“فورين أفيرز”: “حرب الظل” مرشحة للإحتدام بين إسرائيل وإيران

منى فرحمنى فرح03/03/2023
توصف الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران بـ"حرب الظل"، وهي مرشحة لتصعيد قد يطال المنطقة كلها. فمع إنسداد أفق الدبلوماسية، وإقتراب إيران من العتبة النووية، يبدو أن نهج المواجهة الإسرائيلي "يكسب" حالياً. ومع استمرار حرب أوكرانيا، يصبح خيار "الردع العسكري" أكثر جاذبية لواشنطن والغرب، بحسب داليا داسا كايي من "فورين أفيرز"(*).

لطالما جاهرت إسرائيل بإصرارها على إستخدام القوة العسكرية بهدف تعطيل أي تقدم في برنامج إيران النووي. وهي اليوم تُجاهر بأنها تضع برنامج إيران لتكنولوجيا الطائرات العسكرية المسيَّرة أيضاً تحت مرمى نيرانها. ويبدو أن شهية إسرائيل مفتوحة هذه الأيام. فقبل أسبوعين قصفت حياً سكنياً في دمشق، واستهدفت مسؤولين إيرانيين. وقبل ذلك استهدفت جماعات أيضاً موالية لإيران في سوريا، الشهر الماضي، وتسببت في تعطيل حركة الطيران في مطار دمشق الدولي. كما نفّذت هجوماً كبيراً بطائرة بدون طيار على موقع عسكري في مدينة أصفهان الإيرانية، ردّت عليه طهران بمهاجمة ناقلة شحن تجارية في بحر العرب يملكها رجل أعمال إسرائيلي، وفقاً لمسؤولين أميركيين.

هذا النمط من الهجمات المتبادلة مستمرٌ بين إسرائيل وإيران منذ عقود من الزمن، وعلى كافة الجبهات – البرية والبحرية والجوية – وباتت تُوصف بـ”حرب الظل“. وكانت إسرائيل قد أوقفت اعتداءاتها لفترة وجيزة فقط، عندما أصبحت المفاوضات النووية بين طهران والقوى الغربية علنية في عام 2013. لكنها ما لبثت أن عاودتها بمجرد أن أعلن الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إنسحابه من الصفقة النووية المعروفة بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”، في العام 2018. بعد ذلك، وبرغم إلتزام باقي الأطراف بـ”الخطة”، واصلت إسرائيل “المعركة بين الحروب”، مستهدفة الجماعات المدعومة من إيران وشحنات الأسلحة عبر العراق وسوريا إلى حزب الله في لبنان.

كما أن سياسات “الضغط الأقصى” ضد إيران التي اعتمدها ترامب في عهده، شجَّعت إسرائيل على تنفيذ ضربات أكثر جرأة وبشكل متزايد طالت أهدافاً داخل إيران (نووية وغير نووية). هذه النظرة المتشددة المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه إيران تضاءلت نوعاً ما مع وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، وتبنيه الدبلوماسية وإعلانه رغبته في إحياء الاتفاق النووي الإيراني. لكن الأوضاع تتغير الآن في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، مما يزيد من مخاطر عودة التصعيد مرة أخرى.

بدأت إدارة بايدن ولايتها بالتركيز على الدبلوماسية في إدارة الملفات الخارجية، بما في ذلك استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة. في البداية، بدا لهذه الإدارة أنه بالإمكان إحتواء النهج العسكري الإسرائيلي تجاه إيران، وأن ذلك سيشجع الإيرانيين على العودة إلى طاولة المفاوضات، وسيعزز موقع الأميركيين في إدارة هذه المفاوضات بشروط جديدة. لكن إسرائيل واصلت شن هجمات ضد مواقع إيرانية (أحياناً مواقع نووية). وأصبحت مثل هذه الهجمات يُنظر إليها على أنها من سمات المشهد الإقليمي. ومع ذلك، لم تكن الإدارة الأميركية قلقة من هجمات إنتقامية بالمقابل، لأنه كما يبدو أن الإيرانيين لا يهتمون كثيراً بالهجمات الإسرائيلية بقدر إهتمامهم بتخفيف العقوبات من خلال الدبلوماسية النووية.

