دعوة حزب الله للحوار مع السعودية.. كيف تُصرَف لبنانياً وإقليمياً؟

وجّه الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم رسالة إلى السعودية يدعوها للحوار يؤكد فيها أن سلاح المقاومة في لبنان يستهدف العدو الاسرائيلي ولا يستهدفها هي أو غيرها من الدول، وكان قد سبقه موقف لافت للانتباه للقيادي في حزب الله محمود قماطي يُعلن فيه أن لا مشكلة بين حزب الله والسعودية.

بعد توتر سياسي وقطع علاقات دبلوماسية وتداعيات حرب اليمن، توصلت السعودية وإيران في العام ٢٠٢٣ برعاية صينية إلى اتفاق أعاد العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وورد في التفاهم أن الدولتين أكدتا “على احترام سيادة الدولة الأخرى وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”، ودعتا إلى تفعيل إتفاقية التعاون الأمني الموقعة بين البلدين في العام ٢٠٠١.

منذ توقيع هذا الاتفاق، شهد البلدان زيارات متبادلة، لعل الأبرز بينها تلك التي قام بها وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان في نيسان/أبريل من العام الجاري حيث عقد اجتماعات رفيعة المستوى أبرزها مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، سلّمه خلالها رسالة من الملك سلمان بن عبد العزيز تناولت سبل تعزيز التعاون الأمني بين الجانبين وتعزيز الإستقرار الإقليمي.

بعد الاجتماع، كتب المرشد خامنئي على حسابه على منصة “اكس”: “العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية مفيدة لكلا البلدين.. ومن الأفضل بكثير أن يتعاون الأشقاء في منطقة غرب آسيا ويساعدوا بعضهم البعض بدلاً من الاعتماد على الآخرين”.

لم تحظ نتائج هذه الزيارة بمتابعة سياسية وإعلامية كافية بسبب تسارع تطورات المحادثات الأميركية الإيرانية بشأن الملف النووي وصولاً إلى حرب الإثني عشر يوماً في حزيران/يونيو المنصرم.

وبطبيعة الحال، أدت هذه الحرب إلى تغييرات قيادية واسعة النطاق في إيران بعدما قرر المرشد وقيادة الدولة ملء الشواغر التي حدثت في أعقاب اغتيال عدد كبير من القادة في الجيش والحرس الثوري والعلماء النوويين وظهور خرق استخباري واسع النطاق أقرت به طهران.

وفي صلب هذه التغييرات، تم تعيين علي لاريجاني، السياسي الإيراني المخضرم، أميناً عاماً لمجلس الأمن القومي، وهو كان سابقاً رئيساً لهذا المجلس ورئيساً لمجلس الشورى (البرلمان).

عندما زار لاريجاني بيروت، ثاني عاصمة يزورها بعد تبوئه منصبه الجديد (الزيارة الأولى لبغداد)، وعد المسؤولين اللبنانيين ولا سيما رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن تكون الرياض محطته الثالثة والهدف بحث الملفات الإقليمية وفي صلبها الملف اللبناني. وبالفعل لم تمضِ أيام قلية حتى كان لاريجاني يزور الرياض ويلتقي كبار المسؤولين السعوديين وفي مقدمهم الأمير محمد بن سلمان.

ولم تكد تمضي ثمان وأربعين ساعة على انتهاء زيارة لاريجاني حتى صدرت دعوة الأمين العام لحزب الله لفتح صفحة جديدة مع السعودية.

هنا ينبري السؤال ما هي أبرز الملفات الشائكة أو الحذرة بين إيران والمملكة العربية السعودية؟

أولاً؛ سوريا:

خسرت ايران في سوريا موقعاً ونفوذاً استراتيجياً في منطقة غرب آسيا لطالما كان يُشكل جزءاً حيوياً من استراتيجيتها الداعمة للمقاومة في كل من لبنان وفلسطين.

