“السّلاح” في لبنان.. قضيّة النّاس قبل الأحزاب!

يتصرّف البعض في لبنان وكأنّ قضيّة سلاح المقاومة هي قضيّة حزبٍ بِعَينه أو منظّمةٍ بِعَينها، مع الاحترام كلّه لتضحيات كلّ أحزاب المقاومَتَين اللّبنانيّة والفلسطينيّة طبعاً، أو يتصّرف هذا البعض وكأنّ قضيّة السّلاح هذه هي قضيّة دولة اقليميّة؛ أو قضيّة رجل سياسيّ أو مَوقع سياسيّ معيّن؛ أو قضيّة قائد حزبيّ بذاته، أو قضيّة طائفة تُريد بعض نخبها "التّشبيح" على الآخرين، وتلك مقاربات بعيدة عن جوهر القضيّة يقيناً. لماذا؟

قضيّة “سلاح المقاومة” هذه مُرتبطة، باختصار وفي أساسها، بأصحاب الأرض أنفسهم، وقبل أيّ أحدٍ آخر. وعلى رأس هؤلاء النّاس المقصودين طبعاً: أغلب مواطني جنوب لبنان والبقاع الغربيّ.

فلنقاربْ الموضوع بهدوء وبرويّة، لأنّ مصيرنا هو أن نعيش سويّاً في نهاية المطاف. يجب أن تكون الحكمة هي سيّدة الموقف، ولكن لا يجوز التّفلسف على أهل القُرى المحتلّة أو المعرّضة للاحتلال الإسرائيلي، طالما أنّنا لم نأتِ بالحلول الرّسميّة الجدّيّة والجذريّة والمُقنعة والمُناسبة.

ولأنّنا أيضاً صادقون في رجائنا بأن ينجح عهد الرّئيس العماد جوزاف عون، بمعزل عن الاختلاف في قضايا تتكاثر يوماً بعد يوم مع رئيس الحكومة وللأسف (والحالة الطّبيعيّة هي أن يكون النّقاش أسهل وأقرب مع رجل ذي خلفيّة مُقاوِمة مُعيّنة وذي خلفيّة فرنسيّة- جمهوريّة مُعيّنة كالرّئيس نوّاف سلام، ونأمل أن يتغيّر بعض الخطاب سريعاً لمصلحة جميع الوطنيّين والعروبيّين في لبنان وفي المنطقة)، فلنذكرْ النّقاط التّالية ضمن سياق الحوار الدّائر حاليّاً:

أوّلاً؛ هؤلاء “النّاس” الذين ذكرناهم، من أهل القُرى والأرض المعنيّة، هم من اضطّرّوا وآباءهم إلى حمل السّلاح ضدّ العدوّ الصّهيونيّ، في ظلّ غياب دولة لبنانيّة جادّة في مواجهة الأطماع والاعتداءات الاسرائيليّة، وفي ظلّ تآمر نُخب حاكمة لبنانيّة مع المشروع الصّهيونيّ للأسف.

لو كان هناك، في الأصل، دولة قويّة وجيش قويّ، هل كان أبناء الجنوب والبقاع الغربيّ ليحملوا السّلاح بهدف الدّفاع عن الأرض والكرامة؟

المجاملة مع رجال السّلطة وغيرهم، في مرحلة كهذه، ليست في محلّها. الدّولة هي التي قصّرت تاريخيّاً مع النّاس، وليس شعبنا هو موضع المساءلة – بل هذه الدّولة؛ فهل كان هناك دولة جادّة وقويّة، أو هل هناك اليوم دولة جادّة وقويّة حقّاً حتى نقول للنّاس، تعالَوا وتخلَّوا عن السّلاح الذي حملتموه أنتم؟ لنتحاورْ بموضوعيّة وبهدوء، مع الإقرار بأنّ هناك من يُريد بناء الدّولة حقّاً وحقيقةً، وقد يكون متسرّعاً شيئاً ما، أو أنّه لا يرى بعض الجوانب العميقة للموضوع.

