
بين لحظة انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في 9 شباط/فبراير 1979 على يد الإمام آية الله الخميني وإستمرارها حتى يومنا هذا (45 سنة)، لا بد من جردة حساب مع تجربة وضعت إيران في موقع متميز ومتقدم على خارطة العالم السياسية.
بين لحظة انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في 9 شباط/فبراير 1979 على يد الإمام آية الله الخميني وإستمرارها حتى يومنا هذا (45 سنة)، لا بد من جردة حساب مع تجربة وضعت إيران في موقع متميز ومتقدم على خارطة العالم السياسية.
تساهم المساندة الميدانية التي تقدمها قوى محور المقاومة للفلسطينيين في غزة في طمس الإنقسامات الطائفية والمذهبية التي صبغت المنطقة لعقود طويلة مضت، وتؤسس لـ"جبهة" جديدة؛ سنية شيعية؛ ستكون التحدي الأكبر بالنسبة لأميركا والغرب، والامتحان الأصعب لأنظمة المنطقة لسدّ الفجوة المتزايدة الاتساع بينها وبين مواطنيها، بحسب توبي ماثيسن في "فورين أفيرز" (*).
في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وفي عز "طوفان الأقصى"، جرى الحديث عن تقرير سري للوكالة الدولية للطاقة يتحدث عن ازدياد مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 22 مرة عن الحد الأقصى الذي يُجيزه الإتفاق النووي الذي تم توقيعه في العام 2015 وخرج منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في العام 2018.
مع شيء من المجازفة يمكن القول إنّ المجال الجيوسياسي الإيراني المفتوح على أوراسيا، يُمثّل العُمق الاستراتيجي لعمليّة "طوفان الأقصى"، وقد تجلّت أولى خطواتها بإعادة بناء إستراتيجيّة التحرير الفلسطينيّة في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر وكشف الضعف القاتل للنظام الأمني الإسرائيلي. ولنا الدليل في العلاقات الوثيقة لإيران مع حركات المقاومة الفلسطينيّة، وما تقدّمه طهران لهذه المقاومة من إسناد بالسلاح والمال والعتاد، فضلاً عن حلول لتوسيع هامش الحركة وتجاوز الحصار والموانع الإسرائيليّة والأميركيّة.
أُعطي محمد جواد ظريف الكلام أمام نقابة المحامين في طهران، ليدعو القيادة الإيرانية إلى عدم الدخول في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، على خلفية الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة.
"إنّ الحرب هي عمل من أعمال القوة لإجبار عدونا على تنفيذ إرادتنا". من كتاب "عن الحرب" (كارل فون كلاوزفيتز).
أوقعت إسرائيل نفسها في معضلة كبيرة، عندما حددت لنفسها هدفاً عالياً بحجم "سحق حماس" والقضاء على بنيتها العسكرية والسياسية في قطاع غزة. هذا الهدف لا يمكن تحقيقه من دون اجتياح بري كامل للقطاع حشدت له إسرائيل مئات الآلاف من جنود الإحتياط، وبدعم عسكري وسياسي أميركي بلا حدود.
لم تمضِ أيام قليلة على "طوفان الأقصى"، حتى كان وزيرا خارجية أمريكا أنتوني بلينكن وإيران حسين أمير عبدالليهان، أول الوافدين إلى الشرق الأوسط، ولو أن لكل منهما برنامجه وصديقه وحليفه.. وأيضاً حساباته الدقيقة؛ إلا أن السؤال المطروح هو كيف ستتصرف كل من واشنطن وطهران دعماً لحليف كل منهما في عقر داره؟
بعد 44 عاماً من المحاولة، باتت إيران على قاب قوسين أو أدنى لأن تصبح القوة المهيمنة في المنطقة. فالقنبلة النووية باتت تقريباً في متناول اليد، والبلاد نجت من العقوبات والاحتجاجات الداخلية، واستطاعت تثبيت استقرار اقتصادها وتجديد دفاعاتها. والأهم أنه صار لها "رعاة" وسط القوى العظمى: روسيا والصين. كل ذلك دون أن تتنازل عن شعار الثورة "أميركا العدو الأكبر"، بحسب تقرير لـ"فورين أفيرز"(*).
تنشغل أوساط إيرانية مهتمة بالإتفاق النووي بمآلات هذا الإتفاق مع إقتراب استحقاق شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023 (إنتهاء قرار حظر تصدير وإستيراد الأسلحة)، وذلك إستناداً إلى سيناريوات مُستقاة من مضمون المفاوضات التي جرت بين واشنطن وطهران في مسقط في الأشهر الماضية.