الآن، كل ذلك قد تغير. ويبدو أن الدبلوماسية نفسها لم تعد مطروحة على الطاولة، ليس فقط بالنسبة لفريق بايدن ولكن حتى بالنسبة للقادة الأوروبيين (…)، وكذلك بالنسبة للقادة الإيرانيين لا سيما مع تقدم قدرات طهران النووية. لم يعد الردع العسكري مجرد ضغط لفرض الدبلوماسية. لقد أصبح الاستراتيجية التي يتبناها الغرب. ويبدو أن نهج المواجهة الإسرائيلي يكسب اليوم.

شهد العام الماضي العديد من الاضطرابات الداخلية والجيوسياسية التي ساهمت في التحول من الدبلوماسية إلى الردع. في إيران، إندلعت مواجهات واسعة النطاق ضد النظام، في أيلول/سبتمبر، وانهارت المفاوضات النووية، وتطورت العلاقات مع روسيا، خصوصاً العسكرية منها والتي نمت مع الحرب في أوكرانيا. ومن المرجح أن تؤدي كل هذه العوامل إلى تصعيد المواجهات بين إسرائيل وإيران، وزيادة خطر أن يطال الصراع باقي دول المنطقة، مما يُعرض القوات الأميركية في العراق وسوريا للخطر.

تُراهن واشنطن على أن المواجهة مع إيران يمكن أن تظل منخفضة المستوى، وأنه يمكن تجنب إندلاع صراع ثنائي أو إقليمي أوسع. وفي الوقت نفسه، تعتقد أن “الردع” ضروري لمنع وإبطاء التقدم العسكري والنووي لطهران في غياب الدبلوماسية.

وبدورها، تُراهن إسرائيل (وفق حساباتها الخاصة) على أن العزلة الإقليمية ونقاط الضعف التي تعاني منها إيران في الداخل، فضلاً عن إجراءات الردع العسكرية الإسرائيلية-الأميركية المنسقة، ستحد من ردود فعل إيران. لكن، التغييرات الجيوسياسية المستمرة التي تشهدها المنطقة والعالم تتحدى كل هذه الآراء.

فعلى خلفية المواجهات التي إندلعت في أيلول/سبتمر الماضي، وحملة القمع التي اعتمدتها الحكومة الإيرانية (…)، يبدو أن المظالم ضد النظام في الجمهورية الإسلامية سوف تتفاقم. ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية وضعف آفاق الإصلاح، فقد تكون مسألة وقت فقط قبل أن تنفجر موجة جديدة من الاضطرابات (…).

الدبلوماسية لم تعد مطروحة على الطاولة اليوم، لا بالنسبة للأميركيين ولا الأوروبيين ولا حتى للإيرانيين.. ويبدو أن نهج المواجهة الإسرائيلي يكسب

مع انهيار المفاوضات النووية، وإنسداد أفق الدبلوماسية، إزدادت قدرات إيران النووية وأصبحت قاب قوسين من العتبة النووية (…)، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان المجتمع الدولي سيتلقى تحذيراً كافياً إذا قررت إيران تسليح برنامجها النووي المدني. صحيح أن إيران تحتاج وقتاً لتطوير سلاح نووي فعلي، لكن عدم اليقين بشأن حالة قدراتها ونواياها سيزيد حوافز إسرائيل لإستخدام الخيارات العسكرية بشكل أكثر شراسة من أجل تعطيل البرنامج النووي الإيراني. وما يزيد من خطورة الوضع أنه من غير الواضح ما إذا كان لدى واشنطن القدرة أو الإرادة لكبح جماح إسرائيل العدواني (…).