ثانياً؛ انتخاب رئيس جمهوريّة كالعماد جوزاف عون مسألة ايجابيّة جدّاً بالنّسبة إلى مشروع الدّولة، ولا شكّ في ذلك. ولكن، هل علينا اقناع شعبنا وناسنا اليوم بأنّ الدّولة قد تمّ بناؤها بين ليلة وضحاها، وصار لنا جيش يستطيع أن يواجه الاعتداءات الاسرائيليّة بجدّيّة، ولو من الزّاوية الدّفاعيّة الضّيّقة، إن جاز التّعبير؟

مجدّداً؛ ليس شعبنا المحروم والمحتلّ والمتروك هو موضوع وموضع المُساءلة، بل الدّولة اللّبنانيّة التّاريخيّة نفسها.. والحاليّة، والتي هي امتدادٌ لها حتّى الآن وحتّى يثبت العكس.

– من يُريد تنازلاً من النّاس في موضوع سلاح المقاومة، عليه أن يُبيّن لهم كيف سيعمل على تقوية السّلاح الرّدعيّ للجيش: هل سيجلب من الأميركيين وحلفائهم صواريخ استراتيجيّة و/أو فرط صوتيّة، أو حتّى ما يُشبهها لا بل أدنى منها بكثير؟

– هل سيُطالبهم بجدّيّة فيأتون إليه بنظام دفاع جوّيّ كأيّ دولة تحترم نفسها في هذا العالم؟

مهما حاولنا التّمويه والتّشويش والهروب. بالنّسبة إلى شعوبنا، خصوصاً منها الفئات المعنيّة، “الخيار المُقاوم” لم يزلْ هو الخيار الأكثر نجاحاً ولو نسبيّاً. وهو الخيار الذي جلب لها تراكم انجازات وانتصارات لا مثيل له في تاريخ الصّراع مع هذا العدوّ، مهما كان حجم التّضحيات

– هل سيعطيه الأميركيون صواريخ حديثة مضادّة للدّروع، تكون أفضل من “الكورنيت” الرّوسيّ المُبين أو مُساوية له – ولو نسبيّاً – في الفعاليّة؟

– هل سيبعثون لنا بطائرات مُسيّرة قذّافة للنّار ذات اللّهب؟

– هل سنستطيع شراء طائرات استراتيجيّة أو حتّى ما دون ذلك، ولكن، بحيث يكون في مقدورها تهديد الـF16 والـF22 والـF35.. ولو ضمن سياق دفاعيّ بحت، وضمن سياق ردعيّ جزئيّ فقط؟

باختصار؛ على من يتحدّث باسم “مشروع الدّولة” اليوم وغداً، لا أن يتحدّث فقط، بل عليه أن يُقنع النّاس، من خلال خطوات ومشاريع ملموسة.

نعم؛ عليه أن يُقنع النّاس بواقعيّة طرح أنّ “زمن السّلاح قد انتهى”. ليس من الحكيم أبداً أن نُلقيَ على رؤوس النّاس شعارات طالعة نازلة، ونحن عاجزون حتّى عن أن نطلب من “أصدقائنا” الأميركيّين أن يُلزموا “إسرائيل” باحترام اتّفاق وقف اطلاق نار ضمنتهُ أميركا نفسها!

للشّهيد السّيّد حسن نصرالله وإخوانه.. ما لهم، وعليهم ما عليهم. انتصروا أحياناً كثيرة، وأبهروا شعوب العالم أحياناً كثيرة. وقد نالهم من الضّربات والتّضحيات ما نالهم، وَأمرُهُم للهِ أوّلاً وللتّاريخِ ثانياً. ولكن، هل جئنا ببديل جدّيّ ومُقنع عن فلسفتهم المُقاوِمة حتّى نأتي ونُلقي محاضرات على النّاس المحتلّة أرضهم والمقتولة فلذات أكبادهم والمدنّسة مقدّساتهم؟

أتعجّبْ في الحقيقة من خطاب البعض، علماً بأنّ تاريخ فشل مواجهة “دولتنا” للعدوان الصّهيونيّ قائم أمام أعيننا جميعاً.

