زيارة محمود عباس إلى بيروت.. الأهداف والسياقات

كان الأجدى بالرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، ألا يحصر زيارته إلى لبنان بعنوان واحد: السلاح الفلسطيني، وذلك برغم وجوب وضرورة تنظيم هذا الملف الشائك، الذي لم تُحسن السلطات اللبنانية التعامل معه، منذ انتهاء الحرب الأهلية، في العام 1990. والسبب أنه عند كل مقاربة لهذا الملف كان الجانب الأمني يطغى على حساب الجوانب الاجتماعية والتنموية والاقتصادية، التي يجب أن تكون قاعدة الانطلاق في أية مقاربة للوجود الفلسطيني، في بلدٍ يعيشُ ضمن توازنات سياسية واجتماعية هشّة للغاية.

المعلوم أنّ ملف السلاح الفلسطيني في لبنان قد عاد إلى الواجهة، ليس ضمن رؤية متكاملة لكيفية حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، بما في ذلك سلاح حزب الله، بل جاء استجابةً لرغبة أميركية، عبّرت عنها صراحة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، خلال جولاتها الثلاث إلى لبنان، وكذا سيكون الأمر مع بدء العد العكسي لجولتها الرابعة المقررة في غضون أيام قليلة.

منذ انتهاء “حرب الإسناد” التي خاضتها المقاومة اللبنانية تضامناً مع الشعب الفلسطيني في غزة، فتح ملف حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، ومع مجيء العهد الجديد بقيادة العماد جوزاف عون، أخذت السلطة اللبنانية قوة دفع دعم إقليمي ودولي للمضي قُدماً في معالجة مسألة السلاح. فبادرت، في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، إلى تفكيك المواقع العسكرية التابعة لبعض المنظمات الفلسطينية خارج المخيمات، ومن بينها المواقع التابعة للجبهة الشعبية- القيادة العامة، في منطقتي قوسايا والناعمة، وأماكن أخرى. واعتبرت بعض الأوساط الفلسطينية أن هذه الخطوة ما هي إلّا تمهيد لنزع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، وفي هذا السياق، بالذات، تأتي زيارة أبو مازن إلى لبنان، وكان قد سبقها عددٌ من الاجتماعات مع قوى نافذة في حركة فتح وممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت.

محميات للخارجين عن القانون

من دون أدنى شك، فإنّ الحضور الفلسطيني في لبنان، بكافة أبعاده، يلقي بظلاله على الواقع السياسي والاجتماعي اللبناني، وبخاصة أن القوى الفلسطينية سبق لها أن انخرطت، عشرات المرات، في اشتباكات، تارة فلسطينية – فلسطينية، وتارة أخرى فلسطينية – لبنانية. منها ما وقع داخل المخيمات، ومنها ما وقع بجوارها، حتى أصبحت هذه المخيمات تشكل بؤراً أمنية مستعصية وكان أبناء المخيمات هم أول من يدفع الثمن إلى جانب جوارهم اللبناني. وفي ظلّ غياب دور القوى الرسمية اللبنانية، نجحت بعض العصابات والجماعات النافذة في التلطي خلف يافطة “المخيمات”، لتعزز قوتها ونفوذها، حتى باتت المخيمات في بعض المناطق، عبارة عن “محميات” لكثير من الخارجين عن القانون- من لبنانيين وفلسطينيين وجنسيات خرى. هذا فضلاً عن استثمار التيارات الإسلامية الجهادية في جو الاحباط واليأس، الموجود لدى أغلب الشبّان الفلسطينيين، والعمل على تعبئتهم سياسياً ضمن خطط ورؤى تخدم أهدافها، وهذا ملف شائك ومتعدد الأوجه يحتاج إلى تفصيل لا نملك ترف الخوض فيه في هذا المقال.

تتخوف أوساط فلسطينية من أن يكون طرح هذا الملف الشائك متزامناً مع رغبة أطراف إقليمية ودولية في ترحيل فلسطينيي لبنان إلى دولة أخرى بعد أن تبين استحالة توطينهم كما كانت تشتهي إسرائيل وأميركا والدول الغربية. هذه المخططات لم تعد ضرباً من ضروب الخيال، وبخاصةً بعد أن سمعنا عن رغبات إسرائيلية وأميركية، واضحة ومباشرة، بترحيل الغزيين، مرة إلى مصر والأردن، ومرة إلى إندونيسا، وأخرى إلى الصومال، وأخيراً إلى ليبيا