لم تتهم طهران الرياض بالوقوف وراء انهيار النظام السوري بل وجّهت أصابع الاتهام إلى تركيا من دون أن تسميها نظراً للعلاقات التاريخية بين البلدين حيث صرّح السيد خامنئي متهماً “الولايات المتحدة وإسرائيل ودولة جارة لسوريا بأنها هي المحركة الرئيسية وراء هذه الأحداث”.

ومن المعروف أن السعودية كانت من الدول التي فوجئت بالسقوط الدراماتيكي لنظام الأسد وتوجست خيفة من التغيير المفاجئ، وبخاصة أنها كانت قد فتحت خطوطاً مع النظام السابق، حالها كحال العديد من الدول العربية وضغطت باتجاه إعادته إلى جامعة الدول العربية.

وهكذا تعاملت الدبلوماسية السعودية بهدوء مع الحدث السوري وتمكنت من تحقيق اختراق مع الإدارة السورية الجديدة، الأمر الذي بلغ ذروته مع قمة الرياض الثلاثية التي جمعت كلاً من الرئيس ترامب والرئيس أحمد الشرع والأمير محمد بن سلمان.

في هذا السياق، رأت إيران أن السعودية لم تتسبب في ضرب مصالحها في سوريا ولم تخرق اتفاق بيجينغ، وتعاملت مع الواقع الجديد لمصلحتها وهذا خيارها..

ثانياً؛ فلسطين:

ما زالت وجهات النظر في مقاربة قضية فلسطين مختلفة بين إيران والسعودية. إيران تدعم المقاومة الفلسطينية المسلحة وأيّدت عملية “طوفان الأقصى”، فيما تنشط السعودية وفرنسا دولياً لفرض حل الدولتين، بينما تقف الولايات المتحدة حتى الآن عائقاً أمام هذا الحل، في ظل اتساع المواقف الدولية المؤيدة للدولة الفلسطينية.

وبإزاء هذين الموقفين المختلفين لكل من طهران والرياض، تعمد إسرائيل وبدعم من إدارة ترامب إلى ارتكاب المجازر ومحاولة تهجير سكان قطاع غزة واستخدام أقوى أسلحتها لتدمير الأبنية والمساكن والمستشفيات وفرض حصار على القطاع وتجويع سكان القطاع الذين قضى منهم أكثر من ٦٥ ألفاً بينهم ٤٥٠ من الجوع. هذه الارتكابات الإسرائيلية جعلت نتنياهو مطلوباً بموجب مذكرة اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.

في ظل هذا التغول الإسرائيلي المستمر يمضي الفريقان السعودي والإيراني كلٌ في مساره في مواجهة إسرائيل سياسياً وعسكرياً، وهذا ما يخلق نوعاً من التوافق غير المعلن بين الفريقين، وهذا ما يرضي أيضاً كلا الطرفين إلى حد ما ويُقلّل منسوب القلق والحذر بينهما.

إقرأ على موقع 180  تل أبيب وإغتيال فخري زاده: تغيير قواعد اللعبة

ثالثاً؛ اليمن:

مع أن اليمن كان نقطة صدام ونزاع بين السعودية وحركة أنصار الله المدعومة من إيران لكن وقف إطلاق النار وتجميد النزاع منذ عام ٢٠٢١ شكّل ارتياحاً نسبياً للسعودية برغم عدم توفر اتفاق سياسي ينهي الأزمة اليمنية جذرياً.

وبعد اندلاع “طوفان الأقصى” إنصرف اليمن (الشمالي) إلى مواجهة إسرائيل وفتح جبهة بحرية (لا سيما في مضيق باب المندب والبحر الأحمر) مع إسرائيل. وقد نجح “أنصار الله” (الحوثيون) في منع السفن المرتبطة بإسرائيل من عبور هذه المناطق البحرية ما أدى إلى خسائر إسرائيلية فادحة لا سيما لجهة اغلاق مرفأ ايلات واستمرار اطلاق الصواريخ الباليستية والتسبب باغلاق مطار بن غوريون وهروب الملايين إلى الملاجئ بشكل متقطع.

