“فورين أفيرز”: ما بعد “محور المقاومة”، كيف يندمج شيعة المنطقة اقتصادياً واجتماعياً؟

برغم تراجع القوة العسكرية لـ"محور المقاومة" بفعل الضربات الإسرائيلية والأميركية في غزة ولبنان وسوريا، تظلُّ الهوية الشيعية عاملاً محورياً في مستقبل الشرق الأوسط. فالاستقرار الإقليمي لن يتحقق إلا بإدماج المجتمعات الشيعية سياسياً واجتماعياً، وتوفير فرص اقتصادية لها، إلى جانب دعم جهود التطبيع بين إيران والدول العربية، بحسب ولي نصر وماريا فانتابي في "فورين أفيرز" (*).

(…) برغم أن الشيعة لا يمثلون سوى 15 إلى 20 بالمائة من المسلمين في العالم، إلا أنهم يشكلون ما يُقارب نصف سكان الشرق الأوسط المسلمين.هم أغلبية السكان في البحرين وإيران والعراق، وتقريباً في اليمن؛ وهم أكبر طائفة دينية في لبنان. مع ذلك، كان وجه المنطقة طوال فترة القرن العشرين سُنّياً. لكن انتصار الثورة الإسلامية في إيران، عام 1979، أثار شبح صعود الشيعة، ومعه شبح المقاومة السُنّية. ثم جاءت الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) لتعزّز التوترات الطائفية، وفي الوقت نفسه لترسَّخ روابط شيعية عابرة للحدود.

هذه العلاقات الشيعية العابرة للحدود توسَّعت بشكل كبير بعد أن أطاحت القوات الأميركية بنظام صدام حسين عام 2003، وأدَّت إلى إحياء الهوية الدينية الشيعية مع إقبال المزيد من الشيعة على زيارة الأضرحة المقدسة في إيران والعراق وسوريا. كما برزت قوى سياسية وعسكرية شيعية لملء الفراغ السياسي في العراق. ففي منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، استعان الحرس الثوري الإيراني بحلفائه العراقيين، بينهم أبو مهدي المهندس (الذي فرَّ من العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية، وقاتل إلى جانب الإيرانيين ضدَّ صدام حسين، وأصبح فيما بعد قائداً لميليشيات شيعية تدعمها إيران). كما استعان بمقاتلي حزب الله؛ وبينهم علي موسى دقدوق وعماد مغنية؛ لتنظيم المقاتلين الشيعة العراقيين الذين رفضوا الانضمام إلى المرحلة الانتقالية السياسية التي تقودها الولايات المتحدة.

وقد توسَّع النفوذ الإيراني والشيعي، في العالم العربي بعد انتفاضات ما يُسمى بـ”الربيع العربي”، عام 2011، واندلاع حروب أهلية في سوريا واليمن. كانت تلك الصراعات على السلطة ذات طابع طائفي لا محالة: فالحكام العلويون في سوريا لم يكونوا مرتبطين بالمذهب الشيعي ارتباطاً وثيقاً، إلّا أن التهديد الذي شكَّله الإسلام السني لهم حوّلهم إلى حلفاء مقربين لكل من إيران وحزب الله. في عام 2013، حشدت إيران وحزب الله مقاتلين شيعة من أفغانستان والعراق وباكستان لمساعدة الرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة “الإسلاميين السُنَّة”، الذين كانوا مدعومين من خصوم إيران السنة في المنطقة. وفي العام التالي، انضم الحرس الثوري الإيراني إلى الميليشيات الشيعية العراقية في شنّ حرب شاملة ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يقوده السُنَّة. قاد قائد الحرس الثوري، قاسم سُليماني، الحملة وأصبح حضوره بارزاً في ساحات القتال العراقية والسورية. في الوقت نفسه، تحالف مقاتلو جماعة أنصار الله في اليمن (الحوثيون) مع إيران في مواجهة السُنَّة في اليمن.

أيد رجال الدين الشيعة والنُخب الشيعية- في أماكن عدَّة في المنطقة والعالم- الحرب ضدَّ “داعش”، خشية من تعطش التنظيم للدماء الطائفية.. وفي حزيران/يونيو 2014، ومع اقتراب “داعش” من بغداد، أصدر المرجع الشيعي الأعلى في العراق، آية الله العُظمى السيّد علي السيستاني، فتوى دينية تحثّ الشباب العراقي على الانضمام إلى ميليشيات سُليماني (برغم أن السيستاني عارض في السابق مساعي إيران لتجنيد الشيعة في حملات عسكرية).

