“اليوم التالي” فلسطينياً.. كرة أميركية في ملعب نتنياهو!

تكشفت هذا الأسبوع معالم خطة أميركية تعالج تداعيات حرب غزة. وبحسب صحيفة "يسرائيل هيوم"، فإنّ الإدارة الأميركية تعمل على صفقة إقليمية شاملة تتضمن إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين وتطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية غير المُطبّعة.

ثمة مفارقة أنّ معالم هذه الخطة لم تتوضح بشكل رسمي من قبل الإدارة الأميركية – صاحبة العرض – بل من الرفض الإسرائيلي المبكر لها الذي أتى على لسان مسؤولين سياسيين في إسرائيل إضافة إلى ما رشح من تسريبات صحفية هنا وهناك.

في السياق العام، تبدو هذه الخطة الأميركية محصلة نقاشات خاضها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مع قادة ورؤساء دول التقاهم في جولاته الشرق أوسطية المتتالية.

ماذا في التسريبات عن الخطة؟

تقول صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” نقلاً عن مسؤول أميركي لم تسمه أن أنتوني بلينكن أبلغ المسؤولين الإسرائيليين باقتناعه بصعوبة القضاء على حركة حماس عسكرياً وأن ذلك قد يؤدي إلى “تكرار تجربة التاريخ مرة أخرى”. تكمل الصحيفة نقلاً عن تقرير لشبكة الـ (NBC) الأميركية قولها إن بلينكن عرض خطته أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد أن أخذ التزامات من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بأنّ المملكة وأربع دول عربية أخرى مستعدة للمساهمة في إعادة إعمار قطاع غزة بعد انتهاء الحرب وبعد اصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية وعودتها إلى القطاع. وفي السياق نفسه، تورد الصحيفة نقلاً عن مسؤولين أميركيين أن بن سلمان أبلغ بلينكن بأنه مستعد للتطبيع مع إسرائيل بعد انتهاء الحرب ولكنه اشترط قبولاً إسرائيلياً فورياً بقيام الدولة الفلسطينية.

يراهن الطرف الإسرائيلي على عامل الوقت الممنوح له من قبل البيت الأبيض وان بدأ يضيق بعض الشيء، ويحاول قدر الإمكان بأن يشلّ مقومات صمود الشعب الفلسطيني وتدمير قواه الحيّة

أبعد من صفقة الأسرى

تدرك واشنطن تماماً عناد نتنياهو ومضيه قدماً في المرحلة الثالثة من الحرب دون أخذه في الاعتبار ملاحظاتها على تفاصيل المرحلة الثالثة (راجع المقال السابق). كذلك تدرك واشنطن أن الخلاف الناشب بين المستويين العسكري والسياسي في إسرائيل، بدأ يشتد فعلاً الا أنه لم يصل بعد إلى حد اسقاط نتنياهو، وبالتالي ما يزال يمثل الرقم السياسي الصعب. أخذاً بكل هذه الظروف، قد تكون الإدارة الأميركية باشرت الالتفاف على نتنياهو عبر اشراكها دولاً إقليمية وازنة، كالسعودية، في الحلّ النهائي. وهذه الأخيرة كان قد عبّرت أنّها تريد مهراً عالياً لقاء خطوة تطبيع العلاقة مع إسرائيل، وهذا ما قاله بن سلمان لشبكة “فوكس نيوز” في مقابلته الشهيرة في أيلول/سبتمبر من عام ٢٠٢٣، أي قبل شهر واحد فقط من عملية “طوفان الأقصى”. حينها قال بن سلمان إنّ القضية الفلسطينية بالغة الأهمية لمسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لتصدر بعدها مواقف من قبل وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان تؤكد على موقف المملكة الثابت الداعي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلّة على حدود العام ١٩٦٧.

على الجانب الإسرائيلي، ومن خلال هذه المبادرة، تكون واشنطن قد ضمنت لتلّ أبيب مسألتين: أولاً؛ إطلاق جميع الرهائن (علماً أن هذا الأمر صعب لغاية الآن ويستوجب تفعيل المبادرتين القطرية والمصرية). وثانياً؛ تطبيع العلاقة بين تلّ أبيب والرياض وهو الأمر الذي يفيد إسرائيل في سعيها إلى توسيع اتفاقيات إبراهام لتشمل دولاً عربية وإسلامية أخرى. إذاً، تحاول الإدارة الأميركية الاتيان بنتائج ميدانية وسياسية ليس بالضرورة أن تكون مناسبة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وإن كان مضمونها الأساس محاولة تعويض الإسرائيلي بالسياسة ما لم يستطع تحقيقه في الميدان بعد 108 أيام.