المعادلة القائمة في اليمن هي حرية اليمن في مواجهة إسرائيل. في المقابل، لا تتدخل السعودية بذلك. معنى ذلك أن وضع اليمن اليوم هو الأقل ضرراً للسعودية على الأقل لغاية الآن.

رابعاً؛ لبنان:

يُشكّل لبنان بحكم موقعه الجغرافي في النزاع العربي الإسرائيلي، وتركيبته السكانية علامة مميزة ومعقدة في العلاقات الاقليمية والدولية. لا يمكن لأي ديبلوماسي يعتمد الأطر الأكاديمية والقوانين الفيزيائية أن ينجح في لبنان، فالتعقيدات ترسم مشهداً يصعب تفهمه من قبل حديثي العهد بمعرفة لبنان.

لن ندخل طويلاً في هذه الفكرة بل ننطلق إلى الانتخابات الرئاسية اللبنانية وتشكيل الحكومة الجديدة حيث دعمت السعودية انتخاب العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية وتكليف نواف سلام برئاسة الحكومة. أيّد حزب الله وحلفاؤه انتخاب العماد عون بعد تخريجة دستورية أعدّها حليف حزب الله رئيس مجلس النواب نبيه بري (انتخاب بأكثر من ٨٦ يغني عن تعديل دستوري مطلوب لانتخاب قائد الجيش) وهكذا كان لحزب الله وحركة أمل حصة في انتخاب الرئيس. أما عند تكليف نواف سلام فقد فوجئ الرئيس عون بمواقف النواب المتغيرة وكذلك فوجئ الرئيس نبيه بري وحزب الله إلا أنه تم استيعاب نيل نواف سلام الأكثرية وفقاً للدستور وجرى التكليف وبدأت عملية التأليف فانتهت بالتوافق على حكومة تمثل فيها حزب الله تكنوقراطياً وتجنب أزمة سياسية حادة.

سارت أمور الحكم بشكل سلس لحين جلستي ٥ و٧ آب/أغسطس اللتين غاب عنهما المكون الشيعي فأفقدهما الميثاقية المحددة في البند (ي) من مقدمة الدستور (لا شرعية لسلطة تناقض العيش المشترك) لكن جلسة ٥ أيلول/سبتمبر أي بعد نحو شهر وبحضور جميع الوزراء أعادت التوافق إلى طبيعته.

ومع تفهم كل من إيران والسعودية لموقف الآخر في سوريا وفلسطين واليمن بات التفهم في لبنان جاهزاً بعد ٥ أيلول/سبتمبر وتحول الخطاب السياسي الرسمي مدعوماً من السعودية إلى مطالبة اسرائيل بوقف اعتداءاتها وانسحابها من النقاط المحتلة واعادة الأسرى مع الإبقاء على قرار حصرية السلاح بيد الدولة.

بعد زيارة لاريجاني إلى السعودية (زار قبلها لبنان زالعراق) وقبلها زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران، وفي ظل موقف السيد الخامنئي حول أهمية العلاقات الإيرانية السعودية، بات منطقياً أن يُوجّه الشيخ قاسم دعوة للسعودية للحوار وفتح صفحة جديدة. هذا الحوار ازدادت ضرورته بعد عدوان إسرائيل المفاجئ وغير المسبوق على قطر الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي.

التعاون السعودي الباكستاني

حقّقت اتفاقية الدفاع والأمن بين السعودية وباكستان (جرى التفاوض عليها منذ أكثر من سنة وتم توقيعها مؤخراً) اطمئناناً للسعودية وباتت اكثر ارتياحاً في مقاربة أمنها الاقليمي ولهذا يمكننا أن ننتظر تحسناً في العلاقات بين حزب الله والسعودية ينعكس ايجاباً على لبنان ويتمكن من إجراء اصلاحات حقيقية وبسط جدي لسلطة الدولة على أراضيها ما لم تحصل تطورات إقليمية كبيرة تؤثر على مجمل الأوضاع.

Print Friendly, PDF & Email
إلياس فرحات

عميد ركن متقاعد

Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  من غزة إلى ترامب.. إيران تستعد لانتخاب رئيس متشدد