“الصفقة الكبری” بين ترامب وإيران.. ممكنة؟

وقّع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان معاهدة تعاون استراتيجي مع نظيره الروسي فلايمير بوتين خلال زيارته إلى موسكو، الأسبوع الماضي؛ مُدّتها 20 عاماً وتُشكّل استمرارا لمعاهدة العام 2001 التي انتهت مدتها في العام 2021 وكانت تنص علی سريان بنودها إلى حين التعبير عن رغبة البلدين بتجديدها من عدمه، لكن البلدين ذهبا أبعد من ذلك عندما قرّرا اعادة صياغة بنود المعاهدة لتلائم المستجدات الإقليمية والدولية واحتياجات ومصالح البلدين.

احتوت اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة علی ديباجة و43 مجالاً للتعاون السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي، وكلّها تُجسّد التوجه الإيراني شرقاً رداً على انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في ولايته الأولی عام 2018 وفرضه المزيد من العقوبات الإقتصادية معطوفة على تصاعد التهديدات الإسرائيلية والأمريكية المُوجهة لإيران.

جاء توقيت التوقيع علی المعاهدة الإيرانية الروسية قبيل عشرات الساعات من موعد تدشين دونالد ترامب ولايته الثانية، وبالتالي يحمل في طياته دلائل عدة، لا سيما بالمحتوى والتوقيت. وحسب المعُلن، تشمل المعاهدة التعاون في مجالات أمن المعلومات؛ الطاقة؛ الدفاع؛ مواجهة الإرهاب؛ غسيل الأموال؛ الجرائم المنظمة وغيرها من القضايا العسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية؛ الأمر الذي جعل المرشد الإيراني الأعلی الإمام علي خامنئي يُقدّر أنّها ستؤثر علی منطقة الشرق الأوسط وآسيا التي “ستصبح مركز المعرفة والاقتصاد والقوة السياسية والعسكرية وستنشر فكرة المقاومة ومحورها ضد البلطجة”.

ومع توقيعها علی معاهدة “العمل المشتركة الاستراتيجة” بينها وبين روسيا، فإن إيران الآن باتت تملك مجالاً أوسع للمناورة لتحقيق أهدافها. لذلك ثمة اعتقاد سائد أن التفكير بـ”الصفقة الكبری” المحتملة التي يتم الحديث عنها بين ترامب وإيران هو الخيار الأنسب والأفضل لتصحيح مسار السياسات الأمريكية حيال إيران والشرق الأوسط علی حد سواء

وكانت إيران قد وقّعت سابقاً مع الصين برنامج عمل استراتيجي مشترك بقيمة 450 مليار دولار لمدة 25 عاماً إلا أن ما يُفرق بين روسيا والصين أن الثانية لا تريد بأي حال من الأحوال تحدي عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية، ولذلك فإن تفعيل برنامج التعاون الصيني الإيراني لاقی واجه عوائق عديدة بسبب حرص بكين على عدم ازعاج واشنطن. لكن الأمر مع روسيا مختلفٌ كثيراً بسبب وجود موسكو في قلب العقوبات الأمريكية ورغبتها في ابعاد طهران عن واشنطن خصوصاً وأنها ترصد جيداً مآلات المفاوضات المحتملة بين طهران وواشنطن علی خلفية امكانية استئناف المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية، فور وصول ترامب إلى البيت الأبيض.. وصولاً إلى تسوية معظم القضايا العالقة بين البلدين وهو احتمال لا يستبعده المتابعون للشأن الأمريكي في العاصمة الإيرانية.

في غضون ذلك، تجد طهران نفسها محاصرة ومضغوطة في ضوء التطورات الإقليمية الأخيرة من غزة إلى العراق مروراً بلبنان وسوريا؛ يتزامن ذلك مع زيادة حدة المشاكل التي تواجه الإقتصاد الإيراني بسبب أجواء المقاطعة التي عبّر عنها الرئيس بزشكيان في مرات عديدة خلال الأسابيع الماضية. إضافة إلی ذلك، تشعر طهران أن انضمام إسرائيل إلى قيادة العمليات الأمريكية المشتركة (سنتكوم) أدى إلى الإخلال بقواعد الأمن الاقليمي، وهو الأمر الذي ظهر جلياً بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. بهذا المعنى، إنّ وقوف إيران موقف المتفرج في مواجهة ما حدث ويحدث في المنطقة، لا ينسجم وطموحات إيران التاريخية؛ خصوصاً عندما صارت سواحل البحر الأبيض المتوسط في صلب أمنها القومي، ولذلك فإن التوجه نحو الشرق وتحديداً نحو الصين وروسيا هو توجه طبيعيٌ نحو اعادة “توازن القوة” في المنطقة.

واللافت للانتباه أن إيران أكدت أن توقيع معاهدة مع روسيا أو برنامج عمل مشترك مع الصين “لا يشرنق العلاقات الخارجية الإيرانية”؛ بمعنی أنه لا يمنعها من الانفتاح علی بقية دول العالم شرقاً وغرباً؛ وهذا ما يُعطي رسائل واضحة للدول الغربية بأن مثل هذه الاتفاقيات لا تؤثر أبداً علی تعامل إيران معها فيما اذا سارت هذه الدول بالمسار الذي يحترم المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

أما من ناحية التوقيت؛ فقد حرصت طهران ولربما موسكو أيضاً على توجيه رسائل إلى الرئيس الأمريكي المنتخب وفريقه مفادها أن استمرار العقوبات وعدم الدخول في مفاوضات جادة تُراعي المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، لن يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة؛ وأن ما حدث في 7 أكتوبر 2023 يُمكن أن يتكرّر بشكل آخر، وأنّه برغم ما أصاب “المحور” الذي تتزعمه إيران إقليمياً، تستطيع طهران أن تُعرقّل وتربك الكثير من البرامج والخطط الأمريكية في المنطقة.

وتقول مصادر رسمية إيرانية إن إيران في ظل حكومة مسعود بزشكيان “لا تريد تهديد أحد ما بقدر ما تريد التوصل إلى حل لأن الناخب الإيراني عندما وجد نفسه بين المرشحين سعيد جليلي ومسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، اصطف إلی جانب بزشكيان الذي شدّد علی ضرورة حل مشاكل إيران مع الدول الغربية وصولاً إلى وضع الخطة التنموية السابعة التي ترفع نمو الناتج القومي إلى نسبة 8 بالمئة”.

لقد أثبتت 45 عاماً مضت أن خيار العقوبات لم يعد خياراً فاعلاً في الضغط علی إيران لأنها تعايشت مع هذه العقوبات والتفت عليها؛ كما أن الولايات المتحدة تُدرك أن خيار الحرب مكلفٌ لها ولمصالحها الحيوية في المنطقة.

إقرأ على موقع 180  أزمة الذات الإمبراطورية.. فقدان المرجعية وأزمة التبعية

ومع توقيعها علی معاهدة “العمل المشتركة الاستراتيجة” بينها وبين روسيا، فإن إيران الآن باتت تملك مجالاً أوسع للمناورة لتحقيق أهدافها. لذلك ثمة اعتقاد سائد أن التفكير بـ”الصفقة الكبری” المحتملة التي يتم الحديث عنها بين ترامب وإيران هو الخيار الأنسب والأفضل لتصحيح مسار السياسات الأمريكية حيال إيران والشرق الأوسط علی حد سواء.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  السياسة الدولية منذ القرن العشرين.. الثورة الصينية (3)