تسوية صراعات “الأخوة الأعداء”.. آخر هموم بايدن!
Joe Biden leaves the lectern after delivering remarks about the coronavirus outbreak, at the Hotel Du Pont in Wilmington, Del., on March 12, 2020.

يُعد استشراف تأثير نتائج الانتخابات الأميركية ومآلات الاستقطاب الداخلي الأميركي على المنطقة بمثابة السؤال الأهم في العام 2020، والذي يتفوق في الأهمية على أسئلة ما بعد كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية، إلى درجة جعلت من هذه المخاطر والتهديدات العالمية مجرد ملحقات وهوامش في مسار ما بعد فوز جو بايدن بالسباق الانتخابي الأميركي.

كبديل استهلاكي ومُريح يغني عن التطرق إلى محرك المتغيرات الراهنة المتمثل في عجز واشنطن التصدي لقضاياها ومشاكلها الداخلية على كافة المستويات، وانعكاس ذلك في إضعاف قدرتها المعهودة وشبه المطلقة على فرض رؤى واستراتيجيات وقرارات خارجية، يتم القفز سريعاً إلى سرديات جاهزة ومعادلات عفا عليها الزمن، فيعاد إنعاشها بالتمني أكثر من كونها محاولة تحليل لصورة هي الأكثر تعقيداً في تاريخ الولايات المتحدة وسياساتها الخارجية، وخاصة في ما يتعلق بعلاقة واشنطن تجاه “حلفائها” في الشرق الأوسط، الذين باتوا، طبقاً لهذه السرديات، وبعد نتائج الانتخابات الأميركية، في موقع أسوأ من موقع خصومها، الذين ثبت أن كلاً من باراك أوباما وجو بايدن على استعداد للحوار والتفاوض معهم، وإن اختلفت طريقة وعقلية كل منهما، بعدما تم التعامل مع الحلفاء والشركاء طيلة العِقد الماضي بهامشية وتحصيل حاصل؛ حيث أن عليهم دائماً التموضع والتأقلم مع ما يفرضه ساكن البيت الأبيض بغض النظر عن الثمن أو الإضرار بمصالحهم وتنحية أولوياتهم جانباً.

يضاف إلى ما سبق بُعد جديد ساهمت فيه مجريات انتخابات العام 2020 الأميركية واستثنائيتها، وتحديداً في ما يتعلق بالصراع بين حلفاء واشنطن في المنطقة؛ وهو أن مستقبل هذا الصراع بات مرتبطاً بمجريات ومآلات الاستقطاب الداخلي الأميركي، الذي لا يربأ كثيراً بصراعات الشرق الأوسط وتناقضاته، اللهم إلا في مدى الدعاية الانتخابية والتنافس بين المرشحين من باب تسجيل النقاط والمواقف، وذلك كتتابع منطقي للمتغيرات التي فرضتها الإدارة الأميركية منذ العام 2016 في بنيوية علاقات واشنطن مع حلفائها في العالم عموماً، والشرق الأوسط على وجه الخصوص، فتحولت خلال أقل من أربع سنوات في كثير من أوجهها إلى علاقة شركاتية شبكية تتنافر مع مبدأ المؤسساتية الذي تميزت بها السياسة الخارجية الأميركية باختلاف وتنوع القائمين عليها خلال العقود الثلاثة الماضية، وهو ما جعل من منهجية إدارة دونالد ترامب مجرد عملية تشبيك يتداخل فيها الداخلي بالخارجي، ولتصبح بذلك تداعيات الانتخابات الأخيرة نقطة التحول التي ينتظرها ويستعد لنتيجتها أطراف الصراعات الإقليمية الشديدة التعقيد، والتي تحولت على مستوى السرديات الدعائية الشعبوية المُعلبة والجاهزة إلى ما يشبه مباراة في المكايدة، تختصر بسطحية تكاد تنفصل بالكامل عن واقع التحولات الكبرى التي تحدث في العالم حالياً، ومركزية تأثير مجريات السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة فيها، وخاصة الترابط المضطرد بين شكل ووتيرة صراعات المنطقة بالاستقطاب الداخلي هناك.

مثله كمثل أوباما!