شكَّلت الانتصارات الميدانية على “داعش” قوة دعم كبير لتثبيت الحكم الشيعي في العراق. كما شكَّلت قوة دعم للحوثيين في اليمن، ونظام البعث في سوريا، وساهمت في ربط الكفاح المسلح الذي تخوضه حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين ضدَّ إسرائيل بنضال “محور المقاومة” بشكلٍ عام. وبفضل هذه الانتصارات والنجاحات، استخدمت إيران هذا “المحور” لبسط نفوذها في جميع أنحاء منطقتي البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر، وشكَّل ما يُعرف بـ”حلقة النار” حول إسرائيل.

تفاقم التصدعات

لكن الهزيمة الحاسمة التي أُلحقت بــ”داعش”، عام 2019، هي أيضاً التي هيأت الظروف التي  تسبَّبت في انحسار “المحور”. فقد تراجع تجنيد الشباب الشيعي في الميليشيات المناهضة لــ”التنظيم” بشكل كبير. وأصبح كبار رجال الدين الشيعة في المنطقة أكثر تردداً في الربط بين الالتزام الديني والمشاركة في المجهود العسكري الإيراني. فمن موقعه في النجف، نأى السيستاني بنفسه علناً عن حملات “المحور”، وأدان “عنف” الميليشيات، مؤكداً أن استدامة قوة الشيعة في العراق تعتمد على دورهم في العمل السياسي وقدرتهم على بناء نفوذ داخل الدولة.

كانت الميليشيات الشيعية قد نجحت في السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية خلال الحملة ضدَّ “داعش”، متجاوزة في نفوذها وانتشارها قدرة الجيش والشرطة العراقيين في العديد من المدن وفي بعض أحياء بغداد. كذلك اكتسبت قوة اقتصادية كبيرة مستقلة عن الحكومة المركزية. لكن مصداقيتها كـ”مُنقذين” للشيعة، و”ضامنين” للاستقرار في العراق تضرَّرت بشدَّة جراء انخراطها في أعمال عنف وقمعها للاحتجاجات المناهضة للفساد. في عام 2020، اغتالت أميركا قاسم سُليماني وابو مهدي المهندس، بغارة جوية، ما شكَّل خسارة كبيرة وانتكاسة أخرى لـ”المحور”. وفي عام 2021، لم تحصد الأحزاب السياسية العراقية الموالية لإيران والميليشيات المدعومة منها سوى 17 مقعداً في البرلمان، بعد أن كانت تحصد 48 مقعداً في العام 2018.

ما تريده إسرائيل أكثر من أي شيء آخر، وتسعى إليه، هو تفكيك “شبكة” إيران الإقليمية عبر تأجيج الانقسامات بين الشيعة حتى يصرفون اهتماماتهم بعيداً عن مواجهتها

شكَّلت عملية “طوفان الأقصى”، التي نفذتها حركة حماس، وفصائل فلسطينية أخرى ضدَّ إسرائيل، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، انجازاً باهراً لـ”محور المقاومة”، لكنها في الوقت نفسه سرَّعت من تراجع “المحور”. حاولت القوى الشيعية؛ في أنحاء المنطقة؛ التعبئة لدعم المقاومة الفلسطينية. لكن في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، كانت إسرائيل قد نجحت في توجيه سلسلة ضربات قاسية لحزب الله – تفجيرات “البيجرز” وأجهزة الاتصلات اللاسلكية، واغتيال الأمين العام السيّد حسن نصرالله وعدد كبير من قادة الصفين الأول والثاني. وبعد شهر تقريباً، انهار نظام بشار الأسد في سوريا أمام “جيش من المقاتلين السُنَّة” المدعوم من تركيا.

وعندما تعرضت إيران لهجوم عسكري إسرائيلي- أميركي عنيف، في حزيران/يونيو 2024، لم يهب حلفاؤها للدفاع عنها، إذ اضطروا لتوجيه اهتمامهم إلى الداخل، ولم يجد قادة إيران جدوى من توجيه مناشدات عابرة للحدود، وبدلاً من ذلك دعوا شعبهم للدفاع عن وطنهم. وبالمثل، ابتعد الحلفاء الشيعة في العراق ولبنان عن الخطاب الذي كان يعتمد على هوية دينية عابرة للحدود، وتبنّوا قومياتهم بشكلٍ أكبر.

