

كان قادة دول الخليج يأملون في إعادة انتخاب دونالد ترامب. لقد حققوا نتائج جيدة خلال فترة ولايته الأولى، ولم يكن لديهم الكثير من الحب لسلفه جو بايدن. ينطبق الشيء نفسه على معظم الناس العاديين في الخليج، الذين يلقون باللوم على بايدن في تمكين إسرائيل من تدمير غزة. كما أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لن يغفر لبايدن أبداً وصفه المملكة بـ”المنبوذة”، على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. وخلال سنوات ولاية بايدن، حافظ بن سلمان على علاقات وثيقة مع ترامب، وشركائه، ولم يكن متساهلاً بخصوص تطبيع العلاقات مع إسرائيل- الهدف الرئيسي الوحيد لإدارة بايدن التي كانت منعزلة عن الشرق الأوسط قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
لكن بعد مرور مائة يوم على إدارة ترامب الثانية، يشعر قادة دول الخليج بالحيرة والقلق. فسياسات ترامب في الشرق الأوسط تبدو مشابهة لسياسات بايدن، وهو أمرٌ مُفاجئ بالنظر إلى مدى جذرية الإدارة الجديدة في تغيير الحكومة الفيدرالية وتغيير التحالفات الأميركية الأساسية. على سبيل المثال، تُعدّ سياسات ترامب تجاه غزة واليمن، نسخاً أكثر وحشية وأقل تحفظاً من تلك التي اتبعها بايدن. يختلف الرئيسان في الأسلوب والقدرة على التنبؤ. فقد كان بايدن وفريقه موثوقين ومألوفين، بينما يدرك قادة المنطقة أن ترامب قد يغير رأيه دون سابق إنذار، ويخشون من أن تُؤدي رسومه الجمركية إلى ركود عالمي من شأنه أن يضر بمبيعات النفط وحركة الشحن التي تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس. كما يخشون أن يؤدي وقف ترامب للمساعدات الخارجية إلى زعزعة استقرار الدول المتلقية لها، مثل الأردن. وقد أثارت تصريحاته الغريبة بشأن غزة قلقهم. والأهم من ذلك كله، لا يعرفون ما إذا كان يُمهد الطريق لدبلوماسية حقيقية مع إيران، أم أنه يُنهي مسار الحرب فحسب.
على جدول الأعمال
يبدو أن قرار زيارة الدول الخليجية الثلاث الكُبرى، وليس فقط السعودية، الهدف منه منع الانقسام. ففي عام 2017، زار ترامب السعودية، وبعد عودته، نشر تغريدة على تويتر، مؤيداً عزل قطر، ومانحاً الضوء الأخضر للسعودية، إلى جانب البحرين ومصر والإمارات، لبدء الحصار عليها، عقاباً لها على دعمها للجماعات الإسلامية. أدَّى هذا الحصار إلى انقسام مجلس التعاون الخليجي، وأجَّج الحروب بالوكالة والتنافس السياسي في جميع أنحاء المنطقة. كما عرقل جهود إدارة ترامب لممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران من خلال عقوبات صارمة، لأنه أجبر قطر على الاعتماد بشكل أكبر على إيران في التجارة والوصول إلى العالم. حصار قطر انتهى بمجرد تولي بايدن منصبه، حيث سعى قادة المنطقة إلى التوافق مع أولويات الرئيس الجديد، وهذه المرة لصالح المنطقة بأسرها.
ركّزت الفترة التي سبقت زيارة ترامب؛ وهي أول رحلة خارجية له في ولايته الثانية؛ بشكل كبير على الاقتصاد. يأمل ترامب في توقيع صفقات أسلحة بقيمة 100 مليار دولار مع السعودية وتشجيع الاستثمارات الخليجية في الاقتصاد الأميركي. بالمقابل، يحرص السعوديون، على الأقل، على أن يُنظر إليهم كشركاء اقتصاديين؛ فبعد انتخاب ترامب، طرح بن سلمان استثماراً سعودياً بقيمة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة. في الواقع، أي التزام سعودي سيكون في الغالب شكلياً، حيث تعاني المملكة من انخفاض أسعار النفط والمتطلبات الاقتصادية المحلية، ونادراً ما تفي بمثل هذه الوعود. قد يكون ترامب أيضاً مهتماً بمصالحه الشخصية. ووفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”، حقَّقت شركات عائلة ترامب ملايين الدولارات من صفقات مع شركات مرتبطة بالحكومات السعودية والقطرية والإماراتية.
