عندما كانت مصر توشك أن تدخل عصرا جديدا فى تاريخها الحديث عام (1974) نشرت روايته «نجمة أغسطس». بحكم موضوعها عن إنجاز السد العالى، بدت فى توقيتها كأنها تغريد خارج السرب.
عندما كانت مصر توشك أن تدخل عصرا جديدا فى تاريخها الحديث عام (1974) نشرت روايته «نجمة أغسطس». بحكم موضوعها عن إنجاز السد العالى، بدت فى توقيتها كأنها تغريد خارج السرب.
في 25 تموز/يوليو 2025، عاد جورج ابراهيم عبدالله، بعد إطلاق سراحه أخيراً، إلى وطنه لبنان. وفي صباح اليوم التالي، لفظ زياد الرحباني، الموسيقي ورجل المسرح والإذاعة، وابن الثنائي الأسطوري فيروز وعاصي الرحباني، أنفاسه الأخيرة في مستشفى الخوري في حي الحمرا ببيروت، لينتقل اليسار اللبناني والعربي من الفرح إلى الحزن. نيكولا دوت بويار باحث مشارك في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في بيروت كتب مقالة عن عودة عبدالله ووداع زياد ترجمها من الفرنسية إلى العربية الزميل حميد العربي من أسرة "اوريان 21"..
في لحظة من الصمت المباغت، غادرنا صنع الله إبراهيم، ليس كجسدٍ فانٍ، بل كحالةٍ أدبيةٍ فريدة، وحساسيةٍ نقديةٍ حادّةٍ شكّلت وجدان جيل بأكمله. لم يكن رحيله مجرّد خبر وفاة، بل هو انقطاع لرابط حيوي بين الأدب وواجبه في مواجهة الواقع، وشهادة على نهاية زمنٍ كان فيه الكاتب ضميرًا لا يخشى العتمة. كانت مسيرته الإبداعية بأسرها تتجاوز حدود السرد التقليديّ، لتتحول إلى مختبرٍ فنيٍّ يُختَبر فيه الفن أمام قسوة الحياة، ويتحوّل النصّ إلى أداةٍ لتحليل الواقع لا مجرّد حكاية تُروى.
عندما يموت مبدع يساري، ينقص الأمل أكثر ويعلو منسوب الإحباط في ذهن العالم ومستقبله. برحيل صنع الله إبراهيم، خسرنا الحارس الأخير للكلمة الحرة، والعين التي لم تخشَ مواجهة العتمة.
اقتربا وابتعدا، لكنهما ظلا حتى النهاية توءمًا ملتصقًا. لا يمكن الاقتراب من عوالم أحدهما دون التطرق بالفهم والاستيعاب لتجربة الآخر. إنهما الشاعران الفلسطينيان الكبيران «محمود درويش» و«سميح القاسم».
عمري من عمر جيل ما بعد أوسلو. كنت أعتقد أنّ إنساناً مُحباً يدعى أفلاطون ينتظر موكب الثلاثة عصافير وكنا ننتظرهم معه. لحنٌ طفولي غنائيٌ انسيابي. تعرّفت على زياد الرحباني أولاً عبر هذه الأغنية. رجلٌ منعزلٌ يعيش في غرفة وحده يعتقد أنه عبقري أو أن أحداً يعتقد أنه كذلك.. لا يهم.
لا يُقاس أثر العظماء بالتوصيف والترميز، ولا بتأطير نتاجهم الثقافي تحت عناوين الأيديولوجيات، بل من القراءة المستمرة لأثرهم في صيرورة الشعوب وحركات التحرر والتقدم، ومن باب تلمس دورهم في بناء مداميك الوعي حجراً بعد حجر، وهكذا تصبح أفكار العظماء بذاتها هي البوصلة وهي العنوان المفتوح على أفق الحرية.
كنا نتمشّى، متسكّعات كعادتنا، بعد نهاية يوم دراسى طويل فى الجامعة الأمريكية فى بيروت. فما إن ينتهى اليوم بعد الظهيرة، حتى نهرول باتجاه شارع الحمرا، ونبدأ المشوار بين الموكا أو الأولمبى، ثم سينما، ثم مشى بين المحلات فى ذاك الشارع الصاخب، نراقب الأرواح المتنقلة بانبهار المراهقات القادمات من الخليج لتوّهن.
أعلم أنّ الكثيرين من محبّي وعاشقي "زياد" سيعتبرون أنّ الاكثار من المقولات والتّحليلات الفكريّة، وأنّ الاكثار من الفلسفة والتّفلسف – إن جازت هذه التّعابير كلّها - في ما يخصّ هذا الرّمز الفنّيّ والاجتماعيّ - اللّبنانيّ والمشرقيّ - الكبير... ليسا مناسبَين ربّما لما يُفضّله ويُحبّه الرّجل نفسه من جهة، وليسا مناسبَين في ما يعني المزاج اللّبنانيّ الشّبابيّ العامّ من جهة ثانية.
كثيرون اعتمرتهم الدهشة وانبعثت من دواخلهم تساؤلات لا أول لها ولا آخر، وهم يتابعون البيانات والمواقف الناعية للراحل زياد الرحباني الصادرة عن حزب الله ونوابه ووسائل إعلامه، وإذ تساكنت الدهشة والحيرة في سابقة غير معهودة لدى الحزب كما يتساءل المتسائلون، إلا أن تساؤلاً واحداً تقدم على غيره ومضمونه: كيف ينعي حزب الله فناناً وموسيقياً ونصيراً لعقيدة مناقضة لعقيدته ومغايراً في الدين والمذهب؟