الصحافة العبرية: نتنياهو يسبح عكس تيار ترامب في سوريا

فرضت أحداث السويداء الأخيرة على مراكز القرار في تل أبيب إعادة تقييم لشخص الرئيس السوري أحمد الشرع، وضرورة التقليل من التفاؤل بخصوص فرضية التطبيع بين "إسرائيل" وسوريا. والسبب ليس فقط لأن النظام في دمشق ضعيف وغير قادر على ضبط الأوضاع والسيطرة على عشرات الفصائل الجهادية، بل خشية من تداعيات الفوضى الحاصلة اليوم ونذر اندلاع حرب أهلية جديدة على "إسرائيل"، بحسب ما جاء في الصحافة العبرية.

يقول إيتمار رابينوفيتش، الذي قاد الوفد الإسرائيلي الرسمي للتفاوض مع سوريا منذ مؤتمر مدريد عام 1991، إن حكومة “إسرائيل” بقيادة بنيامين نتنياهو “تعمل بانعدام تفكّر”، وتتحدث أكثر مما ينبغي، وتخلط بين جنون الاضطهاد والإحساس بالقوة. وإن ما تعرضت له “إسرائيل” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 أصاب هذه الحكومة بجنون الاضطهاد، وما حققته تجاه حزب الله وإيران جعلها تعتقد بأن استخدام القوة هو الحل وليس الدبلوماسية.

ويضيف رابينوفيتش؛ الذي سيصدر له كتاب الشهر المقبل بعنوان “الزلزال السوري”؛ أن  لدى “إسرائيل” وأميركا وتركيا مصلحة مشتركة هي التهدئة. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب أصبح مؤيداً للشرع، وهذا الأمر ينبغي أن يجعل نتنياهو يشعر بالحرج”.

حرب أهلية

بدوره، يقول الخبير في الشؤون العربية في صحيفة “يسرائيل هيوم”، يهودا بلنجا، إن النظام السوري الجديد لا يسيطر على الدولة، وهو غير قادر على لجم المنظمات الجهادية والميليشيات المسلحة، “فالدين هو دافعه الأساسي للعمل وليس التفكير بالشرعية الدولية أو بالعلاقات مع الغرب وإسرائيل”.

ويضيف بلنجا “مثلما حصل في أذار/مارس الماضي، عندما ارتكبت جماعات جهادية متطرفة متفرعة عن نظام الشرع مجزرة بحق العلويين في الساحل السوري. ومثلما حصل في نهاية حزيران/يونيو عندما لقي 20 مسيحياً مصرعهم في تفجير انتحاري استهدف كنيسة مار الياس في دمشق. اليوم يأتي دورطائفة الدروز”.

ويتابع بلنجا: “سوريا الشرع دولة تعيش في فوضى. وهناك جهات متعددة تساهم في تغذية هذه الفوضى، من داخل سوريا (منظمات إسلامية متطرفة) ومن خارجها (تركيا، قطر والسعودية). وإذا بقيت الأمور خارج السيطرة تصبح افتراضية أن سوريا ستغرق في حرب أهلية أخرى عالية جداً”.

حمام الدم مستمر

كاتب آخر في “يسرائيل هيوم”، وهو يوآف ليمور، يحذر أيضاً من أن ما يجري لدروز سوريا ستكون له تداعيات خطيرة، أبرزها: “أن إسرائيل سعت لأن ترى في من كان في الأمس القريب مخرباً وأصبح رجل دولة، أبو محمد الجولاني (الشرع)، شريكاً شجاعاً لإحداث تغيير تاريخي في المنطقة. وهناك تقارير عن لقاءات أجراها  الجولاني مع مسؤولين إسرائيليين كبار، منهم رئيس الموساد دادي برنياع ورئيس هيئة الأمن القومي تساحي هنغبي، وبحث معهم إمكانية عقد اتفاقات مختلفة بين البلدين (إسرائيل وسوريا). أعتقد أن التوقعات كانت مُبكرة جداً. فليس من المؤكد ما إذا كان الجولاني هو الشخص الذي نريده. وحتى لو كان كذلك، ليس من المؤكد أنه قادرٌ حقاً على توفير البضاعة التي نريدها. أضف إلى ذلك أن حساب حمام الدم الذي تعرض له الدروز في سوريا لن يُغلق مع وقف النار، وسيتم فتح حسابات أخرى مماثلة مع وجود هكذا حُكم في دمشق”.