وفي الأسابيع الأخيرة، عكفت عدّة مراكز أبحاث (think-tanks) أميركية وأوروبية على دراسة نتائج وتداعيات ما بعد حرب غزة وخلصت للقول إنّ معضلتين أساسيتين ستبرزان فور انتهاء الحرب وهما: تكلفة إعادة الاعمار الباهظة، ومسار “حل الدولتين” الذي عاد للظهور في أدبيات وكلام المجتمع الدولي مؤخراً. لذلك، قد تكون واشنطن استبقت هذا الأمر بإشراكها المملكة العربية السعودية وهي تعي مسبقاً أنّ المملكة قد تساعدها في حلّ هذين الموضوعين. ولكن ثمة معوقات أخرى لا تزال حاضرة وأبرزها موقف تل أبيب.

كارثة.. اليمين الإسرائيلي المتشدد

 لم تمضِ ساعات قليلة على التسريبات الصحفية حول الخطة الأميركية حتى بادر نتنياهو إلى رفضها علناً. حاول الرئيس الأميركي جو بايدن، الإيحاء بأنه جاد في طرح موضوع الدولة الفلسطينية، أثناء اتصال هاتفي جرى بينه وبين نتنياهو الا أنّ الأخير أصدر بياناً عن مكتبه يوم السبت – وهذا بالمناسبة نادر الحصول في إسرائيل كونه يوم عطلة – عبّر فيه عن اللغط الذي أثير حول تصريحات بايدن الأخيرة. نقتبس من البيان العبارة التالية: “عند القضاء على حماس، يجب على إسرائيل الاحتفاظ بسيطرة أمنية كاملة على قطاع غزة، من أجل الضمان بأن غزة لم تعد تشكل أي تهديد على إسرائيل، وهذا يصطدم مع المطالبة بسيادة فلسطينية”. وقبل اصدار هذا البيان، كان نتنياهو قد قال في مؤتمر صحفي يوم الخميس في ١٨ كانون الثاني/يناير، إنه أبلغ الولايات المتحدة بمعارضته إقامة دولة فلسطينية “في إطار أي سيناريو لمرحلة ما بعد الحرب على غزة”، أي أنه يعارض الرغبة الأميركية.

خطط إسرائيل لليوم التالي

يراهن الطرف الإسرائيلي على عامل الوقت الممنوح له من قبل البيت الأبيض وان بدأ يضيق بعض الشيء، ويحاول قدر الإمكان بأن يشلّ مقومات صمود الشعب الفلسطيني وتدمير قواه الحيّة. لسنوات طويلة، كان التفكير السياسي الإسرائيلي يقوم على تحييد السلطة الفلسطينية على اعتبارها شريكاً سياسياً في “عملية السلام”. الا أنه مع وصول اليمين المتشدد إلى الحكم في إسرائيل، شرعت الأخيرة في تهديد الفلسطينيين في الضفة الغربية، قتلاً واعتقالاً وتشريداً. وقد يكون في صلب أجندة اليمين اليوم، المساهمة في انهيار السلطة الفلسطينية، وذلك لتبرير عدم وجود طرف فلسطيني فاعل تستطيع أن تعقد معه اتفاقاً. فمنع وصول الأموال إلى السلطة عبر المقاصّة، للشهر الثالث على التوالي، قد يضع السلطة أمام خطر الانهيار الفعلي إذ يمنعها من القيام بمسؤولياتها الإدارية أمام شعبها، ويحرم عشرات آلاف الفلسطينيين العاملين في إدارتها من تلقي رواتبهم.

إقرأ على موقع 180  سلمان من الإمارة إلى عمارة المملكة

وإذا كانت الحرب على غزة هدفها اضعاف حركة حماس عسكرياً وسياسياً، فإنّ الحرب الإسرائيلية على الضفة تسعى إلى شلّ السلطة الفلسطينية (وشل حركة فتح معها)، وبذلك يكون الاحتلال الإسرائيلي قد أطبق الخناق على القوتين الأساسيتين في الساحة السياسية الفلسطينية. ولكن حتى لو نجح الإسرائيلي في تحقيق نتائج ما يتوخاها في حربه على غزة، الا أنه لا يبدو جاهزاً للإجابة على السؤال المتعلق بمن يحكم القطاع بعد الحرب، وذلك في ظلّ رفض فلسطيني وعربي وإقليمي بتسيير شؤون القطاع، بعد الحرب، لجهة غير فلسطينية وبغير موافقة الفلسطينيين ومن يمثلهم سياسياً هناك. هذا على افتراض طبعاً قدرة الإسرائيلي على “سحق حماس” كما يدعّي!

