الحياد الروسي في إيران.. مكاسب في أوكرانيا وأفغانستان!

أثار وقوف روسيا على الحياد تقريباً، إثر تعرض إيران لحرب إسرائيلية وضربات أميركية، طوال 12 يوماً، دهشة الكثيرين، ممن كانوا يتوقعون موقفاً أكثر حزماً لموسكو، ولو على الصعيد الديبلوماسي، وعدم الاكتفاء بالتنديد اللفظي العابر، في وقت كان النظام الإيراني يتعرض لأشد اختبار منذ عام 1979.

لم يكن أحد ليراهن على أن روسيا ستدخل الحرب إلى جانب إيران. وإنما انصبّت التساؤلات حول عدم اتخاذ موسكو أية خطوات من شأنها تعزيز الدفاعات الإيرانية، قبل الحرب، أو على الأقل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما بدا أن إسرائيل تخوض هذه المرة حرباً مختلفة ضد “المحور”. وعلى مدى 22 شهراً، لم يخفِ المسؤولون الإسرائيليون، أن الحرب ضد حلفاء إيران في المنطقة، ستنتهي بالنيل من “رأس الأخطبوط” في طهران بعد الانتهاء من تقطيع “الأذرع”. وهذا ما حصل في 13 حزيران/يونيو الماضي.

ما يثير الاستغراب أكثر، هو أن كلاماً كثيراً تردد في هذه الأثناء عن اعتزام روسيا تزويد إيران بمقاتلات من الجيل الرابع من طراز “سوخوي-35” وبأنظمة دفاع جوي من طراز “إس-400” وبطائرات تدريب.

وسرى كلام كثير بعد الضربة الإسرائيلية التي دمّرت أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية من طراز “إس-300″ في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، رداً على الهجمات الصاروخية الإيرانية وقتذاك على إسرائيل، انتقاماً من اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في 27 أيلول/سبتمبر بالضاحية الجنوبية لبيروت، ومن قبل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية في طهران.

وعندما وقّع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان معاهدة التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإيران في كانون الثاني/يناير الماضي، بُعثت الآمال مجدداً بامكان إقدام روسيا على إرسال أنظمة للدفاع الجوي إلى إيران، بديلاً من تلك التي دمّرتها إسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر. بيد أن شيئاً من هذا لم يحدث، واقتصر الأمر على إرسال بعض طائرات التدريب، علماً أن إيران سارعت إلى تزويد روسيا بمسيّرات “شاهد”، التي لعبت دوراً مهماً في إرهاق الدفاعات الجوية الأوكرانية خلال الحرب.

هناك من يتلمس في الموقف الروسي بعداً استراتيجياً، مثل الرغبة الروسية في توريط أميركا بحرب شرق أوسطية أخرى، بما يستنزف قدراتها ويفقدها التركيز على أوكرانيا. ويستشهد أصحاب هذا الرأي بما أعلنته الولايات المتحدة عن وجود نقص في بعض أنواع الذخائر لديها في الأيام الأخيرة، وخصوصاً في أنظمة الدفاع الجوي، مما اضطرها إلى تعليق بعض الإمدادات الأميركية إلى أوكرانيا

إذن، لماذا بدت روسيا وكأنها أدارت ظهرها لإيران برغم المخاطرة باحتمال خسارتها لحليف استراتيجي آخر في الشرق الأوسط، بعد خسارتها حليفها الإستراتيجي الآخر في سوريا قبل ستة أشهر؟

ولا يكفي قول بوتين في تعليله عدم نجدة روسيا لإيران، بأن طهران “لم تطلب منا” المساعدة. هناك جملة من الأسباب الأعمق، التي تفسر بعضاً من خلفيات الموقف الروسي.

يأتي في مقدمة الأسباب، التي حالت دون موقف روسي أكثر تفاعلاً لوقف الحرب، الإنشغال الروسي الكلي تقريباً بأوكرانيا، وعدم القدرة على إرسال أصول روسية عسكرية للدفاع عن إيران في وقت الشدة. أما لماذا لم ترسل موسكو مقاتلات “سوخوي-35” وأنظمة “إس-400” إلى طهران قبل الحرب، فيكمن في رغبة الكرملين بعدم المجازفة بإثارة استياء إسرائيل في زمن الحرب الأوكرانية، فضلاً عن أن عدم رغبة بوتين في الإقدام أيضاً على خطوة، قد لا تنظر إليها دول الخليج العربية بارتياح، في وقت يجهد الرئيس الروسي لتوثيق علاقاته مع هذه الدول.