تقفز التحليلات المنطلقة من مختلف منظورات الاستقطاب الإقليمي بين حلفاء واشنطن في المنطقة العربية على أولويات الإدارة الجديدة داخلياً وخارجياً حال تسلمها السلطة بشكل سلس وسلمي، وإسقاط واقع انتخابات 2008 على انتخابات 2020 لجهة حتمية أن تكون سياسة جو بايدن تجاه الشرق الأوسط امتداداً لسياسات باراك أوباما، وكأن الزمن لم يتغير وكأن الشرق الأوسط لا يزال على رأس أولويات أميركا الخارجية/الداخلية، وليس وباء كورونا ولا العلاقات مع الصين ولا إعادة تشكُل المشهد الاقتصادي العالمي وانشغال واشنطن عنه، والأهم رأب صدع الاستقطاب الداخلي في الولايات المتحدة ولملمة فوضى سنوات حكم ترامب.

تدل الإجراءات السابقة لتسلم بايدن ومجريات الأحداث الجارية في الولايات المتحدة أن عملية انتقال السلطة لن تمر بسلاستها المعهودة على المدى القريب، وتجعل سرديتنا الإقليمية المتجمدة التي تتلخص – على اختلاف المواقع – في أن سقوط ترامب ونجاح بايدن يصب في مصلحة هؤلاء، ويضر بمصلحة آخرين، مجرد لغو ميكانيكي منفصل عن واقع ديناميكي متغير مفاده أن ثمة سلم أولويات أميركياً لا تحتل قضايا وملفات الشرق الأوسط فيه موقعاً متقدماً كما كانت الحال في بداية ولاية باراك أوباما.

المتغيرات التي بدأتها إدارة أوباما، والتي كان عنوانها الخروج من المنطقة عسكرياً، لم تكن مرتبطة بشخصه، ولا حزبه، ولا إدارته، إلا كحامل سياسي يدير وينظم أولويات تنفيذ الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، والتي تمر محدداتها خلال ما يربو عن عشر سنوات بعملية تغيُر جذرية عما استقرت عليه منذ بداية الحرب الباردة وحتى غزو العراق؛ فيوضح أوباما من خلال مذكراته  – المنشورة مؤخراً – أن تعاطي إدارته مع المتغيرات الكبرى في المنطقة في العام 2011 لم يكن سوى تعبيراً عن تراكم متغيرات سياسات واشنطن المتلاحقة والسريعة منذ مطلع الألفية الجديدة، وكان أهم وأخطر ما أفضت إليه هو الانقسام والعداء بين حلفاء أميركا في الشرق الأوسط، والناتج بالأساس عن تنافر أولوياتهم ومصالحهم مع أولويات السياسات الخارجية للإدارات الأميركية المتعاقبة، التي بدورها وظفت هذا الانقسام والتنافر لحصد أكبر مكاسب ممكنة خلال سنوات حكمها باختلاف طريقة التنفيذ والتدوير وليس المحددات نفسها.

اختزال جو بايدن في كونه امتداداً لباراك أوباما يعبر عن قصور في رؤية وتحليل اللحظة الاستثنائية الراهنة من تاريخ الولايات المتحدة

هل كان ترامب فرصة أم مقامرة؟

إقرأ على موقع 180  البصيرة.. ونخبة الحراك في لبنان (1)

 من هذه الزاوية، فإن اختزال جو بايدن في كونه امتداداً لباراك أوباما يعبر عن قصور في رؤية وتحليل اللحظة الاستثنائية الراهنة من تاريخ الولايات المتحدة، والتي بطبيعة الحال سيكون لها انعكاس على سياساتها الخارجية وترتيب أولويات هذه السياسات وطريقة إداراتها، وذلك بعد أربع سنوات من شركاتية ترامب التي كانت بمثابة انقلاب على مؤسساتية السياسات الخارجية الأميركية واستراتيجيتها، ليطيح بها ترامب بنمط شركاتي يدير به أعقد الملفات في العالم والمنطقة بشكل خاص – القضية الفلسطينية مثلاً – بمنطق مضارب العقارات الذي يريد التخلص سريعاً من استثمارات “خاسرة” قديمة  بأعلى سعر ليدلل على مهارته بما يكفي لتجديد الثقة به، أو تخريبه لكي لا يستفيد من يأتي بعده.

إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن طريقة ترامب بكل غرابتها وتطرفها، تتميز عن سلفه وخلفه في الشكل وليس الجوهر؛ حيث لا يكاد هناك خلاف بين الجمهوريين والديموقراطيين على مدار السنوات العشر الماضية وما يزيد، على ضرورة التعاطي بواقعية مع المتغيرات التي طرأت على محددات المصالح الاستراتيجية لواشنطن في المنطقة بداية من نهاية العقْد الماضي، والتي بموجبها بات الحديث عن “الانكماش الأميركي في الشرق الأوسط”، الذي تمايز فيه طرفا الاستقطاب الأميركي في طريقة إدارته وتنفيذه فحسب، وليس الخلاف على جوهره.

وبين هذا وذاك، كان حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط في رحلة بحث عن أدوار وظيفية جديدة تتموضع حسب متغيرات الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة، والتي كانت – بخلاف لملمة فوضى 2011 – على مدار السنوات الأربع الماضية رهن التحول والتجريب في تطبيق هذه المتغيرات الأميركية، والتي فاقم من كلفتها وحدّتها نمط إدارة ترامب الشركاتي، الذي تراوح تجاوب هؤلاء “الحلفاء” معها، بين اعتبارها “فرصة” يجب استغلالها وتوظيفها على مستويات داخلية وخارجية، وبين أنه بديل حتمي لموازنة سنوات الانكماش الأميركي في الشرق الأوسط وسط غياب بوصلة جديدة يتموضعون في اتجاهها.

على سبيل المثال وبسبب ضبابية بوصلة العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر قبل العام 2011، وحتى دخول ترامب للبيت الأبيض، مثّل الأخير ومنهجه بالنسبة إلى القاهرة “فترة انتقالية” في مسار إعادة تموضعها مع المتغيرات الأميركية الكبيرة سواء في شكل العلاقت الثنائية أو في التموضعات الإقليمية بشكل عام. أما بالنسبة إلى السعودية، وعلى مقياس أكبر متعلق بمتغيرات عديدة متشابكة أقلها تغيرات سوق النفط العالمي والصراع الداخلي على السلطة، فكان ترامب بمثابة خيار سيء بديل عن خيار أسوأ.

وبشكل موجز، فإن التمايز السابق لا يُعد حالة استثنائية في مسار نمو وتطور/انكماش وتدهور محددات العلاقات الثنائية بين واشنطن وحلفائها في المنطقة وخاصة في السنوات العشر الأخيرة، بل أن مناخ الاستقطاب السائد في المنطقة كأحد أوجه انعكاس الاستقطاب الداخلي الأميركي قد استشرى واستفحل في سنوات حكم ترامب كاستثمار استغله الأخير لحصد مكاسب انتخابية، واستغله الحلفاء في المقابل كفرصة/مقامرة حتمية عوضاً عن الانكماش الذي بدأه سلفه، فيما تشي تصريحات بايدن قبل الانتخابات وبعدها، أن هناك نية لإعادة هيكلة لنمط العلاقة بين واشنطن والأنظمة السياسية للدول الحليفة، لكن دون تعجُل، وبحسب أولويات وتوقيت البيت الأبيض وليس أولويات هؤلاء الحلفاء، الذين بدأوا خلال الأعوام القليلة الأخيرة بعملية متعددة المسارات لاستيعاب الاحتمال الذي أصبح الآن واقعاً، وكذلك التحوط لتداعيات ما سيؤول إليه الاستقطاب الداخلي الأميركي وتأثيره على وتيرة تفاعل واشنطن مع ملفات المنطقة، وأهمها – بالنسبة إليهم – اضطلاعها بدور طال انتظاره من جانبهم للفصل في خلافاتهم التي هي في واقع الحال آخر هموم بايدن في الشرق الأوسط، الذي بدوره لم يعد على رأس الأولويات الأميركية حالياً، إلا إذا نجح ترامب بتوريثه ما لا يرغب بحمله وتحمله وحصد تداعياته.

Print Friendly, PDF & Email
إسلام أبو العز

كاتب صحافي ومحلل مختص بالشؤون الإقليمية والعلاقات الدولية - مصر

Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "ألفاريز" هل تمهل الحريري.. قبل نعي "التدقيق الجنائي"!