قمة ترامب ـ بوتين في بودابست.. بماذا تختلف عن آلاسكا؟

لم يهدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقتاً. انتقل سريعاً من غزة إلى أوكرانيا مستنداً إلى نجاحه في وقف الحرب الإسرائيلية التي استمرت سنتين، ليتوجه مجدداً نحو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، داعياً إياه إلى وقف الحرب في أوكرانيا، هنا والآن، وإلا ستكون أميركا مضطرة إلى اجتياز خط أحمر آخر، في ما يتعلق بتزويد كييف بصواريخ "توماهوك" (المجنحة) بعيدة المدى.

في قمة آلاسكا في 15 آب/أغسطس الماضي، ابتلع ترامب كبريائه عندما خذله بوتين، بعدم التجاوب مع جهوده لوقف النار، على الرغم من أن الرئيس الأميركي ضرب عرض الحائط بنصائح حلفائه الأوروبيين، الذين حذروه مسبقاً من أن الرئيس الروسي سيتلاعب به وبأنه لا يظهر اهتماماً جدياً بالسلام قبل تحقيق كل أهداف الحرب، التي مضى عليها أكثر من ثلاثة أعوام ونصف العام.

ترامب الخائب على مضض من أوكرانيا، يمّم وجهه شطر غزة، خصوصاً وأن الحرب الإسرائيلية بدأت تضر بالمصالح الأميركية.. واستهداف إسرائيل الدوحة بالقصف في 9 أيلول/سبتمبر، دفع الرئيس الأميركي إلى ممارسة ضغوط قوية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لم يتبقَ له من حليف على الكرة الأرضية سوى الولايات المتحدة، بعدما تحولت إسرائيل إلى دولة منبوذة بسبب الحرب، التي باتت في نظر العالم فاقدة للشرعية السياسية والأخلاقية. وعليه، أقنع ترامب نتنياهو بأن ليس في استطاعته “محاربة كل العالم”.. ومهّد ذلك لولادة الخطة الأميركية التي حظيت بموافقة إسرائيل و”حماس”.

لا يجب أن يغيب عن البال أن تزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك”، ليس بالسهولة المتصورة حتى لو اتخذ ترامب هذا القرار وتقاضى ثمنه من أوروبا، فالتدريب على استخدام هذا النوع من الصواريخ يحتاج إلى فترة زمنية تتراوح ما بين سنة إلى سنتين. هناك حالة وحيدة يمكن أن تُسرِع في عملية التسليم، وهي إذا ما رافقتها أطقم أميركية على الأرض الأوكرانية. فهل ترامب مستعد لهكذا قرار يترتب عليه تورط مباشر في الحرب الروسية الأوكرانية؟

في خطابه أمام الكنيست، لم يكن عرَضاً أن يُسوّق ترامب لسردية أن قاذفات “بي-2” الأميركية التي أسقطت القنابل على المنشآت النووية الإيرانية في 22 حزيران/يونيو الماضي، هي التي وفّرت الظروف لوقف الحرب في غزة.. والإطراء الذي كاله ترامب على وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث ورئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال دان كين، وتكرار القول إن الجيش الأميركي هو الأفضل في العالم، له مغزى واحد، وهو البعث برسالة واضحة لروسيا.. والصين من خلفها التي استعرضت جيشها في بكين في أيلول/سبتمبر المنصرم، مفادها أن الولايات المتحدة ما تزال أكبر قوة عسكرية في العالم. وإثباتاً لهذه القوة، يقرأ الرئيس الأميركي فعل الندامة على الانسحاب من قاعدة باغرام في أفغانستان بسبب قربها من الصين وروسيا، بينما يفوض وكالة الاستخبارات المركزية (“سي آي إي”) شن عمليات في البر الفنزويلي، بعد الهجمات البحرية بذريعة القضاء على كارتلات المخدرات في هذا البلد الذي يُعارض السياسة الأميركية.

ترامب.. و”التوماهوك”

بعد وقف الحرب على غزة و”قمة السلام” في شرم الشيخ، يقف ترامب على مشارف نظام إقليمي جديد برعاية الولايات المتحدة، ولا يغفل توجيه الدعوة لإيران كي تكون جزءاً من “الفجر التاريخي” للشرق الأوسط الجديد. ماذا بقي لروسيا والصين إذن؟ وقمة شرم الشيخ، حالت دون انعقاد القمة الروسية-العربية التي كانت مقررة في اليوم نفسه. الاستثناء الوحيد الذي حظيت به روسيا كانت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو.