فبعد أن كانت تقود وتوجّه حلفائها الإقليميين، يبدو الآن أن إيران هي التي تتبع خُطى هؤلاء الحلفاء. وما كان في السابق “نظاماً قائماً على النفوذ المحوري”، أصبح اليوم أشبه بـ”اتحاد جماعات” متقاربة في الفكر والتوجهات، تشترك في الأهداف لكنها تعمل بشكل مستقل. ففي العراق؛ على سبيل المثال؛ تُشجّع طهران وكلاءها على استبدال زيهم العسكري ببدلات رسمية والانخراط في العملية السياسية. وفي لبنان، قد يقبل حزب الله تسليم سلاحه تحت الضغط لتجنب حرب مع إسرائيل وحرب أهلية مع فصائل لبنانية معارضة له. أما التغيرات داخل إيران نفسها – كصعود النزعة القومية وتخفيف القيود الدينية- فهي تقوّض من ادعاء الجمهورية الإسلامية بأنها تتمتع بقيادة روحية عابرة للحدود.

أضف إلى ذلك، أن القادة الذين أشرفوا على صعود الشيعة يتقاعدون أيضاً. فالذين شاركوا في الثورة الإيرانية عام 1979 (ونجوا من محاولات الاغتيال) يتقدمون في السنّ. المرشد الأعلى، السيّد علي خامنئي، يبلغ من العمر 86 عاماً. والسيستاني، الذي أشرف على إحياء إقليمي للتدين الشيعي في المدن العراقية المقدسة، يبلغ من العمر 95 عاماً ويعاني من المرض. لطالما شكّلت النجف وقمّ مركزين متنافسين للتعليم الديني الشيعي، ولكن خلال العقود التي ركّزت فيها إيران على بناء قوتها العسكرية والسياسية، أصبحت النجف تمثل السلطة الدينية الشيعية أكثر من قمّ. وسيتولى خليفة السيستاني في العراق توجيه الشيعة في مسائل العقيدة، وليس خليفة خامنئي في إيران.

مع تراجع النفوذ الإيراني والضغوط لنزع سلاح الميليشيات، بات الشيعة يخشون من التهميش وتعرضهم لأعمال عنف

ما تريده إسرائيل أكثر من أي شيء آخر، وتسعى إليه، هو تفكيك “شبكة” إيران الإقليمية عبر تأجيج الانقسامات بين الشيعة. والفكرة هي أنه إذا تمكَّنت حكومات ضعيفة و”مُطيعة”- تضطهد أو تُهدّد أقلياتها، الشيعة على وجه الخصوص- من السيطرة في لبنان وسوريا، فإن اهتمام الشيعية سيتركز على الصراعات الداخلية والنفوذ والسلطة بدلاً من مواجهة إسرائيل. ففي احتلالها لمناطق حسّاسة في جنوب لبنان، تركز إسرائيل هجماتها المُتكررة على أهدافٍ شيعية، ما يُسفر عن مقتل عشرات من المدنيين ومقاتلي حزب الله. كما أن مساعيها لمنع دمشق من بسط سيطرتها على سوريا تضع الأقليات في البلاد على مسار تصدامي مُستدام مع حكومتهم المركزية.

إقرأ على موقع 180  تسونامي الدم.. واختبار السلطة

مخاطر مُستترة

مع ذلك، فإن تراجع القوة العسكرية للشيعة لا يعني أن هويتهم الدينية وشعورهم بالانتماء إلى مجتمع ديني عابر للحدود قد ضعُف. فعدد الشيعة الذين يحجّون إلى المدن المقدسة في العراق يشهد نمواً مستمراً عاماً بعد عام، برغم الخسائر السياسية والعسكرية (في آب/أغسطس 2025، نحو 21 مليون شيعي زاروا كربلاء لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحُسين).