بينما تبدو إسرائيل حريصة على أن تهاجم أميركا إيران، تبرز دول الخليج ككتلة مناهضة للحرب لأنها ستكون الهدف الأول… وستكون بمفردها إلى حدٍ كبير
قد يستغل ترامب هذه الزيارة أيضاً لمحاولة إقناع دول الخليج بالحفاظ على انخفاض أسعار النفط. خلال عهد بايدن، برهنت السعودية على عدم رغبتها في استخدام سياساتها النفطية لدعم الولايات المتحدة. في الواقع، أغضبت الرياض، إلى جانب بقية دول “أوبك بلاس”، البيت الأبيض بخفض الإنتاج، مما أبقى أسعار البنزين مرتفعة، على حساب بايدن سياسياً، وزاد من عائدات روسيا النفطية بينما كانت الولايات المتحدة تفرض عقوبات على موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا. لكن انخفاض أسعار النفط يُشكل خطراً على الرياض، التي تحتاج إلى أسعار أعلى للحفاظ على ميزانيتها وخططها التنموية الطموحة.
دول الخليج مناهضة للحرب
ستُغطي زيارة ترامب أيضاً السياسة الإقليمية، على الرغم من أن أهدافه على تلك الجبهة أقل وضوحاً بكثير. الحكومات العربية غير متأكدة مما إذا كانت الولايات المتحدة ستطلب منها الاستعداد للحرب أو السلام مع إيران. هذا الغموض أمر غير معتاد. جزء من المشكلة هو أن الإدارة، التي تعاني من نقص الموظفين والخلل الوظيفي، كانت تتحدث بأصوات متعددة. إن حقيقة أن ترامب قد أقال مايكل والتز من منصبه كمستشار للأمن القومي، عشية الزيارة، لها دلالة رمزية. كان والتز ينسق بشكل وثيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن خطط العمل العسكري ضد إيران ويدفع باتجاه نهج عسكري عدواني تجاه الحوثيين في اليمن. تُرك قادة الخليج يتساءلون عمَّا إذا كان تخفيض رتبة والتز يُمثل تغييراً في السياسة الأميركية، أم أنه مجرد عارض من أعراض فوضى الإدارة.
القضية الأكثر أهمية، بالطبع، هي إيران. عندما زار ترامب الرياض، في عام 2017، كان القادة السعوديون والإماراتيون حريصين على التخلي عن دبلوماسية عهد الرئيس باراك أوباما، وتبني نهج أكثر مواجهة تجاه الجمهورية الإسلامية. لكن مواقفهم تغيرت منذ ذلك الحين. في العام 2019، تعرضت مصفاة نفط سعودية لهجوم، ما أدّى إلى خفض إمدادات النفط العالمية، مؤقتاً، بنسبة 6٪. باختيارها عدم الرد بالقوة العسكرية الأميركية، صدمت إدارة ترامب قادة الخليج، الذين اعتمدت استراتيجيتهم الأمنية لفترة طويلة على الضمانات الأمنية الأميركية. كما خيبت الولايات المتحدة آمال قادة الخليج برد فعل محدود على هجوم تعرضت له أبو ظبي في عام 2022. ذكّرت هذه الحوادث دول الخليج بأنها ستكون الهدف الأول لإيران في حرب إقليمية وأنها ستكون بمفردها إلى حدٍ كبير. بينما تبدو إسرائيل حريصة على أن تهاجم الولايات المتحدة إيران، تبرز دول الخليج ككتلة مناهضة للحرب.
على مدى السنوات القليلة الماضية، انخرطت الرياض في تقارب هادئ مع إيران بوساطة صينية. يُسعد قادة الخليج بانتكاسات إيران على يد إسرائيل – وبخاصة تدمير قوة حزب الله، ولن يذرفوا الدموع إذا انهار نظامها. لكنهم أقل ميلاً من إسرائيل للاعتقاد بأن مصالحهم ستتحقق بنقل الحرب إلى طهران. إذا دخل ترامب في حرب مع إيران، فستطلب دول الخليج تعويضاً عن المشاركة، ومن المرجح أن تطالب بضمانات استراتيجية جادة – مثل معاهدة دفاع رسمية، كما طرحتها إدارة بايدن على السعوديين – ومبيعات أسلحة، ومدفوعات جانبية أخرى مقابل دعم النهج الأميركي الجديد علناً.