سوريا الشرع تعيش في فوضى تساهم فيها جهات محلية وخارجية.. وإذا بقيت الأمور خارج السيطرة ستغرق البلاد في حرب أهلية أخرى

ويعرج الكاتب على ضوء تحذيري ثالث يعني حزب الله وبيئته في لبنان، على اعتبار أن في الحكم الحالي في سوريا “يدور الحديث عن عصبة جهاديين مع تاريخ مُضرَّج بالدماء وايديولوجيا لا تترك مكاناً كافياً لأعدائهم. العلويون، الذين أسقطوا من الحكم، شعروا بذلك على جلدتهم في المذبحة التي تعرضوا لها في بداية هذا العام في اللاذقية وطرطوس. الآن جاء دور الدروز. الشيعة أيضاً (وممثلوهم في لبنان، حزب الله) على قائمة الاستهداف، ولا يوجد ما يقول إن لهم خططاً أخرى بالنسبة لليهود، إذا ما أفسح لهم المجال”.

تجربة ميليشيا لحد

ويختم ليمور تحذيراته بأمر يتعلق بلبنان أيضاً من حيث التشبيه، وذلك لجهة “إمكانية ان يكون مطلوباً استيعاب أبناء من الطائفة الدرزية السوريين في إسرائيل. أن تكون لهم نية كهذه أمر غير منطقي، لكن الشرق الأوسط الذي يغير وجهه بسرعة من شأنه أن يُلزمهم باتخاذ قرارات في زمن قصير. هذا ما حصل لعناصر جيش لبنان الجنوبي (ميليشيا أنطوان لحد) الذين تعاونوا مع إسرائيل عندما كانت تحتل جنوب لبنان (1982-2000) وفروا، بين ليلة وضحاها، إلى إسرائيل عندما انسحبت من هناك. ليس لإسرائيل خطط لاستيعاب آلاف الدروز (وربما أكثر): هذا حدث يستدعي إعداد دراسة شاملة له منذ الآن إلى جانب الدروز في إسرائيل”.

أما الكاتب في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، فيحذر من خطورة أن يتعرض أشخاص من دروز الجولان، الذين اجتازوا الحدود لنصرة أبناء طائفتهم في السويداء السورية، للقتل أو الخطف. “إن حصل شيء من هذا القبيل فسيجرّ إسرائيل إلى سوريا مُجدداً، في حين أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لا تسيطر على الوضع، ولم تنجح في فرض القانون على المواطنين الإسرائيليين، فشلت في منعهم من عبور الحدود”.

دعوة إسرائيلية لقتل الشرع

إقرأ على موقع 180  هل تطلق الصين "طريق الحرير الصحّي"؟

ويتابع هرئيل، منتقداً الحكومة الإسرائيلية، ويقول: “قبل بضعة أسابيع، جرى الحديث في إسرائيل بشكل جدّي عن تطوير العلاقات مع النظام السوري الجديد. أمّا الآن، وبعد المجازر، فقد دعا الوزير عميحاي شيكلي إلى قتل الشرع، في حين بدا وزير الدفاع يسرائيل كاتس كأنه لا يزال يعتقد أن مهمته الرئيسية هي حلّ الشبكات المتقاطعة في مكتبه”.

لكن المحلل العسكري في “يديعوت احرونوت”، رون بن يشاي، يرى أن تل أبيب لا تهدف للقطيعة مع دمشق. ويقول “في القدس، لا يريدون إغضاب ترامب ولا أردوغان (الرئيس التركي). الجيش الإسرائيلي اضطر لأن يسير على حبل رفيع بين مصالح عديدة ومختلفة. نتنياهو وكاتس يهمهما كثيراً موضوع الانتخابات التمهيدية في حزب الليكود، وقد تكون الانتخابات قريبة، لذلك هما يجتهدان لمراضاة آلاف الدروز الذين انتسبوا للحزب. هذه افتراضية معقولة”.

