ما بعد أوكرانيا وفلسطين..​ حربٌ عالَميّةٌ ثالثةٌ أم عالمٌ جديدٌ؟

انتهت الحرب العالمية الأولى في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918. وها نحن اليوم بعد 106 سنوات تقريباً نشهد نوعاً من حرب عالمية جديدة لكن بأشكال مختلفة.

هل تتحول المعارك في أوكرانيا وفلسطين إلى حرب عالمية ثالثة؟ أم نحن في حرب عالمية ثالثة بطرق وأساليب ووسائل جديدة؟

اتخذت الحروب العالمية أشكالاً متعدّدة، منها الحرب الباردة، ومنها حروب بالواسطة وآخرها الحرب الناعمة و”الفوضى الخلاقة” فضلاً عن الحروب المتنقلة والمترابطة الى ما هنالك من تسميات تعدّدت لتشير إلى فعل واحد هو التوحش والخراب لقتل البيئة والإنسان والقيم وتدمير الحضارة.

110 سنوات مرَّت على بداية الحرب العالَميّة الأولى (1914 -1918) التي غيَّرت جذريّاً النّظام الدوليّ الذي كان سائداً آنذاك. حصدت الحرب حينذاك 20 مليون قتيل، ودمَّرت أربع إمبراطوريّات: الألمانيّة، المجريّة، الروسيّة، والعثمانيّة. قبل اندلاع “الحرب العظمى” ـ كما عُرفت – كان مركز توازن القوى العالَميّ في أوروبا؛ وبعدها ظهرت الولايات المتّحدة واليابان كقوّتَين عظميَيْن. كما بشَّرت الحرب أيضاً بالثورة البلشفيّة في العام 1917، ومهَّدت الطريق للفاشيّة، وأسَّست للحرب العالَميّة الثانية، وانعكست مصيريّاً على المَشرق العربيّ، فقسَّمته سياسيّاً ومجتمعيّاً بموجب اتفاقيّة سايكس – بيكو ووعد بلفور وأنظمة الاستبداد والتبعيّة.

بعد عصبة الأُمم والأُمم المتّحدة، لا بدّ الآن من إصلاح المؤسّسات الأُمميّة وإيجاد صيغة أفضل لإدارة الأُمم تكون أكثر فعاليّة ومُشارَكة وتعاوناً من أجل حلّ النزاعات وإيجاد عالَم أكثر رفاهيّة

فلسطين هي أكبر ضحايا الحرب العالميّة الأولى، وهي الشاهد الحيّ والدليل على تآمر القوى الكبرى عليها، وكأنّ الحرب العالَميّة الأولى قد قامت لأجل احتلالها وتغيير مَعالمها وصهينتها وشطب هويّتها، وتبديل سكّانها.

خلال الحرب العالمية الأولى، قام الأوروبيّون باحتلال القدس للمرّة الأولى منذ أنّ حرَّرها صلاح الدّين في العام 1187، ودخلها الجنرال الإنكليزي اللّنبي بجيوشه في التاسع من كانون الأول/ديسمبر 1917 وقال قولته الشهيرة: “اليوم انتهت الحروب الصليبيّة”. وهو المعنى ذاته الذي كرَّره من بعده الجنرال الفرنسي هنري غورو حين احتلَّت قوّاته دمشق في 25 تمّوز/يوليو 1920، فذهب إلى قبر صلاح الدّين وقال بشماتة “ها قد عدنا يا صلاح الدّين”.

توهم العالم بأن الحرب العالمية الأولى ستنهي الحروب، فإذا بها ولّادة حروب وها هو العالم اليوم يتخوف من حرب عالمية ثالثة متعددة الأسماء لدمار وموت واحد.

هل نحن على أبواب حرب عالَميّة ثالثة؟

أهل التكفير يشنّون حرب إرهاب عالَميّة ضدّ كلّ مَن يُخالفهم الرأي. حركات المُقاوَمة تتحوّل إلى نَوع من الحرب العالَميّة ضدّ المَظالِم والاحتلالات. حربٌ عالَميّةٌ من نَوع آخر تندلع من أجل التكنولوجيا والبيئة والمَوارد الحياتيّة، ولا سيّما المياه والطاقة والتكنولوجيا. حروب عالَميّة عِلميّة مُدمِّرة تُهدِّد بنهاية البشريّة. وفضلاً عن عَولمة الإرهاب والمُقاومة، يرسم آخرون سيناريوهات حرب عالَميّة كلاسيكيّة متوقَّعة بين الولايات المتّحدة والصين وروسيا، ويتساءلون: هل يُمكن تفاديها؟

 قال هنري كيسنجر في حوار مع جريدة “ديلي سكيب” الأميركيّة، “إنّ الحرب العالَميّة الثالثة باتت على الأبواب، وإيران ستكون هي ضربة البداية في تلك الحرب، التي سيكون على إسرائيل خلالها أن تقتل أكبر عدد مُمكن من العرب وتحتلّ نصف الشرق الأوسط”. ويردّ المتفائلون بأنّ عالَم اليوم يختلف عن العالَم كما كان في العام 1914. يومها ساد تصوّر بأنّ الحرب حتميّة، وهي نظرة قَدَريّة عزَّزتها الحجّة الداروينيّة الاجتماعيّة بأنّ الحرب مرحَّب بها، لأنّها تعمل على “تنقية الأجواء”، مثل “عاصفة الصيف”، كما كَتب ونستون تشرشل في كِتابه “أزمة العالَم”. لذلك اندفعت الأُمم بشراسة نحو النزاع والدمار، كأنّ العالَم كان راغباً في المأساة.