الغزو الروسي لأوكرانيا أيضاً أضاف عنصراً جديداً مفاجئاً لتأجيج التصعيد في المنطقة. فإيران تعمل على توطيد علاقاتها مع موسكو بشكل متزايد، خصوصاً العسكرية منها، وتنقل إليها الطائرات العسكرية المسيَّرة التي يستخدمها الجيش الروسي لمهاجمة البنية التحتية الأوكرانية. لقد أصبحت إيران “جهة معادية” ليس فقط في واشنطن ولكن أيضاً في أوروبا. حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بدأ يؤطر مخططاته لقصف المنشآت العسكرية في إيران على أنها “مساعدة” من إسرائيل في المجهود الحربي-الغربي ضد روسيا، (وذلك على الرغم من أن مثل هذه التدابير لا تُبدد المخاوف الغربية بشأن تردد إسرائيل في تقديم دعم عسكري مباشر لأوكرانيا). الولايات المتحدة لن تكون “مساعدة” لإسرائيل في توجيه ضربات مباشرة داخل إيران (وهي نفت أن يكون لها يد في هجوم أصفهان)، ولكن في المناخ الحالي، من غير المرجح أيضاً أن تبدي أي معارضة. فمع استمرار الحرب في أوكرانيا، يصبح اتخاذ موقف رادع وحازم تجاه طهران أكثر جاذبية لواشنطن وحلفائها الغربيين الذين يسعون إلى إضعاف موسكو.

إقرأ على موقع 180  صواريخ غزة تتحدى القبّة الحديدية.. ماذا بعد؟

في الأثناء، فإن التنسيق العسكري الأميركي-الإسرائيلي يتطور كثيراً وبسرعة، وهي علامة أخرى على أن واشنطن لا تؤيد المواجهة الإسرائيلية مع إيران فحسب، بل وتدعمها بنشاط. ففي أواخر الشهر الماضي، نظَّم الجيشان – الأميركي والإسرائيلي – مناورة عسكرية مشتركة؛ هي الأكبر من نوعها؛ لمحاكاة ضربات هجومية بعيدة المدى. وبحسب مراقبين، كان هدف الولايات المتحدة من هذه المناورة إستعراض قدراتها على الاستجابة السريعة للأزمات الإقليمية، وطمأنة “الشركاء” بأنها ملتزمة بحماية أمنهم حتى لو كانت تسعى لتقليل التواجد الدائم لقواتها في الشرق الأوسط. لكن، لن يكون من الصعب أيضاً تفسير المناورات العسكرية على أنها “رسالة ردع” لإيران، وتجربة لإثبات الجدوى المستمرة للخيارات العسكرية الأميركية (…). فالتوقيت بحد ذاته يشير إلى تحول لا لبس فيه إلى أن سياسة “الردع” حلّت مكان “الدبلوماسية” كـ”خيار أخير” على الطاولة.

قد تفترض واشنطن أن شركاءها العرب (في الخليج خصوصاً) سيرحبون بالتحالف العسكري الأميركي-الإسرائيلي، من منطلق أنهم وافقوا على التطبيع مع إسرائيل، ولديهم أيضاً هواجس ومخاوف من قدرات إيران العسكرية. لكن، حتى تلك الدول التي وقعت “اتفاقات أبراهام”، مثل الإمارات، غير متحمسة لخيار الضغط العسكري على إيران، لأنهم سيكونون هدفاً للانتقام الإيراني قبل إسرائيل (تداعيات الهجمات الإيرانية على منشآت النفط في بحر الخليج لا تزال حاضرة). فبعد الضربة الإسرائيلية على أصفهان، على سبيل المثال، وصف أنور قرقاش، المسؤول الإماراتي البارز، الحادث بأنه “تصعيد خطير ليس في مصلحة المنطقة ومستقبلها”.

أضف إلى ذلك، أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية هي الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل. وقد اتخذت بالفعل خطوات أدَّت إلى زيادة العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الأمر الذي يضع القادة العرب الذين اعتنقوا التطبيع في موقف صعب جداً نظراً للمعارضة الشعبية الواسعة للسياسات الإسرائيلية ولـ”اتفاقات أبراهام”.

إن الوضع الراهن والظروف السائدة ستحد من توسيع اتفاقيات التطبيع مع دول مثل السعودية، وستجعل الدول التي طبَّعت بالفعل، ولا سيما الإمارات، أكثر حذراً بشأن التحالفات العسكرية العلنية مع الولايات المتحدة التي تشارك فيها إسرائيل.