كان الأجدى بمحمود عبّاس أن يحمل معه سلسلة من المطالب، ما فتئت قوى العمل السياسي والاجتماعي الفلسطيني الناشطة على الساحة اللبنانية، تطالب بها، مثل تحسين البُنى التحتية والخدمات العامة داخل المخيمات، منح حقّ العمل والتملك للاجىء الفلسطيني، وتحسين شروط عيشه، وغيرها من المطالب. وكان الأجدى أيضاً أن يبني عبّاس على الايجابية التي انطلقت على مستوى منح حق العمل وبعض الحقوق المدنية الأخرى من قبل الحكومات المتعاقبة، منذ العام 2004، وهذا ما تجسد عبر سلسلة من القرارات الوزارية والمراسيم التنفيذية والمذكرات الإدارية التي حسنّت من الواقع المحيط بحق عمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بعد أن قُيد باستثناءات عديدة، منذ ثمانينيات القرن الماضي.

لم يعد تعداد الفلسطينيين كما هو وارد في سجل السلطات اللبنانية التي تستند بدورها إلى سجلات “الأونروا”، والتي كانت تُقدّر عددهم بحوالي 420 ألفاً. فواقع الحال يقول إنّ العديد من فلسطينيي لبنان هاجروا خلال العقدين الأخيرين، تماماً كما هو الحال مع الكثير من اللبنانيين الذين تركوا البلد، ولكن هجرة الفلسطينيين كانت على دفعات ما جعل من الصعب تعداد المهاجرين. ووفق إحصاء أجرته في العام 2017، تُقدّر لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني وجود قرابة 174 ألف فلسطيني يقيمون على الأراضي اللبنانية. أما من جهة “الأونروا”، فلا تزال الوكالة تتخبط باصدار رقم دقيق لأسباب كثيرة، بعضها سياسي، وبعضها الآخر تقني وإداري.

وبالعودة إلى ملف السلاح الفلسطيني، فإنه من غير الواضح بعد كيف، وبأية رؤية، ستمضي السلطة اللبنانية في هذا الموضوع، علماً أنه إذا كان أبو مازن يمون على الفصائل المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية، فإنّ حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” هما خارج المنظمة. ثم ماذا عن عشرات القوى الاسلامية الموجودة في المخيمات، لا سيما في مخيم عين الحلوة، والتي اشتبكت معها “فتح” عدّة مرات، وكان آخرها في صيف عام 2023. وهذه القوى الاسلامية أيضاً ليست منضوية في منظمة التحرير، كما أن بعضها تباعده خلافات سياسية وإيديولوجية مع حركات الإسلام السياسي الفلسطيني (“حماس” و”الجهاد الإسلامي” على وجه الخصوص).

إقرأ على موقع 180  أمن الإنتخابات العراقية ونزاهتها.. "مفتاح الشرعيتين"

الترحيل مقدمة للتصفية

وتتخوف أوساط فلسطينية من أن يكون طرح هذا الملف الشائك متزامناً مع رغبة أطراف إقليمية ودولية في ترحيل فلسطينيي لبنان إلى دولة أخرى بعد أن تبين استحالة توطينهم كما كانت تشتهي إسرائيل والدول الغربية، وعلى رأسها طبعاً الولايات المتحدة. هذه المخططات لم تعد ضرباً من ضروب الخيال، وبخاصةً بعد أن سمعنا عن رغبات إسرائيلية وأميركية، واضحة ومباشرة، تقضي بترحيل الغزيين، مرة إلى مصر والأردن، ومرة إلى إندونيسا، وأخرى إلى الصومال، وأخيراً إلى ليبيا.

فهل أُخذَ القرار بإنهاء الوجود الفلسطيني في لبنان، ليس كواقع عسكري فحسب، بل وأيضاً تصفية هذا الوجود الاجتماعي والمعنوي والقانوني في لبنان، تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية ككل، كما يرغب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومعه عُتاة اليمين الإسرائيلي المتطرف.

أسئلة كثيرة، وهواجس كبيرة كان لا بُدَّ من طرحها، تزامناً مع زيارة محمود عبّاس إلى لبنان.. والأهم أن تُدرك القيادة اللبنانية أن أية دعسة ناقصة يُمكن أن تؤدي إلى صدام مع المخيمات وبالتالي نكون أمام مخيم بارد جديد، الأمر الذي تستفيد منه فقط إسرائيل.. ولا أحد غير إسرائيل.

Print Friendly, PDF & Email
عطالله السليم

كاتب وباحث سياسي

Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free online course
إقرأ على موقع 180  هل أخطأ لبنان بالتراجع عن قرار القبول باختصاص "الجنائية الدولية"؟