مشكلة الأفكار الأميركية أنها تقدّم حلاً للحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين، من دون أن تكون لها أدوات ضغط فاعلة على الطرف الأول، ولا قنوات تواصل جدية ومستمرة مع الطرف الثاني، وتلك مفارقة غريبة عجيبة فعلاً

ملاحظات ختامية

في كل ما سبق، لم أسمِ مجموعة الأفكار الأميركية بالمبادرة. اذ أنّ المبادرة تُعرّف بمجموعة أفكار متبلورة في أهداف محددة وآليات تنفيذية لها. بناءً عليه، فإنّ الحلول – الأفكار الواردة من قبل المسؤولين الأميركيين لا ترتقي إلى مستوى المبادرة المتكاملة بعد، بل هي أقرب إلى جس نبض واختبار نوايا ليس الاّ. وبغض النظر عن ضعفها وهشاشة الحل الذي تقترحه بعض الأوساط الفاعلة في الإدارة الأميركية، فانّ تساؤلات عدة تطرح في هذا المجال، سألخصها بالنقاط التالية:

  • إذا كان الرئيس الأميركي لا يمون على نتنياهو بوقف الحرب ومنع توسعها، فكيف له أن يمون عليه في موضوع حيوي مثل إقامة دولة فلسطينية؟
  • بدأت الانتخابات التمهيدية لكلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي في الولايات المتحدة. وهذا يعني استتباعاً انشغال الإدارة الأميركية الحالية بالانتخابات الرئاسية التي ستجرى خلال تشرين الثاني/نوفمبر القادم.
  • إذا كانت هذه أفكارٌ أولية للحلّ، فإن تطويرها ووضعها في آليات تنفيذية، يتطلب الرغبة والإرادة والوقت وهذه العوامل الثلاثة غير موجودة حالياً، بسبب انشغال الإدارة الأميركية بملفات دولية ساخنة تبدأ في الصين، مروراً بتايوان، وليس انتهاءً بمسار الحرب الروسية-الأوكرانية والتي بالمناسبة، تدخل عامها الثالث في الشهر المقبل.
  • اليمين الحاكم في إسرائيل سيقف ضدّ أي طروحات مستقبلية تتعلق بحلّ الدولتين.
  • مشكلة الأفكار الأميركية أنها تقدّم حلاً للحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين، من دون أن تكون لها أدوات ضغط فاعلة على الطرف الأول، ولا قنوات تواصل جدية ومستمرة مع الطرف الثاني، وتلك مفارقة غريبة عجيبة فعلاً.
  • على المستوى الفلسطيني، زيادة على التحديات الناتجة عن الحرب الحالية على غزة، فإنّ حالة الانقسام الفصائلي والحزبي، والترهل في منظمة التحرير الفلسطينية، وغياب مشروع سياسي واضح المعالم واستراتيجية نضالية موحدة، كلها عوامل تصعّب الوصول إلى نتائج سياسية تناسب مع ما يتحقق في الميدان، منذ لحظة عملية طوفان الأقصى إلى اللحظة الراهنة، وتسهّل على من يطرح حلولاً سياسية القبول بها تحت حجة الظروف ومعادلات القوة. لذلك، ينبغي الشروع فوراً بترتيب البيت السياسي الفلسطيني الداخلي وصوغ استراتيجية نضالية موحدة تليق بتضحيات الشعب الفلسطيني العظيمة. وإذا كان هذا مطلبنا قبل بدء الحرب، فإنّ هذا المطلب يزداد ضرورة اليوم، مع أشرس حرب يقودها فاشيو القرن الواحد والعشرين، على شعبنا في أماكن تواجده، في فلسطين التاريخية.

الجدير ذكره أنه في موازاة ما تسمى “الأفكار الأميركية”، تحدثت صحيفة “تلغراف” البريطانية، أمس (الإثنين)، عن وثيقة داخلية للاتحاد الأوروبي، بعنوان “خطة السلام الشامل” تتضمن 12 نقطة وضعتها إدارة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي في بروكسيل، وجاء فيها أن “الفلسطينيين سيحتاجون إلى بديل سياسي جديد بدلا من حماس، بينما سيتعين على إسرائيل إيجاد الطريق السياسي للمشاركة في مفاوضات هادفة نحو حل الدولتين”. وجاء في الوثيقة أنه “من مسؤولية الأطراف الخارجية مثل الاتحاد الأوروبي مساعدة أطراف الصراع من خلال تمهيد الطريق للسلام الشامل”!

Print Friendly, PDF & Email
عطالله السليم

كاتب وباحث سياسي

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  سباق خليجي لإجتذاب رساميل أجنبية.. الأولوية للرأسمال المحلي!