ومع تراجع نفوذ إيران وتزايد الضغوط من أجل نزع سلاح الميليشيات الشيعية، بات الشيعة في المنطقة يخشون من التهميش وتعرضهم لأعمال عنف. فسوريا، التي كانت ركيزة “المحور”، يحكمها الآن نظامٌ مؤلف من قُدامى محاربي “داعش” وجماعات سُنّية مسلحة أخرى قاتلت حزب الله خلال الحرب الأهلية السورية. وهذا النظام مدعومٌ من القوتين السُنيتين الرئيسيتين في المنطقة، تركيا والسعودية، ويسعى إلى عقد اتفاق مع إسرائيل. في الوقت نفسه، يشعر الشيعة في لبنان والعراق بالقلق من أن النظام الجديد في دمشق قد يدعم السُنَّة في بلدانهم، ما قد يغير ميزان القوى بما يضرُّ بمصالحهم.

وبفعل هذا التهديد والحصار، قد يتجه الشيعة بشكلٍ أكثر حزماً نحو نحو هويتهم الجماعية. أما الأقليات الدرزية والعلوية في سوريا فقد بدأت بالفعل بمقاومة سلطة دمشق. ولمنع اندلاع حروب أهلية جديدة، وانهيار حكومات، وعودة التطرف- أي عودة الظروف نفسها التي سمحت لإيران ببناء “محور المقاومة”- يجب أن تركز جهود بناء الدولة في لبنان وسوريا على ضمان حقوق متساوية لجميع المجتمعات. وإذا استبعدت بيروت ودمشق الأقليات، فإن الشيعة المهمشين سيلجأون، مرة أخرى، إلى إيران طلباً للدعم؛ وبمجرد اندلاع الصراع، ستشمل المساعدة الإيرانية التدريب والأسلحة والتمويل.

وفي العراق، حيث يجري العمل على تشكيل الحكومة وإدارة مفاوضات حسّاسة داخل المكون الشيعي، لا بد من تشجيع القيادات الشيعية المعتدلة. ويتطلب ذلك إصلاحات دستورية لتفكيك شبكات المحسوبية التي يديرها مسلحون تحولوا إلى سياسيين (وهو نظام لا يزال يمنحهم مقاعد في البرلمان والمجالس المحلية). وهنا يتعيَّن على واشنطن تجنب إجبار بغداد على اتخاذ خيارات صعبة. فالضغوط الكبيرة التي فرضتها السياسة الأميركية مؤخراً من أجل أن ينأى العراق بنفسه عن إيران من شأنها أن تقوّض مكانة القادة الشيعة المعتدلين في البلاد وتفشل مساعيهم الرامية إلى اتخاذ موقف “الحياد” من الصراع القائم بين إيران وإسرائيل.

توفير الفرص

في جميع أنحاء المنطقة، يتوقف منع العودة إلى العنف على تمكين الشيعة من رؤية مستقبل سياسي واضح لهم في بلدانهم، يعوّض عليهم الانتماء إلى الأيديولوجية العابرة للحدود، إلى جانب توفير فرص اقتصادية مستقلة عن الميليشيات. ففي لبنان، على سبيل المثال، الاكتفاء بتفكيك حزب الله ونزع سلاحه لن يحقق الاستقرار. فعلى مدى عقود من الزمن، عوّض الحزب الكثر من الأدوار التي أهملتها الدولة، ووفّر للطائفة الشيعية الأمن والوظائف والخدمات الاجتماعية؛ والآن بعد أن تضاءل دوره، بات لزاماً تأمين سُبل جديدة للشيعة للمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد.

يتعين على حكومات لبنان وسوريا والعراق- بدعم من جيرانهم العرب والولايات المتحدة- توفير وظائف للشيعة في القطاع الخاص، للحدّ من اعتمادهم على العمل في القطاع العام. فهناك طبقات وسطى شيعية في لبنان والعراق جاهزة ومستعدة لاستغلال الفرص الاقتصادية التي تتصورها الولايات المتحدة وحلفاؤها الخليجيون للمنطقة بعد انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية. وبدون وسائل للمشاركة الاقتصادية، قد ينجر الشباب مرة أخرى نحو التطرف والعمل الميليشياوي.