نهاية اللعبة
لطالما كان ترامب، على الرغم من خطابه العدواني، شديد الشكوك بخصوص الدخول في حرب كبرى أخرى في الشرق الأوسط. لقد تخلص من معظم صقور إيران في إدارته الأولى ومنح أحد مبعوثيه (ستيف ويتكوف) تفويضاً للتفاوض على اتفاق نووي جديد مع طهران. ولأن مثل هذه الاتفاقات تتطلب عملاً شاقاً وكثيراً من الصبر، فمن غير المرجح أن تنجح إدارة ترامب في إبرامها. وقد دعا بعض مسؤولي إدارة ترامب إلى إنهاء تخصيب اليورانيوم الإيراني تماماً، وهو موقف من شأنه أن يضمن عملياً انهيار المحادثات. وإذا فشلت المفاوضات، فقد يمهد ذلك الطريق لصراع يدعي ترامب أنه لا يريده. لكن ترامب يتمسك حتى الآن بالدبلوماسية، حتى في ظل الاعتراضات الإسرائيلية. ومن شأن اتفاق إيراني جديد أن يقطع شوطاً طويلاً نحو استقرار المنطقة وتقليل خطر الحرب.
يعتبر ترامب اتفاقيات أبراهام أحد أعظم الإنجازات الدبلوماسية في ولايته الأولى. ولا شك أنه كان يحب الإعلان عن انضمام السعودية إلى هذه العملية خلال زيارته الحالية، لكي يزعم أنه حقَّق ما عجز عنه بايدن. لولا الحرب في غزة، لكان محمد بن سلمان على الأرجح قد وافق على التطبيع مع إسرائيل كهدية شهر عسل لترامب.
لكن الخسائر اليومية المروعة للهجوم الإسرائيلي على غزة تجعل التطبيع أمراً صعباً. على الرغم من أن القادة العرب لا يهتمون بالفلسطينيين، إلا أن شعوبهم تهتم. الحكومات العربية، المهووسة بإمكانية اندلاع جولة جديدة من الانتفاضات، تراقب عن كثب المزاج السياسي لشعوبها. كان للمذبحة في غزة تأثير مدمر على تصورات العرب لإسرائيل والولايات المتحدة، ولا شك أنها رفعت السعر الذي يطلبه محمد بن سلمان للصفقة. من المحتمل أن يشترط ضماناً أمنياً أميركياً رسمياً، ومبيعات أسلحة، والتقدم نحو دولة فلسطينية لتوقيع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل – هذا إذا كان ما يزال يريدها. لكن الضمانات الأميركية قد لا تكون كافية، نظراً لأن ترامب قد ألقى بظلال من الشك على التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها وشركائها.
يخشى القادة العرب من نهاية اللعبة التي تُخطّط لها إسرائيل (وترامب) في غزة والضفة الغربية. في شهر شباط/فبراير الماضي، اقترح ترامب طرد أكثر من مليون فلسطيني يعيشون في غزة “مؤقتاً” وإعادة توطينهم في أماكن أخرى (ربما مصر والأردن) حتى يتمكن من تحويل المنطقة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”. أرعبت خطته معظم القادة العرب وأخافتهم، ليس فقط لأسباب إنسانية ولكن لأن التدفق الكبير لسكان غزة من شأنه أن يزعزع استقرار أي دولة عربية تستقبلهم. تخشى قطر أن تصبح كبش فداء للمفاوضات الفاشلة بين إسرائيل وحركة “حماس”، حيث يلقي نتنياهو باللوم على إخفاقات سياسته. تخشى الإمارات من أن تكلفها واشنطن بتمويل إعادة إعمار غزة. وتخشى جميع الحكومات العربية من أن تؤدي الحرب التي لا تنتهي إلى تطرف سكانها.
إذا توصل ترامب إلى اتفاق يشمل أكثر من مجرد البرنامج النووي الإيراني، فيمكنه الإدعاء بأنه حقق صفقة أفضل مما حققه أوباما
هدَّد نتنياهو بتدمير غزة وسكانها إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بحلول 15 أيار/مايو (الخميس)، بالتزامن مع زيارة ترامب للخليج. باجتماعها مع ترامب عشية الحملة الإسرائيلية، تُخاطر الحكومات العربية بالظهور بمظهر المتواطئ في تدمير غزة. لكنها تأمل أيضاً في التأثير على رئيسٍ غالباً ما يبدو متأثراً بآخر شخص يتحدث إليه.
