنّ الفرصة موجودة اليوم لاستكمال بسط سيادة الدولة وحصر كلّ السلاح بيد مؤسساتها الأمنية الرسمية بشكل سريع وسلس.

ولم يكن يوم الوداع الكبير للأمين العام التاريخيّ لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله تشييعاً شعبياً فحسب، إنّما إعلاناً لنهاية حقبة وبداية حقبة جديدة. ولقد كان كلام الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم تمهيدياً لجمهور حزبه للانخراط في المسار السياسي والخروج من مسار العسكرة. كما شملت كلمته إيحاءات واضحة تقرّ بأنّ الدولة القادرة هي التي تحمي أرضنا ومجتمعنا، وبأنّ التنافس السياسي لخدمة المجتمع، تحت سقف الدولة واتفاق الطائف، هو خيار الحزب في المرحلة القادمة.

ولقد تزامن كلام نعيم قاسم مع كلام واضح لرئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون أمام رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، إذ أكّد أنّ لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه.

وفي مقابلة أُجريت مع القيادي في حزب الله غالب أبو زينب، في مساء يوم التشييع الكبير، كان هناك كلام واضح يُفهم منه الآتي: لقد سلّمنا المواقع والسلاح في جنوب الليطاني، أمّا المقاومة فهي تبقى حقّاً لنا في حال استنزفنا الوسائل الدبلوماسية بعد وقت طويل. وفي هذا الكلام تغيير جذري في المنهجية السابقة لحزب الله التي كانت تعطي الأولوية للخيار العسكري. غير أنّ أبو زينب ما لبث أن أضاف كلاماً يُفهم منه أنّه في شمال الليطاني فإنّ تسليم السلاح مشروط باستكمال تطبيق الطائف. وعلى الأرجح فإنّ أبو زينب إنّما هو يقصد تحديداً إلغاء التوزيع الطائفي للمناصب، وذلك بهدف تكبير الحجم السياسي للحزب في مؤسسات الدولة. وهذا المنحى هو غير مطمئن، لأنّ المطلوب في لبنان ليس إلغاء التوزيع الطائفي للمناصب، بل فصل الدين عن السياسة بالكامل. وفصل الطائفية والدين عن السياسة إنّما هو يمتد إلى قانون جديد للأحزاب يمنع تشكيل أحزاب سياسية على أساس طائفي بشكل يهدّد وحدة المجتمع. ذلك هو إنهاء الطائفية السياسية بمعناها الحقيقي والعميق. ثمّ يبقى موضوع تطبيق اللامركزية الإدارية الموسّعة، وهذا إصلاح أساسي لا يمكن فصله عن استكمال تطبيق اتفاق الطائف.

لست من أشدّ المعجبين باتفاق الطائف، وهو قد قام في ظروف مختلفة عن ظروف اليوم. وبنود الاتفاق والإصلاحات التي طرحها لا تأخذ بالاعتبار المتغيّرات التي حصلت قبل العام 2000، ومنذ العام 2000 حتى اليوم. وأحد أهم تلك المتغيّرات هو تعاظم قوّة الإسلام السياسي بنسخته الشيعية المتمثّلة بحزب الله، والتي لم تكن من قبل هاجساً يقضّ مضجع الكثيرين في لبنان، البلد شديد التنوّع، والذي لا يمكنه أن يهضم الإسلام السياسي بسهولة.

نعم؛ لستُ من أشدّ المعجبين باتفاق الطائف، وهذا الاتفاق بحاجة إلى تطوير لكي يتناسب مع المرحلة الجديدة. غير أنّه يبقى الاتفاق الذي أنهى حرب لبنان، ولا بدّ من استكمال بعض بنوده الأساسية، قبل البحث في تطويره لكي يتلاءم مع المتغيّرات التي حدثت خلال وبعد فترة تجميده أثناء الهيمنة السورية على لبنان. وهناك بنود أساسية يجب الإسراع في تطبيقها وفق التدرج التالي:

المرحلة الأولى هي تطبيق البنود المرتبطة ببسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وحصر كلّ السلاح بيد الدولة، وذلك لكي لا يؤثر وجود السلاح بيد حزب الله على تطبيق البنود الأخرى، ولتحقيق التكافؤ الكامل في أي تفاوض سياسي لاحق. ومن الضروري أيضاً استكمال ذلك بتعزيز القوى الأمنية والجيش اللبناني، لا سيما من خلال الاستفادة من قدرات وخبرات المقاتلين الذين قاموا بالتصدّي للعدوّ ومنعه من التوغّل الواسع النطاق في أرضنا، ضمن إطار سياسة دفاعية تحمي لبنان وتحقّق مصالحه وتصون وحدة المجتمع في الوقت نفسه، وعقيدة عسكرية حاسمة في وطنيتها وعلمانيتها وبعيدة كلّ البعد عن التجاذبات الطائفية.

لقد فرّط لبنان بعد إنجاز التحرير بفرصة نادرة لاستكمال تطبيق الدستور واتفاق الطائف، لا سيما في البنود المرتبطة ببسط سيادة الدولة وحصر كلّ السلاح بيد مؤسساتها الأمنية الرسمية. ولو حصل ذلك وقتها، على وقع انتصار التحرير المدوّي ووسط إجماع كامل للمجتمع اللبناني، لكنّا وفّرنا على بلدنا الكثير من المآسي

أمّا المرحلة الثانية فهي تبدأ بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية كما ينصّ عليها اتفاق الطائف، بحيث تكون الهيئة برئاسة رئيس الجمهورية وتضم، بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. ويجب إضافة بنود تطبيق اللامركزية الموسّعة وإنشاء مجلس الشيوخ إلى مهمّة هذه الهيئة، بالإضافة إلى المهام الأساسية التي تشمل دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.

التفاوض الذي لا بد منه

في وضعية طبيعية تكون الحكومة ملزمة بإعطاء التوجيهات للمؤسسات العسكرية والأمنية لتطبيق الدستور، وتنفيذ القرارات الدولية، والقيام بحصر السلاح بشكل فوري وضمن مهلة زمنية محدّدة. غير أنّه في الوضعية الحالية، وفي ظلّ الظروف الدقيقة التي يمرّ بها لبنان والإقليم بأكمله، لا بدّ من مسار تفاوضي بين الدولة اللبنانية ممثلة برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء المعنيين من جهة، وحزب الله من جهة أخرى. هدف التفاوض هو إيجاد الصيغة المناسبة لحصر السلاح بيد الدولة وليس البحث في إمكانية تطبيق هذا الأمر، كونه مسألة محسومة في الدستور وفي اتفاق وقف الأعمال العدائية، كما في القرار 1701.

إنّ هذا التفاوض يجب أن يسبقه قيام الحكومة بتحديد مهل زمنية واضحة وواقعية لكلّ مرحلة من مراحل مسار حصر السلاح بيد الدولة. أمّا نتيجته فيجب أن تُطمئن مجتمعنا بأكمله أنّه هناك دولة قادرة على الإمساك بزمام الأمور، وبالتالي أن تطمئن هذه الدولة سكان جبل عامل وقرى العرقوب أنّ بيوتهم وأرزاقهم محمية، وأنّه للبنان سياسة دفاعية قادرة على صون الأرض وحماية المجتمع وحفظ سيادة الدولة في آن معاً.

Print Friendly, PDF & Email
ماهر أبو شقرا

ناشط سياسي وكاتب، لبنان

Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  التكنولوجيا تصنع هويتنا.. وحروبنا!