

هذه العوائقُ الثلاثةُ تبلغُ درجةً عاليةً منَ الخطورةِ المصيريَّةِ على لبنان. وتزدادُ المخاطر عندما نرى تصاعُدَ المراهنةِ الأميركيةِ – الإسرائيلية على مواقفِ عدد من الأفرقاء لا يفهمون من القرار 1701 سوى شعار “حصر السلاح بيد الدولة”، ولا يفسِّرون هذا الشعار إلَّا بمعنى تجريد المقاومة من سلاحها، فيما الاحتلالُ جاثمٌ على أرض الجنوب. إنهم يتحدَّثون عن “نزع” السلاح مليون مرة قبل أن يشيروا مرَّة واحدة، وبخجلٍ معيب إلى الاحتلال الإسرائيلي. والأكثر عيباً وعاراً أنَّهم يتجنَّبون تسميته بالعدوِّ أو بالاحتلال على الأقلّ وفقاً للمصطلحات القانونية المعتمدة في ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان. هؤلاءِ يُحرجونَ عمْداً رئيسَ الجمهورية جوزاف عون، وإنْ كانوا قد شاركوا في انتخابه. ويُوظِّفون كلامَ رئيسِ الحكومةِ نواف سلام عن “حصر السلاح بيد الدولة” من أجل شنِّ الهجمات السياسية والإعلامية على المقاومة. ولا ينفكُّون عن تزوير التاريخِ فَيُعْفُونَ العدوَّ الإسرائيليَّ من المسؤولية عن جرائمِه ويُلقونَ التبِعاتِ على كلِّ من يُقاومُ، بل على كلِّ مَنْ يحمِلُ فكرةَ المقاومة، ويُناهضُ التطبيعَ، وذلك منذ مرحلة المقاومةِ الوطنيةِ إلى مرحلةِ المقاومةِ الإسلامية، ويديرونَ عشراتِ لا بل مئات المواقع والصفحات الإلكترونية وجيشًا الكترونيًا لخدمة هذه الغايات. وفوق هذا كلِّه يسابقون المبعوثين الأميركيين إلى طرح أفكار الإدارة الأميركية – الإسرائيلية وخُططِها.
إنَّ تضييع الوقت من دون طرح برنامج للتسوية الوطنية سيؤدِّي حتماً إلى تضييع وطن. ولا يظنَّن أحدٌ أنَّ تفسير “حصر السلاح بيد الدولة” يعني بسهولة تجريد المقاومة. المقاومة جزءٌ أساسي من الاجتماع اللبناني، سواء عند البيئة الشيعيَّة الحاضنة الأساسية أو عند غيرها. وليس من المنطقي تاريخياً أنْ يتجاهلَ عاقلٌ هذه الحقيقة، فإما تسوية وطنيَّة وإما خراب وطني
الآنَ ، لبنانُ هو مقصدُ المبعوثِ الأميركي “توم برّاك”. وما تسرَّب عن ورقتِه لا يختلف نوعياً عن سابقيْه “آموس هوكستاين” و”مورغان أورتاغوس” سوى ببعض التكتيكات التي لا تَحيدُ أبداً عن هدفين لدى البيتِ الأبيض الإسرائيلي وهما: التخلُّص من سلاح المقاومة، ومن المقاومة بالذات. ثم التطبيع وكسر المحرَّمات والتمهيد للانضمام إلى اتفاقات أبراهام.
وليس من قبيل الصدفة على الإطلاق أنْ يدعو “توم برّاك” إلى تحسين العلاقة بين لبنان وسوريا فيما نظامُها الجولانيُّ في دمشق يُسْرِّعُ الخُطى نحو بناء علاقات تطبيعية أبراهيمية مع الاحتلال الإسرائيلي. إنَّها دعوة صريحة إلى لبنان كي يتهيَّاَ للتطبيع مع سوريا الجولانية التي أنهت استعداداتها لبناء العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يحتلُّ معظم جنوبها. ولن نغفل هنا الإشارات الأميركية إلى إعطاء دور تنسيقي مع “إسرائيل” للجولاني في لبنان وسوريا إذا استطاع أن يبقى في السلطة، ولا سيّما أنَّ أدوات هذا الدور موجودة في التنظيمات التكفيرية الإرهابية التي تتحرَّكُ تحت عيْنيْ أحمد الشرع الذي يلوِّحُ بأسلوبٍ موارِبٍ بأنه رئيسٌ في القصر الرئاسي و”جولاني” في باقي سوريا.
هذه الصورةُ المعقَّدةُ التي تُحيطُ بلبنان تُفاقِمُ من عوائقِ التسويةِ الداخليةِ الوطنية، والوقتُ داهمٌ، ولا يجوزُ أن يبقى التردُّدُ سيِّدَ الموقف لدى السلطة. إنَّ تضييع الوقت من دون طرح برنامج للتسوية الوطنية سيؤدِّي حتماً إلى تضييع وطن. ولا يظنَّن أحدٌ أنَّ تفسير “حصر السلاح بيد الدولة” يعني بسهولة تجريد المقاومة. المقاومة جزءٌ أساسي من الاجتماع اللبناني، سواء عند البيئة الشيعيَّة الحاضنة الأساسية أو عند غيرها. وليس من المنطقي تاريخياً أنْ يتجاهلَ عاقلٌ هذه الحقيقة، فإما تسوية وطنيَّة وإما خراب وطني.