في الواقع، إن دول مجلس التعاون الخليجي تُبقي أبوابها مفتوحة أمام إيران، بالرغم من أنها تشارك إسرائيل مخاوفها، وتعمل مع واشنطن في مجال الدفاع الصاروخي الإقليمي. فالسعودية؛ وهي من أكثر المعارضين صراحة للأنشطة الإيرانية في المنطقة؛ تتمسك بالمحادثات الثنائية المباشرة مع طهران. كما أن الإمارات حذت حذو الكويت في الارتقاء بالعلاقات، وأعادت سفيرها إلى طهران في الخريف الماضي بعد غياب دام ست سنوات. حتى الأردن والإمارات (أقرب حلفاء واشنطن في المنطقة) بدأوا بتطبيع العلاقات مع سوريا (حليف إيران الإقليمي الأكبر والأقوى). ومن المرجح أن يتسارع التطبيع العربي مع دمشق، مدفوعاً بالظروف التي أوجدتها تداعيات الزلزال المأساوي الأخير.

ومع ذلك، من غير المرجح أن يؤثر كل هذا الحذر الإقليمي، بشأن إندلاع مواجهة عسكرية مع إيران، على الولايات المتحدة وإسرائيل لتغيير نهجيهما. فمع تجميد المسار الدبلوماسي، وعدم جدوى العقوبات في وقف برنامج إيران النووي ولا الحد من نشاطاتها في الإقليم، تبدو إدارة بايدن أكثر ميلاً إلى دعم الأعمال العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك تنفيذ ضربات مباشرة ضد أفراد ومنشآت عسكرية داخل الأراضي الإيرانية.

تُراهن واشنطن على أن المواجهة مع إيران ستبقى تحت السيطرة، وبالإمكان تجنب إندلاع صراع ثنائي أو إقليمي. وفي الوقت نفسه، تعتقد أن “الردع” ضروري لمنع تحول إيران لبلد نووي

لكن الردع ليس استراتيجية آمنة من الفشل، وتحتاج إدارة بايدن وشركاؤها الأوروبيون أن يكونوا مستعدين لتحمل العواقب عندما تتصاعد المواجهة إلى حريق قد يأكل الأخضر واليابس (…). ففي الوقت الذي يشعر فيه القادة الإيرانيون بأن إسرائيل أو الولايات المتحدة تسعيان للإطاحة بالنظام في طهران، فقد لا يظل الرد الإيراني محدوداً. وليس لدى روسيا؛ التي تحارب الغرب في أورانيا؛ اي سبب وجيه لمحاولة تقييد إيران. قد لا تكون تكون الحرب الإقليمية وشيكة، لكن التصعيد العسكري؛ الذي تدفع به واشنطن وتل أبيب؛ خطيرٌ جداً ويمكن جداً أن يؤدي إلى تداعيات خطيرة قد لا يقوى أحدٌ على تكاليفها التي ستكون طويلة الأجل.

إن الحفاظ على قنوات اتصال مع إيران، في ظل توقف المفاوضات الإيرانية وفي خضم التصعيد العسكري، أمر بالغ الأهمية لإدارة الأزمات (…). يمكن استخدام هذه القنوات للمساعدة في تجنب صراع غير متوقع. سيكون من المهم أيضاً لواشنطن وأوروبا تطوير استراتيجية دبلوماسية لما بعد خطة العمل الشاملة المشتركة. إن غياب الدبلوماسية يفتح المجال للعمليات العسكرية لكي تملأ الفراغ بطرق قد لا تؤدي إلى نتائج أفضل، لا لناحية ردع إيران، ولا لناحية أمن المنطقة وسلامة المصالح الغربية.

خُلاصة القول: لا ينبغي لواشنطن أن تضع الكثير من الثقة في قدرتها على معايرة الضغط إلى المستوى الصحيح فقط. يمكن احتواء التصعيد العسكري واحتواء إيران، ويمكن أن يكون الأفق الزمني للصراع في كثير من الأحيان أطول وأكثر إيلاماً مما تتوقعه الدول.

– النص بالإنكليزية على موقع “فورين أفيرز“.

(*) داليا داسا كايي، زميلة أولى في مركز “أوكلا بوركل” للعلاقات الدولية.

Print Friendly, PDF & Email
منى فرح

صحافية لبنانية

Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  هل يتخلى بايدن عن الشرق الأوسط بعد صفقة إيران؟