في الوقت نفسه، يجب أن لا تسمح الجهود التي تبذلها دول الخليج لدعم حكومات مركزية قوية في لبنان وسوريا بأن تعيق عملية التطبيع مع إيران. فقد ساهم التطبيع في الحفاظ على استقرار الخليج بينما شهد باقي الشرق الأوسط اندلاع الحروب والصراعات. ولضمان استمرار الاستقرار، يتعين على الدول العربية ربط خطط بناء الدولة برؤية اقتصادية تُوفر مستقبلاً واعداً لمناطق الشيعة في لبنان والعراق، وضمان صمود اتفاقيات الهدنة  مع الحوثيين، ومواصلة التقدم الدبلوماسي نحو إنهاء الحرب الأهلية في اليمن بشكل نهائي. ولمنع عودة إيران كـ”لاعب مزعج” في المنطقة، يجب التخلي عن النظرة التي تعتبر الشيعة تابعين لها ومعاملتهم كمواطنين متساوين.

وإذا أرادت واشنطن إنهاء الصراع في الشرق الأوسط ورؤية العراق يزدهر بعيداً عن السيطرة الإيرانية، عليها أيضاً دمج الجماعات الشيعية في الأطر الوطنية والإقليمية التي تتصورها. وفي لبنان، يعني ذلك ربط جهود نزع سلاح حزب الله بخطة واضحة لإعادة إعمار المناطق التي دمَّرتها إسرائيل وتمكين الشيعة في الحياة السياسية. كما يجب عليها بذل كل ما في وسعها للحفاظ على الهدنة بين حزب الله وإسرائيل: فالشيعة اللبنانيون سيرفضون بالتأكيد أي غزو أو احتلال إسرائيلي، تماماً كما فعلوا بين عامي 1982 و2000. وتجدّد المقاومة في لبنان من شأنه أن يُعيد الحيوية إلى ما تبقى من “محور المقاومة” في المنطقة كلها.

إعادة الإعمار تحتاج “مصالحة”

يتعين على واشنطن دعم جهود الدول العربية لتطبيع العلاقات مع طهران، ويعني ذلك التحدث مباشرة مع طهران. فخلافاً لما يعتقده الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن إيران لا تشعر بالهزيمة بعد حرب الـ12 يوماً (في حزيران/يونيو)، بل هي على ثقة تامة بأن صواريخها ألحقّت ما يكفي من أضرار تجعل كل من إسرائيل والولايات المتحدة يتريثان قبل التفكير في جولة قتال جديدة ضدّها. ومن الواضح أيضاً أن الضربات الإسرائيلية والأميركية لم تقضِ على القدرات والطموحات النووية الإيرانية.

يظلُّ الاستقرار الإقليمي مرهوناً بانخراط إيران مع العالم العربي- دبلوماسياً واقتصادياً-، إلّا أن الدول العربية متوجّسة من منح طهران هذا الدور في ظلّ احتمال امتلاكها للسلاح النووي. في الوقت نفسه، إن استعادة طهران للعلاقات الدبلوماسية مع البحرين- على سبيل المثال-، أو توسيع روابطها الاقتصادية مع دول الخليج، ترتبط بتقدمها في المحادثات النووية. وبالتالي، عاجلاً أم آجلاً، سيتعين على واشنطن إعادة تركيز اهتمامها على التفاوض بشأن صفقة نووية مع طهران.

إن إبقاء “بلاد الشام” ممزقة لن يحقّق الاستقرار للشرق الأوسط. يجب دمج المجتمعات الشيعية التي كانت تُشكل ركيزة “محور المقاومة” في الحياة السياسية والاجتماعية للمنطقة. وعلى إيران أن تُدرك أنها تستطيع جني فوائد أكبر من الانخراط الدبلوماسي والاقتصادي، بدلاً من استئناف أنشطتها العسكرية. صحيح أن الجماعات الشيعية قد ضعُفت، لكن محاولة إخضاعهم باستبعادهم من الحياة السياسية سيجعلهم مرة ثانية “فريسة” سهلة لإيران عندما ستحاول في المستقبل إعادة بناء شبكة وكلاء جديدة. وهذا أكثر ما يُهدّد أي رؤية أوسع للسلام في الإقليم.

– ترجمة بتصرّف عن “فورين أفيرز“.

(*) ولي نصر، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة جونز هوبكنز، ومؤلف كتاب “استراتيجية إيران الكبرى: تاريخ سياسي“. ماريا فانتابي، رئيسة برنامج البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد الشؤون الدولية في روما.

 

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  عدالة الأنْكِل سام: لِكُلٍّ حَسْب.. بياض وجهه