سلّطت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي إلى طهران، الأسبوع الماضي، الأضواء مرة أخری علی الجهود المبذولة من أجل تحريك المياه الراكدة بين طهران وواشنطن وصولاً لإعادة إحياء الإتفاق النووي وبالتالي إزاحة سيف العقوبات الأمريكية المُصلت علی رقاب الإيرانيين. هذه الزيارة لم تكن بعيدة عن صفقتين كان يُراد تنفيذهما بين طهران وواشنطن استناداً إلی تفاهمات تمت خلال زيارة سلطان عمان هيثم بن طارق إلى طهران في 28 يونيو/حزيران الفائت.
في الأسبوع الماضي، دخل عامل جديد علی خط الأزمة عندما قرّرت وزارة الدفاع الأمريكية إرسال طائرات من نوع “إف 16″ و”إف 35” وبارجة حربية جديدة إلى المنطقة للدفاع عن المصالح الأمريكية وحماية حرية الملاحة في مضيق هرمز، كما قال الناطق باسم البنتاغون. خطوة وزارة الدفاع الأمريكية، وإن كانت مهمة علی الصعيد الأمني الاقليمي، لكنها حتماً لم تبث الرعب في قلب دولة كإيران تشرف علی حركة الملاحة في مضيق هرمز الحيوي وعلى المياه الخليجية، وهي مهمة أسندها الإيرانيون تحديداً للبحرية التابعة للحرس الثوري التي تتمتع بهامش من حرية الحركة.. والجرأة في التعامل مع الاحتكاكات والتدافع العسكري في هذه المنطقة.
إلا أن تجدد الحديث عن استئناف المفاوضات بين واشنطن وطهران هو أمرٌ مهمٌ أيضاً لجهة تأثير هكذا مفاوضات علی جميع الأطراف المحلية والدولية وتحديداً في ظل التحديات التي تطرحها الأزمة الأوكرانية.
تشي المعلومات الإيرانية بالتوصل إلى تفاهمات أو إلى إتفاق غير مكتوب لـ “توقف مقابل توقف” (freeze vs freeze) بمعنی تجميد آليات العقوبات الأمريكية مقابل وقف التصعيد النووي الإيراني
وتشير معلومات ديبلوماسية إلى توصل الولايات المتحدة وإيران إلى إتفاق “غير مكتوب” يقضي بخفض التصعيد و”إدارة” التطورات بين الجانبين وأن تبادل الرسائل بينهما بهذا الشأن “مستمرٌ”، كما قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، وذلك سعياً لإنجاز صفقة تبادل المعتقلين ومعها صفقة الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في العراق وكوريا الجنوبية وصندوق النقد الدولي والتي يبلغ مجموعها نحو 24 مليار دولار.
ويرى مصدر ديبلوماسي أوروبي قريب من الملف الإيراني أن عودة الملف الإيراني إلى طاولة البيت الأبيض بعد أن قال مسؤولون هناك إنه لم يعد أولوية، يعني أن إدارة الرئيس جو بايدن تجاوزت الخطة “ب” التي وضعتها للتعامل مع إيران، وهي الخطة التي تستند للخيار العسكري، وبالتالي اتجهت نحو الخيار الثالث، أي الخطة “ج”. وهذه الخطة كما يُعبّر عنها المصدر الديبلوماسي الأوروبي تقوم على “خفض التصعيد” حتی تتوفر ظروف أكثر واقعية وأكثر ملائمة لانخراط الجانبين في مباحثات “أكثر جدية”.
وعندما سألت الديبلوماسي الأوروبي عن أهمية استبعاد كبير المفاوضين الأمريكيين روبرت مالي عن المفاوضات مع إيران، أجاب أن ذلك ليس بالضرورة دليلاً علی تعقيد المشهد التفاوضي الأمريكي، “بل ربما كان لمصلحة نجاح المفاوضات”.
وتشي المعلومات الإيرانية بالتوصل إلى تفاهمات أو إلى إتفاق غير مكتوب لـ “توقف مقابل توقف” (freeze vs freeze) بمعنی تجميد آليات العقوبات الأمريكية مقابل وقف التصعيد النووي الإيراني؛ بمعنی آخر إدارة التطورات بين الجانبين، بأمل أن تؤدي إلى إعادة العمل بالإتفاق النووي الموقع عام 2015 أو التوصل إلى إتفاق قريب منه يُحقّق الأهداف التي تتوخاها الأطراف المعنية.