إقرأ على موقع 180  جنرالات إسرائيل لـ"نيويورك تايمز": هكذا انهار جيشنا كالدومينو

ثالثاً؛ مهما تفوقّت قوى الاستعمار الدّاعمة لـ”إسرائيل” مرحليّاً أو على المدى البعيد، أي مهما تفوّقت تكنولوجيّاً وعسكريّاً، لا حضاريّاً ولا روحيّاً ولا أخلاقيّاً بالتّأكيد؛ ومهما كانت الضّربات الجزئيّة السّابقة والمقبلة مؤذية، ومهما كان الكرّ والفرّ مؤلماً، ومهما كانت التّضحيات موجِعة في الظّاهر.. فلم يعرف شعبنا الحُرّ الأبيّ، حتّى الآن، أنجح وأنجع من خيار المقاومة المُسلّحة بهدف:

(١) ردع الاسرائيليّ ولو في الحدّ الأدنى لمفهوم الرّدع؛

(٢) منعه عن تحقيق أهدافه، ولو الاستراتيجيّة الكبرى منها حصراً.

تحدّثنا في السّابق من القول والمقال عن المقارنات المُمكنة تاريخيّاً وجغرافيّاً بين: (أ) الخيار الدّبلوماسيّ مع “إسرائيل”؛ و(ب) الخيار العسكريّ المقاوِم، ولو ضمن اطار حرب غير متماثلة، مع هذا الكيان.

اسيران لبنانيان لحظة خروجهما من زنزانات معتقل الخيام في 25 ايار/مايو 2000

بالطّبع، ليس هناك تفوّق مُطلق كامل لأيّ من الخيارَين، ولكنّ الواضح الجليّ هو أنّ “إسرائيل” لا تحترم عمليّاً إلّا من يُمكنه أن يؤذيها.. ولو جزئيّاً ولو نسبيّاً.

وبالتّالي، تاريخيّاً وبالتّراكم وحتّى الآن: بالتأكيد، إنّ خيار المقاومة العسكريّة لم يزلْ يأتي بإنجازات معنويّة وسياسيّة أكبر نسبيّاً مع هذا العدوّ. وإلّا، فلماذا يُصرّ هذا الأخير على اذلال سلطة رام الله ليلَ نهار مثلاً؟ ولماذا يُصرّ، مثلاً، على احراج الحكومة اللّبنانيّة “الصّديقة” للأميركيّ كما يُقال؟ ولماذا يُصرّ على توجيه الضّربات والاهانات لحكومة “هيئة تحرير الشّام” في سوريا؟

مهما حاولنا التّمويه والتّشويش والهروب. بالنّسبة إلى شعوبنا، خصوصاً منها الفئات المعنيّة، “الخيار المُقاوم” لم يزلْ هو الخيار الأكثر نجاحاً ولو نسبيّاً. وهو الخيار الذي جلب لها تراكم انجازات وانتصارات لا مثيل له في تاريخ الصّراع مع هذا العدوّ، مهما كان حجم التّضحيات.

-فهل جئتم، خلال شهور، أيّها السّيّدات والسّادة بالحلّ البديل السّحريّ.. حتّى تتحدّثوا مع هؤلاء النّاس المضحّين بهذه الطّريقة؟

-هل نجحتم حتّى في اقناع الأميركيّ بإلزام حليفه الصّهيونيّ بكفّ اعتداءاته والانسحاب من كامل الأراضي اللّبنانيّة والإفراج عن الأسرى اللبنانيين؟ هل بنيتم دولة لبنانيّة جديدة قادرة وقويّة؟ هل سلّحتُم الجيش اللّبنانيّ الحبيب بكلّ وسائل الرّدع الاستراتيجيّ؟

باختصار، القضيّة هي بوضوح قضيّة هؤلاء النّاس المعنيّين قبل أيّ جهة أخرى. وبدل التّصويب على جهة حزبيّة معيّنة.. فلنرفعْ من مستوى الحوار الوطنيّ والمسؤول، ولنعالجْ هذه المفاهيم الواحد تلو الآخر، ولنقدّمْ حلولاً بديلة مُقنعة. فإن تعذّر الوصول إلى هذه الأخيرة، فلنقبلْ على كلّ حال أنّ الحربَ لَكَرٌّ وَفَرٌّ.. وأنّ النّصر لا رَيب فيه لأهل الحقّ، وأنّ النّصرَ لِمَن رَابطَ وصَبرَ وصَابَر، وما كان من المستسلمين.

Print Friendly, PDF & Email
مالك أبو حمدان

خبير ومدير مالي، باحث في الدراسات الإسلامية، لبنان

Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  الطائفية وسيلة مُقنّعة لسلبك.. حقوقك!