بعد عودته من رحلة الـ12 ساعة إلى الشرق الأوسط، تبجّح ترامب بأنه كان قادراً على وقف نزاع في المنطقة “عمره ثلاثة آلاف عام”، بحسب زعمه، فكيف لا يقدر على وقف نزاع عمرة ثلاثة أعوام في أوروبا.

وبهدف الضغط على بوتين للقبول بوقف الحرب، لا يمانع ترامب في أخذ الأحداث نحو تصعيد يخدم أهدافه. فجاءت مسألة التفكير في تزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك” إذا كانت الدول الأوروبية مستعدة لدفع ثمنه. هذه الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية ويبلغ مداها 2500 كيلومتر قادرة على استهداف موسكو، وسان بطرسبرج شمالاً وفولغوغراد جنوباً، إلى قاعدة أنجلز الجوية ومعامل تصنيع مسيّرات “شاهد” في يلابوغا وتاترستان، وجسر كيرش الذي يصل بين شبه جزيرة القرم وروسيا.

مثل هذا التطور الخطير، الذي من شأنه أن يُحدث تحولاً في مسار الحرب، حمل بوتين على المبادرة إلى الاتصال بترامب الخميس الماضي في محادثة استمرت ساعتين، وجرى خلالها الاتفاق على عقد قمة روسية-أميركية في العاصمة المجرية في غضون أسبوعين.

بعد الاتصال، بدا أن ترامب أكثر تردداً في تزويد أوكرانيا بصواريخ الـ”توماهوك”، التي وصفها بأنها “سلاح فتاك تحتاج إليه الولايات المتحدة”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه لا يعتقد بأن أحداً في العالم يرغب في أن يكون هدفاً لها.

من آلاسكا إلى بودابست

تلقي ترامب اتصال بوتين، عشية استقباله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي يحض البيت الأبيض على الاستفادة من الزخم الديبلوماسي الذي تولد مع وقف النار في غزة، كي يسعى مجدداً إلى وقف الحرب في أوكرانيا، مع التشديد على ضرورة حصول بلاده على الـ”توماهوك” لإقناع بوتين بوقف الحرب، وهو قال في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركية بعد خروجه من البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي إن ترامب “لم يقل لا (بشأن تزويد بلاده بصواريخ الـ”توماهوك”).. لكنه لم يقل نعم اليوم”.

إقرأ على موقع 180  من "البيت الأطلسي" إلى.. "البيت الأوروبي"!

غير أنها ليست المرة الأولى التي يُلوّح فيها ترامب بإجراءات ضد روسيا ويُلوّح بتزويد أوكرانيا بأسلحة متطورة، ثم يعاود التحدث إلى بوتين ويبعث الآمال بالتوصل إلى حل ديبلوماسي. وفي الربيع الماضي، اتهم ترامب نظيره الروسي “باللعب بالنار” من خلال استمراره بالحرب، وأمهله أسبوعين قبل أن يفرض عقوبات على روسيا، في حال لم يظهر الكرملين جدية إزاء المفاوضات. لكن ترامب لم يفرض العقوبات التي هدّد بها.

وفي آوائل آب/أغسطس الماضي، حدّد ترامب مهلة جديدة لبوتين من أجل انهاء الحرب. لكن عوض فرض عقوبات جديدة على روسيا، التقى الرئيسان الأميركي والروسي في آلاسكا، من دون تحقيق أي اختراق. وهذا ما جعل منتقدي ترامب يتهمونه بالوقوع في فخ بوتين. ويرد الرئيس الأميركي على الانتقادات بالقول: “من كان يعتقد أنني قادر على وقف الحرب في الشرق الأوسط”؟

ما الذي تغير كي تنجح قمة بودابست حيث أخفقت قمة آلاسكا؟

والنجاح في غزة، هو نتيجة الضغط الذي مارسه ترامب على نتنياهو، لا سيما بعد قصف الدوحة، لكن هل يعني ذلك بالضرورة أن تتكرر التجربة مع بوتين في أوكرانيا؟

طبعاً الجواب لا.

ولا يجب أن يغيب عن البال أن تزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك”، ليس بالسهولة المتصورة حتى لو اتخذ ترامب هذا القرار وتقاضى ثمنه من أوروبا، فالتدريب على استخدام هذا النوع من الصواريخ يحتاج إلى فترة زمنية تتراوح ما بين سنة إلى سنتين. هناك حالة وحيدة يمكن أن تُسرِع في عملية التسليم، وهي إذا ما رافقتها أطقم أميركية على الأرض الأوكرانية. فهل ترامب مستعد لهكذا قرار يترتب عليه تورط مباشر في الحرب الروسية الأوكرانية؟

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  مركز هرتسليا: تحركات إقليمية خارج المعسكرات والتحالفات