هنا لا بد من لفت الإنتباه إلى وجود ثلاثة أطراف معنية بالملف الإيراني. الأول هو الكيان الإسرائيلي وتحديداً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يعارض أي تفاهم بين طهران وواشنطن، ولا يقبل، كما هو معلوم، بأقل من تفكيك الإتفاق النووي ومعه البرنامج النووي الإيراني، ويعتبر أن أي تفاهمات يجب أن تكون تل أبيب ممرها الإلزامي، أي ضمان “الأمن الاسرائيلي”، وهذا بطبيعة الحال لا يمكن أن يتوفر في عقلية المفاوض الإيراني، أياً كان طعمه وشكله ولونه!
الثاني هو الإتحاد الأوروبي، وهو الآن في أضعف حالاته، في ظل تداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية ولا نصير له سوی الولايات المتحدة التي تعمل معه على أساس مصالحها أولاً وليس مصلحة القارة الأوروبية، وهذا يعني أن الأوروبيين كانوا لا بل صاروا أكثر من أي وقت مضى أسرى المظلة الأمريكية؛ فما تُفصّله واشنطن لا يختلف عليه اثنان في أوروبا، ولذلك هم يراقبون المفاوضات الأمريكية ـ الإيرانية اليوم، كما كانوا يراقبونها سابقاً، وإن بحذر أقل مما كان عليه قبل العام 2015.
الثالث هو الجانب العربي ولا سيما الخليجي؛ فالتطورات التي تشهدها العلاقات العربية الإيرانية وخصوصاً العلاقات السعودية الإيرانية، وإن كانت تسير ببطء وحذر إلا أنها تستند إلی إرادة سياسية متبادلة بانهاء حالة التدافع الأمني والسياسي في المنطقة والتقدم إلى الأمام تعزيزاً للامن والإستقرار في المنطقة.
هنا، لا بد من التوقف عند استحقاق إنتهاء فترة الحظر الدولي المفروضة على إيران لجهة شراء أو تصدير أسلحة كلاسيكية، بموجب إحدى فقرات القرار الدولي الرقم 2231 التي ينتهي مفعولها في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الحالي، وذلك إستناداً إلى اتفاق العام 2015. لذلك، يعمل الاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع الجانب الأمريكي لتفعيل آلية “سناب باك” الواردة في القرار 2231 من أجل عودة العقوبات الأممية المفروضة علی إيران والتي كانت سائدة قبل يوليو/تموز 2015.
ويسود الإعتقاد أن الأوروبيين والأمريكيين يسيرون بخطة توزيع للأدوار للضغط علی الإيرانيين الذين يعلمون جيداً كيف تسير الأمور وبأي اتجاه؟. فلا غرابة أن تعقد وزارة الخارجية الإيرانية، الأسبوع الماضي، إجتماعاً لوزراء الخارجية السابقين مع مساعديهم، بمن فيهم مهندس إتفاق 2015 محمد جواد ظريف لمناقشة السياسات التي يُمكن انتهاجها خلال الأسابيع المقبلة لعبور استحقاق تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
إننا أمام أسابيع مهمة وفاصلة في المنطقة، يزيد في أهميتها ما يُمكن أن نشهد من تطورات على صعيد الحرب الأوكرانية، فضلاً عن ضرورة ترقب ما يجري في الداخل الإسرائيلي
بكل الأحوال، راهنت معظم الدول الغربية علی نتائج الإحتجاجات التي شهدتها إيران علی خلفية وفاة الشابة مهسا أميني من أجل تعديل المواقف الإيرانية؛ إلا أن الإدارة الأمريكية أيقنت في نهاية المطاف أن الخطة “ب” التي وضعتها لمواجهة إيران لم تعد مجدية وأن النظام السياسي في طهران أقوی من تلك التقارير التي تُدبّجها المعارضة الإيرانية التي تعيش في أحضان الغرب؛ في الوقت الذي فشلت فيه الإدارة الأمريكية الحالية في إتخاذ قرار شجاع يقضي بإعادة إحياء الإتفاق النووي مع إيران.
إننا أمام أسابيع مهمة وفاصلة في المنطقة، يزيد في أهميتها ما يُمكن أن نشهد من تطورات على صعيد الحرب الأوكرانية، فضلاً عن ضرورة ترقب ما يجري في الداخل الإسرائيلي.