يشعر القادة العرب بالقلق أيضاً إزاء توسع إسرائيل في توغلاتها في سوريا. فقد استولت إسرائيل على منطقة عازلة واسعة في جنوب غرب البلاد، وقصفت مئات المواقع في البلاد منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي، عندما أُطيح بالرئيس بشار الأسد على يد تحالف من الجماعات المتمردة. وقد اتجهت معظم الدول العربية، حتى تلك التي تُشكك بشدّة في الإسلاميين، نحو دعم الحكومة الجديدة على أمل تحقيق الاستقرار في بلد مزّقته 13 عاماً من الحرب الأهلية. وقد قدَّمت العديد من الحكومات العربية دعماً مالياً للنظام الجديد، وسيحضر الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، اجتماع القمة العربية المقبل في بغداد. ويريد القادة العرب معرفة ما إذا كانت واشنطن تفضل سوريا مستقرة وموحدة في ظلّ نظام يقوده جهاديون سابقون، أم تفضلها عنيفة ومنقسمة؟
هناك احتمال كبير ألا يُنجز ترامب الكثير خلال زيارته، باستثناء إبرام بعض صفقات الأسلحة. لكن عليه أن يسعى إلى إنجاز شيء عظيم. عليه أن ينتهز الفرصة ليُعلن بوضوح عن نيته في إبرام اتفاق نووي وسياسي مع إيران. من شأن مثل هذا الاتفاق أن يستغل انتكاسات طهران المؤقتة، ويُدمج إيران في رؤية جديدة للنظام الإقليمي. من شأن الاتفاق أن يتماشى جيداً مع المزاج الإقليمي من خلال تقليل خطر حرب إسرائيلية مع إيران؛ وتطبيع العلاقات الإيرانية مع الخليج؛ وكبح جماح حلفاء إيران في جميع أنحاء المنطقة (…). إذا توصل ترامب إلى اتفاق يشمل أكثر من مجرد البرنامج النووي الإيراني، فيمكنه الإدعاء بأنه حقق صفقة أفضل مما حقّقه أوباما.
لكن ضبط النفس الذي يتبناه ترامب تجاه إيران اقترن بدعم كامل للحملات العسكرية الإسرائيلية. ويبدو أن إدارته تقبل طموح إسرائيل لإعادة تشكيل النظام الإقليمي بالقوة العسكرية. وإذا كان ثمن موافقة إسرائيل على اتفاق نووي مع إيران (بدلاً من مهاجمة المنشآت النووية للجمهورية الإسلامية من جانب واحد) هو إذن الولايات المتحدة باستكمال تدمير غزة، وربما ضم الضفة الغربية، فإن الآثار المستقرة لأي اتفاق مع إيران ستكون قصيرة الأجل. بدلاً من ذلك، ينبغي أن يرتكز أي اتفاق جديد مع إيران على نظام إقليمي مُعاد تشكيله، والذي يجب أن يشمل كحدٍ أدنى وقف إطلاق نار دائم في غزة، وتدفقاً كبيراً للمساعدات الإنسانية إلى القطاع، ومساراً معقولاً نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
يصْعُبْ تصور ذلك، بالنظر إلى طبيعة موظفي هذه الإدارة وتفضيلاتها. يبدو أن ترامب يريد نظاماً إقليمياً قائماً على القوة والمعاملات، بدلاً من الشرعية أو الشراكة. لقد قوّض، بشكل جذري، القوة الناعمة الأميركية والوجود الأميركي غير العسكري في المنطقة من خلال تقويض قدرة الحكومة الفيدرالية على تنفيذ السياسات، وإغلاق الحدود الأميركية، وتقليص المساعدات الخارجية، وإغلاق مؤسسات الدبلوماسية العامة. إن دعم تهجير إسرائيل وضمّها لغزة لن يؤدي إلَّا إلى تأجيج الرأي العام في الشرق الأوسط بطرق لن يخففها الاتفاق النووي مع إيران. إذا كان ترامب يريد حقاً كسر الحلقة المفرغة من فشل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فإن هذه الزيارة الخليجية ستكون الوقت المناسب للبدء.
– ترجمة بتصرف عن “فورين أفيرز“.
(*) مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة “جورج واشنطن”.