وأكثر من ذلك، لم يرد بوتين اتخاذ موقف يستفز فيه ترامب، ويحمل الأخير على قطع تواصله مع روسيا، والإقدام على إغداق المساعدات العسكرية على أوكرانيا، كي تحدث انقلاباً في موازين القوى على الجبهات.

وذهب الروس خطوة أبعد في تفسير معاهدة التعاون الاستراتيجي مع إيران، بأن المعاهدة لا تتضمن بنداً ينص على الدفاع المشترك، كذاك الوارد في معاهدة التعاون الاستراتيجي بين روسيا وكوريا الشمالية.

حجم الاستياء الإيراني، تبدى على وجه وزير الخارجية عباس عراقجي، خلال استقبال بوتين له في الكرملين، قبل ساعات فقط من إعلان ترامب في 24 حزيران/يونيو عن التوصل إلى وقف للنار، بوساطة قطرية.

الاندفاع الروسي نحو أفغانستان، يتزامن مع الأندفاع الأميركي لاحتضان النظام الجديد في سوريا بقيادة أحمد الشرع، في سياق إعادة ترتيب الشرق الأوسط وترجمة الضربات التي تلقتها إيران في العامين الأخيرين، إلى مكاسب استراتيجية تنقل سوريا من محور إلى محور، وبالتالي تحد من النفوذين الروسي والصيني

ومع ذلك، هناك من يتلمس في الموقف الروسي بعداً استراتيجياً، مثل الرغبة الروسية في توريط أميركا بحرب شرق أوسطية أخرى، بما يستنزف قدراتها ويفقدها التركيز على أوكرانيا. ويستشهد أصحاب هذا الرأي بما أعلنته الولايات المتحدة عن وجود نقص في بعض أنواع الذخائر لديها في الأيام الأخيرة، وخصوصاً في أنظمة الدفاع الجوي، مما اضطرها إلى تعليق بعض الإمدادات الأميركية إلى أوكرانيا.

هذا النقص، جاء نتيجة مباشرة لما استهلكته إسرائيل من ذخائر أميركية في عملية تصديها للهجمات الصاروخية الإيرانية خلال الـ12 يوماً من الحرب مع إيران. وسرعان ما انعكس ذلك، لمصلحة روسيا على الجبهة الأوكرانية. من استكمال السيطرة على منطقة لوغانسك بإقليم دونباس شرقاً، إلى توغلات أعمق في منطقتي سومي وخاركيف شمالاً، إلى إرسال أعداد قياسية من المُسيّرات في هجمات ليلية على كييف ومدن أوكرانية أخرى.

إقرأ على موقع 180  في رحاب جمهوريّة "السوشيل ميديا"!

واستلزم النقص في الإمدادات الأميركية مباحثات يومية بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وترامب لمعالجة المشكلة الناشئة بسرعة. وكذلك حمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على إجراء مكالمة هاتفية ببوتين هي الأولى من نوعها منذ عام 2022. أضف إلى ذلك، أن بوتين كان أكثر حزماً خلال مكاملة هاتفية أجراها معه ترامب الأربعاء الماضي، بتأكيده أن روسيا لن توقف النار قبل تحقيق أهداف الحرب. ولم يخفِ الرئيس الأميركي “استياءه” من الموقف الروسي، متهماً بوتين بأنه يريد مجرد “مواصلة القتل”.

 وزبدة القول، أن روسيا استغلت تركيز الاهتمام الأميركي على إيران، لتُسرّع تقدمها في أوكرانيا، بحسب معهد دراسات الحرب الأميركي الذي يرصد يوميات الحرب الروسية-الأوكرانية.

وفي ما بدا أنه تطور من خارج السياق، جاء قرار الكرملين المفاجىء بالاعتراف بنظام طالبان في أفغانستان، لتصير روسيا الدولة الأولى في العالم التي تعترف بهذا النظام الذي نشأ عقب الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان في آب/أغسطس 2021. ولقي القرار الروسي ترحيباً من الصين، في لفتة قد تكون مقدمة لاعتراف صيني أيضاً بنظام كابول.

الاندفاع الروسي نحو أفغانستان، يتزامن مع الأندفاع الأميركي لاحتضان النظام الجديد في سوريا بقيادة أحمد الشرع، في سياق إعادة ترتيب الشرق الأوسط وترجمة الضربات التي تلقتها إيران في العامين الأخيرين، إلى مكاسب استراتيجية تنقل سوريا من محور إلى محور، وبالتالي تحد من النفوذين الروسي والصيني.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  مصارف لبنان تُناور إستباقياً.. من يَدفعْ كلفة الإنهيار؟