لا شكّ في أنّ القوميّة تنمو اليوم، وبخاصّة في الصين وروسيا ودول أخرى، وأنّها قد تتواجه مع مصالِح قوميّات أخرى. تشنّ الولايات المتّحدة حرباً عالَميّةً بالتقسيط، ولا سيّما بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. لكنّ أيّ خطر مصيري بالمُواجَهة يُمكن الحدّ منه باللّجوء إلى الخيارات السياسيّة السلميّة. وإمكانيّات التعاون ما زالت أقوى من احتمالات الحرب في ما يتعلّق بالعديد من القضايا. وانتهاج أيّ سياسة مُغامِرة من شأنه أن يُعرِّض مَكاسب البلدان في الداخل والخارج للخطر. لذلك لديهم الخيارات والوقت لإدارة العلاقات بينهم بنجاح. يتحمل الحكام المسؤولية وهم قادرون بالحكمة والإرادة على تجنب الحرب إذا أحسنوا إدارة السلطة.

بحثت أجيالٌ من المؤرّخين والخبراء وصنّاع السياسات بكلّ دقّة في أصول الحربَين العالَميّتَين والتأمّل في إيجاد صيغة بين القوّة والعدالة في إدارة شؤون الحكم العالَمي، لكن حتى الآن ما زالت العدالة واحترام القانون والحقوق في عالم التمني.

كانت الجهود المُضنية التي بُذِلَت منذ نهاية الحرب العالَميّة الثانية لبناء مؤسّسات حُكم إقليميّة وعالَميّة فعّالة سبباً في الحدّ، وبشكلٍ كبير، من خطر وقوع كوارث مثل الحروب العالَميّة. بعد عصبة الأُمم والأُمم المتّحدة، لا بدّ الآن من إصلاح المؤسّسات الأُمميّة وإيجاد صيغة أفضل لإدارة الأُمم تكون أكثر فعاليّة ومُشارَكة وتعاوناً من أجل حلّ النزاعات وإيجاد عالَم أكثر رفاهيّة. لكن بعد أوكرانيا وفلسطين تبين أن المؤسسات الدولية غير فاعلة والقيم الإنسانية غير محترمة فهي غائبة أو انتقائية وهذا ما ظهر مؤخراً بشكل جلي وفاضح في غزة: فأين العدالة ـ مع كل التقدير للقرار التمهيدي الصادر عن محكمة العدل الدولية ولو أنه جاء ناقصاً ـ وحقوق الإنسان في فلسطين؟

فلسطين هي أكبر ضحايا الحرب العالميّة الأولى، وهي الشاهد الحيّ والدليل على تآمر القوى الكبرى عليها، وكأنّ الحرب العالَميّة الأولى قد قامت لأجل احتلالها وتغيير مَعالمها وصهينتها وشطب هويّتها، وتبديل سكّانها

أصبح العالَم بحاجة إلى رؤية أكثر إنسانيّة وأخلاقيّة لبناء إنسان جديد يعترف بالآخر ويُضحّي من أجل الغير ويهزم الأنانيّة ويكون قادراً على إطلاق ثورة ثقافيّة لعالَمٍ جديد.

إقرأ على موقع 180  نقترب دولياً من "خط النهاية".. ولكل "أناه"!

هل نشهد موت الإنسان الفرداني الإلغائي للآخر العدواني الذي يزرع الحروب والتدمير والخراب، كما بشَّرنا فرنسيس فوكوياما في ما سمّاه “نهاية التاريخ”، أو أنّنا دخلنا مرحلة تاريخيّة لإنقاذ الحضارة والإنسانيّة بولادة إنسان جديد يعمل على إيجاد سُبل جديدة للتعاون؟ ولا بدّ أن يكون الأساس الذي يقوم عليه هذا التعاون هو إيثار الآخر وإنكار الذّات.

 ما زال الإنسان يعيش صراعاً بين الحرب والأمان، وبين نزعته الداروينيّة العدوانيّة وتوقه إلى تجسيد الأخلاق والقيَم السامية في عالَمٍ جديد.

هل مات الإنسان أم سيولد من جديد حتى يبني العالم الجديد؟

سؤال يستحقّ التأمّل والبحث حتّى لا تتكرّر الحروب مهما كان اسمها ونوعها ولونها!

Print Friendly, PDF & Email
سركيس أبو زيد

كاتب وناشر لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  أعراس روسيا في باكستان من علي بوتو إلى خان