معاداة السُنة خطأ

في المقابل، يقول تسفي برئيل، في مقالة له في “هآرتس”: “إذا صحَّ تقدير محللين سوريين وعرب، أن إسرائيل تسعى من خلال دعمها للدروز إلى تقسيم سوريا (كانتون درزي في الجنوب، وكردي في الشمال، وعلوي في الغرب)، فهي بذلك تسعى لتأسيس جزر دعم وامتدادات تمنع الشرع من إقامة دولة موحدة، وتقلّص النفوذ التركي. وإذا كان مثل هذه الخطة موجودة بالفعل، فهي تتعارض، ليس فقط مع طموحات الشرع، بل وأيضاً مع أهداف الأميركيين والدول العربية. فواشنطن تسعى، وبشكل صريح، لإقامة دولة سورية موحدة تحت سلطة مركزية واحدة. وترامب، شخصياً، يرى في الشرع زعيماً شرعياً، ويدعمه سياسياً واقتصادياً. وهذه الرؤية هي جزء من استراتيجيا إقليمية هدفها سحب القوات الأميركية من سوريا، وتسليم مهمة محاربة تنظيم داعش للسوريين والأتراك، وتعزيز التنسيق بين إسرائيل وسوريا تمهيداً لتطبيع العلاقات”.

الوزير عميحاي شيكلي يدعو إلى قتل الشرع.. ووزير الدفاع يسرائيل كاتس مشغول بحلّ الشبكات المتقاطعة في مكتبه

يوافق إيهود ياعري، في مقالته في “قناة N12″، على تحليل برئيل. ويقول إن “إسرائيل لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي، بينما ترتكب القوات القادمة من دمشق فظائع مروعة بحق السكان المدنيين في جبل الدروز. لكن الهدف ليس إنشاء وصاية إسرائيلية على نصف مليون درزي يقطنون بعيداً، في شرق الجولان السوري. الغاية هي وقف الهجوم عليهم بالتعاون مع أطراف أُخرى، مثل الولايات المتحدة ودول الخليج والأردن، ومن ثم إحضار الدروز إلى طاولة المفاوضات مع الشرع، من موقع أفضل يسمح بالتوصل إلى تفاهمات بشأن وضعهم المستقبلي من دون الإنفصال عن الدولة”.

ويضيف ياعري: “يجب على إسرائيل ألّا تجعل من نفسها عدوةً للأغلبية السنّية في سوريا. الهدف هو العكس تماماً. يجب تقديم العون للدروز في محنتهم، من دون التضحية بالفرصة الكبيرة لبناء علاقات جديدة مع جارتنا”.

حماية الأقليات

بدوره، يقارب كفير تشوفا، في مقالة له في “يديعوت أحرونوت”، التدخل الإسرائيلي في سوريا من ناحية استراتيجية، ويعتبر أن تركيا وقطر تسعيان لفرض نفوذهما في سوريا باستخدام أدوات دبلوماسية ناعمة. ويقول: “حين يقدّم أحد الأطراف مصالحة وهمية من أجل كسب الوقت وتعزيز موقعه، استعداداً لصدام مستقبلي، فهذا يُعد لعبة خداع استراتيجي”. وأكثر ما يثير القلق، بحسب تشوفا، هو “تخلي إسرائيل عن شركائها الصامتين منذ فترة طويلة، كالدروز في الجنوب والأكراد في الشمال”. ويضيف “أي اتفاق لا يتضمن شروطاً واضحة بخصوص ضمان حماية هذه الأقليات، تكون تل أبيب تخاطر بفقدان حلفاء موثوق بهم، وتعمل على تفكيك إحدى أكثر آليات الأمن غير الرسمية استقراراً على طول حدودها”.

(المصادر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الشرق الأوسط، عرب 48).

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  المُطبّعون العرب الجدد.. لهم "فلسطينهم"!